جسدت حالة السكون التي عرفتها شوارع كل المدن الجزائرية، مباشرة بعد صافرة الحكم البلجيكي، التي أعلنت نهاية المباراة والإقصاء الرسمي للمنتخب الوطني في ثالث مشاركة في الحفل العالمي في تاريخه، حالة الغضب التي كانت عليها الجماهير الجزائرية بعد الإقصاء، بعد نتائج جد متواضعة لم ترق إلى مستوى الإمكانات الموفّرة والرعاية التي حظيت بها تشكيلة الخضر من قبل الدولة، والأموال الضخمة التي صرفتها من أجل إعداد منتخب قادر على قهر الكبار، لتكون النتيجة جد مخيبة حين اكتفى المنتخب بنقطة واحدة، صفر هدف وبطاقتين حمراوين وأداء غلب عليه أسلوب التكتل الدفاعي والتخوف من تلقي أهداف، أكثر من اعتماده على اللعب الشيق الهجومي، ليأتي الرد من قبل الجمهور الذي ورغم الضغط الإعلامي الذي حاول التستر على الكارثة واعتبار المشاركة مشرفة، إلا أن غياب ملامح الارتياح وسط الجمهور تبين رفضه دعم ومساندة المنتخب بعد هذا الإقصاء المر. سياسة المحاباة وإرضاء المقربين فرضت التشكيلة الأساسية والخطة مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن إقصاء المنتخب، أجمع الجزائريون من خلال المناقشات التي احتدمت بعد نهاية مباراة أمريكا، على غياب العارضة الفنية، سواء فيما يتعلق بالمنهجية أو فيما يتعلق بالسياسة التي انتهجها الطاقم الفني في خياراته وخططه، فخيار منهجية 3-5-2 والذي يبقى منتخبنا الوحيد الذي اعتمد عليه، ليس نابعا انطلاقا من إمكانات التعداد الذي بحوزته، بل أن إرضاء المقربين من اللاعبين هو السبب، بعد أن وجد سعدان أن إقحام المدافع عنتر يحيى الذي كان بعيدا جدا عن مستواه جعله يضطر إلى فرض منهجية 3-5-2، أما بخصوص التعداد الأساسي فقد ظهر الفشل واضحا، واعتمد منذ المباراة الأولى على نفس العناصر ال9 مكتفيا بتغيير بين مواجهة وأخرى جبور وبودبوز، وقد طغت على سعدان عقلية المحاباة و"السوسيال" في اختيار التشكيل الأساسي، والأكيد أن الإصرار على إشراك زياني أساسيا طيلة المواجهات الثلاث، ليس نابعا من قناعات تتعلق بالجاهزية بالنسبة للاعب ظل لأشهر عديدة خارج المنافسة، ألم يعترف سعدان شخصيا أنه يشاور مقربيه من اللاعبين في تحديد التشكيلة الأساسية؟. استحواذ سلبي على الكرة وفشل ذريع في التغييرات ومن أجل تغطية الأمور التي اعتعمد عليها في اختيار قائمة ال23 لاعبا، ثم في وضع التعداد الأساسي والذي لم يكن سعدان بحاجة إلى إقامة التربصات من أجل الخروج به، فقد ظل يبحث عن حل ناجع يقيه الخسارة بنتيجة ثقيلة، ليجد في أسلوب الاستحواذ على الكرة في منطقته لأكبر فترة ممكنة حلا ذكيا للظهور في مظهر التشكيلة التي تجيد التحكم في الكرة واستغفال المناصر، حيث وحسب العارفين بميدان كرة القدم فإنه لا جدوى من الاحتفاظ بالكرة إن لم يكن الهدف التقدم إلى الأمام والبحث عن ثغرات في دفاع المنافس، لتبقى التغييرات التي أحدثها في المواجهات الثلاث، دليل آخر ليس على الفشل الفني بل وصل الحد إلى تجسيدها عدم تحكم المدرب الوطني في المجموعة، بعد الأخبار المتداولة بخصوص فرض عناصر مثل صايفي، غزال والدخول عنوة للمباراة، وإلى هذا الحد لا يمكن طبعا الحديث عن كرة القدم بعد أن حرم سعدان الجمهور من رؤية بودبوز وعبدون. الأسبوع الأول من تربص "لوكاستيلي" خصص للسمر والأسبوع الثاني "السيكسا" دارت حالة وتبقى المعسكرات التي أقامها "الخضر" والتي تطلبت مصاريف ضخمة من أموال الشعب، مجرد تجميع اللاعبين من أجل روابط الصداقة وترسيخ التكتلات داخل التعداد، وهو ما عرفه تربص "لوكاستيلي" استعداد لدورة كأس إفريقيا أمام أنغولا، حيث خصص الأسبوع الأول الذي عرف غيابات بالجملة لخمسة عناصر أساسية عن التدريبات، وحضورهم بالزي المدني على أساس معاناتهم من الإصابة، ما جعل سعدان يؤكد أن الأسبوع الأول سيخصص لخلق الانسجام وروح المجموعة، في تلاعب مفضوح بمشاعر الجمهور، حيث انشغل اللاعبون آنذاك بالسمر إلى ساعات متأخرة من الليل واستقبال الضيوف، فيما عرف الأسبوع الثاني ورغم اندماج غالبية المصابين ورفع حجم العمل صباحا ومساءً، فقد تفاجأ كل من حضر التربص إلى الاكتفاء بإجراء مباريات مصغرة بين اللاعبين من دون أن تسمع صراخ المدرب وتوجيهات لفرض بعض التصحيحات حسب ما هو معمول به. وضع المصابين والبعيدين عن المنافسة في قائمة ال23 خطأ لا يغتفر وكان المدرب سعدان، الأكثر معرفة بخبايا لاعبيه، قد تعمد خلال إعلانه قائمة ال23 المعنية بالسفر إلى جنوب إفريقيا، وضع أسماء عناصر كان يعلم مسبقا أنها تعاني من إصابة، ليكتشف مع بداية كل تربص عن عدم إمكانية القيام بعمل ناجع خلال التربص في ظل معاناة بعض العناصر الأساسية من إصابات، وبالتالي عدم تحقيق الأهداف المسطرة من التربص، والأدهى والأمر مراهنته على نفس القائمة على عناصر بقيت خارج المنافسة لأشهر، في قرار وصف أنه ضد كل التقاليد المتعارف عليها في ميدان كرة القدم، مرتكبا خطأ لا يغتفر وجريمة نكراء في حق المنتخب الوطني، خاصة أنها جاءت على حساب عناصر أثبتت قدراتها على غرار زياية، العمري الشاذلي وحاج عيسى. تجنب الفضائح وحرمان المنتخب من المباريات التحضيرية وبالإضافة إلى ما تم ذكره من أخطاء ارتكبها سعدان عمدا، والتي كانت وراء مطالبة الجماهير برأسه، حيث وحفاظا على مصالحه وحتى لا يكون مستهدفا بالانتقادات، فقد ألغى في برنامجه التحضيري المباريات التحضيرية الكثيرة، مكتفيا ببرمجة ثلاث مواجهات فقط، رغم تواجد غالبية عناصر التعداد في تلك الفترة بعيدا عن المنافسة مع فرقهم، وكان من الأجدر تعويضهم بالإكثار من المباريات الودية، لكن درس لقاء صربيا جعل سعدان يحرص على تجنب الإنتقادات بإيجاد حلول وسد النقائص التي ظهرت على مستوى الخط الأمامي، خاصة أنه بعد مواجهة صربيا جاءت قبل أشهر من موعد المونديال. زياني لم يلمس الكرة منذ فيفري الماضي، "الخور" سرح صايفي، غزال استعمل ظهيرا أيمن في فريقه وسعدان عاقب عبدون لأنه أساسيا في فريقه وكانت قائمة ال23 قد عرفت معارضة شديدة من قبل الجمهور الجزائري بسبب محدودية مستوى غالبية العناصر، خاصة بعد الأخبار التي وصلت من البطولة الألمانية والتواجد الدائم لما يسمى صانع ألعاب الخضر زياني، خارج قائمة ال18 منذ عودته من كأس إفريقيا، حيث تعود آخر مباراة لعبها أمام نيجيريا لحساب اللقاء الترتيبي من الكان، لكن سعدان وبعبقريته اعتمد عليه في صناعة اللعب، فيما لم يشفع تسريح فريق متواضع مثل الخور القطري، للمهاجم رفيق صايفي، لإقناع سعدان بحذفه من القائمة، كما شاهد الجمهور الجزائري بأم عينيه المهاجم غزال وهو يلعب ظهيرا أيمن في تشكيلة سيينا الإيطالي، وهو يتجه بها نحو القسم الثاني، وما زاد من قناعة الجمهور بمحدودية مستوى بقية العناصر بما فيهم لاعب سانتندير الإسباني لحسن، أن الغالبية تكتفي بالركون في مقعد البدلاء، وعكس كل أخلاقيات المهنة وضع سعدان وسط الميدان عبدون في الإحتياط، عقابا له على انتزاعه مكانة أساسية في فريقه نانت الفرنسي. لجيل الحالي الأكثر رعاية في التاريخ والاتحادية خصصت حتى منحة للإقصاء ولم تكن الجماهير الجزائرية لتكون في حالة من الإحباط والاستياء بعد هذا الإقصاء المر لولا علمها بالإمكانات الجد ضخمة التي وفرتها الدولة الجزائرية، ووضعتها تحت تصرف رفقاء زياني، حيث لم يسبق لجيل من الأجيال التي تعاقبت على المنتخب الوطني أن حظيت بمثل هذا الاهتمام وكل هذه الإمكانات المعتبرة، مثل الجيل الحالي، عندما نعلم المكانة الرفيعة المستوى التي أصبح المنتخب يقيم بها التربصات ووضع طائرة خاصة لضمان تنقلات الخضر أينما حل أو ارتحل، بالإضافة إلى التحفيزات الجد مغرية التي رصدتها الدولة مقابل التأهل إلى نهائيات كأس العالم، والمنح المغرية التي رصدتها الاتحادية في حالة انتزاع ورقة التأهل إلى الدور الثاني في جنوب إفريقيا، إلى درجة تخصيص منحة معتبرة في حالة الإقصاء بشرف، حيث وحسب مصادر عليمة، فقد تم اشتراط ضمان مواجهتين في المستوى من بين الثلاث مقابل منحة معتبرة. ملحمة "أم درمان" من صنع الجماهير وأجمع الجمهور على أن المواجهة الفاصلة أمام المنتخب المصري في ملعب "أم درمان" بالسودان، والتي منحت تأشيرة التأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا للمنتخب الوطني، هي التي كانت وراء تعلقهم بعناصر التشكيلة الحالية ووصفهم بالأبطال، لكن ومع مرور الأيام وبعد تأكد محدودية مستوى غالبية العناصر، اتضح بما لايدع مجالا للشك، أن تلك الملحمة كانت من صنع الجمهور الجزائري، الذي تنقل بالآلاف (حوالي 11 ألف مناصر) بفضل مساهمة الدولة في ضمان نقل كل تلك الأعداد الغفيرة وملأ مدرجات ملعب أم درمان، ليكون وراء ضرب تركيز لاعبي المنتخب المصري وتحقيق الفوز. وراوة أمام مسؤولية تاريخية لتحقيق طموحات الشعب يبقى الجمهور الجزائري ينتظر اتخاذ قرارات جريئة من قِبل رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم محمد روراوة، وإحداث ثورة حقيقية داخل المنتخب الوطني وإعادة تنظيمه من كل الجوانب بداية بوضع عارضة فنية في مستوى تطلعات الجمهور ومتكونة من خبراء في إعداد المنتخبات وتحت إشراف إحدى الأسماء الذائعة الصيت في عالم التدريب في العالم، خاصة أن الدولة أكدت استعدادها لتوفير كل سبل النجاح مع إعادة النظر في تركيبة المنتخب والعمل على انتقاء أحسن العناصر وعدم التفرقة بين المحليين والمحترفين، ويبقى مقياس الإمكانات الفنية الوحيد في تحديد القائمة التي تحمل الألوان الوطنية.