التحقيقات القضائية، ثمّ المحاكمة التي تجري وقائعها منذ الثامن جانفي الماضي، بمحكمة جنايات البليدة، بخصوص قضية الخليفة، لم تتوقف عند "صغار" المتهمين والشهود، وإنما جرّت مهمة البحث عن الحقيقة في "فضيحة القرن"، عددا من الوزراء، تمّ الاستماع إليهم من طرف العدالة، انطلاقا من المناصب التي شغلوها عندما كان المجمع المنهار يتنامى بالنصب والاحتيال، كما وردت أسماء وزراء آخرين، ورؤساء حكومات، على لسان بعض الشهود والمتهمين ضمن شهاداتهم واعترافاتهم، حتى وإن بقوا بعيدا عن "القائمة السوداء" التي شملها قرار الإحالة، وكذا عن فصول المحاكمة التاريخية والأولى من نوعها. ويتعلق الأمر، بكل من وزير المالية السابق والحالي، مراد مدلسي، ووزير العمل والحماية الاجتماعية سابقا، وزير الدولة حاليا، أبو جرة سلطاني، ووزير السكن الأسبق عبد المجيد تبون، ووزير المالية سابقا، محمد ترباش، والوزير المنتدب المكلف بالإصلاح المالي حاليا، كريم جودي، ووزير الصناعة الأسبق، عبد السلام بوشوارب، ووزير التضامن الوطني في الحكومة الحالية، جمال ولد عباس، والوزيرة المنتدبة للإصلاح المالي سابقا، فتيحة منتوري. كما وردت أسماء: وزير العدل سابقا، محمد شرفي، ووزير الموارد المائية حاليا، عبد المالك سلال، بصفته وزير النقل سابقا، ووزير السكن الأسبق، محمد بونكراف، ووزير السكن الحالي، محمد النذير حميميد، ووزيرة الثقافة الحالية، خليدة تومي، بصفتها وزيرة الاتصال سابقا، وحميد تمار، وزير المساهمات وترقية الاستثمار، وشكيب خليل، وزير الطاقة والمناجم، إلى جانب ورود اسم رئيسي الحكومة السابقين، علي بن فليس وأحمد أويحيى. هذه الأسماء الوزارية، منها من استمعت إليهم العدالة في إطار التحقيقات القضائية في فضيحة الخليفة، بصفتهم شهود (مدلسي، ترباش، سلطاني، جودي)، ومنهم من وردت أسماؤهم على لسان زملائهم خلال الشهادات، دون استجوابهم أو استدعائهم من طرف القضاء (شرفي، سلال، منتوري، بونكراف، حميميد، بن فليس)، ومنهم من استمعت إليهم المحكمة العليا (تبون وبوشوارب)، وهناك من الأسماء "الحكومية"، من جرّتها المحاكمة وعملية الاستماع للشهود والمتهمين وكذا تدخلات هيئة الدفاع (ولد عباس، تومي، أويحيى، خليل وتمار). ومع "سقوط" أسماء بعض الوزراء على المحاكمة المتعلقة بفضيحة القرن، فإن أغلب الأسماء ظلت بعيدة عن الواجهة، باستثناء الأسماء التي شملها قرار الإحالة، وقد طالب البعض خلال جلسات المحاكمة، باستدعاء بعض الوزراء لسماع شهادتهم، لكن عدم الاستماع إليهم من قبل العدالة خلال سير عملية التحريات، حال دون ذلك، وقد دافع "الوزراء الشهود" على "براءتهم" من كمائن وخروقات مجمع الخليفة، كما فنّد عدد من الوزراء الذين سقطت أسماؤهم "قصدا أو سهوا"، علاقتهم بالهارب رفيق عبد المومن، وكذبوا استفادتهم من الامتيازات والريوع التي كانت توزعها الخليفة تحت طاولة النصب والاحتيال بعد نهب أموال الشعب والدولة. وزير المالية سابقا، محمد ترباش، صرح للعدالة عند الاستماع إليه خلال مرحلة التحقيق، أنه في تلك الفترة، قام رئيس الحكومة آنذاك (علي بن فليس)، بتشكيل لجنة وزارية تتكون من وزير العدل، محمد شرفي، ووزير النقل، عبد المالك سلال، والوزيرة المنتدبة للإصلاح المالي، فتيحة منتوري، ومحافظ بنك الجزائر، إلى جانب وزير المالية، وقال ترباش أمام محكمة جنايات البليدة، لدى الاستماع لشهادته، إنه لم يعثر على التقرير المتعلق بخروقات الخليفة، بالرغم من التحقيق الذي فتحه بالوزارة، بما استدعى طلبه من البنك المركزي، وهو ما تسبّب في تأخر تسلمه لمدة ثمانية أشهر كاملة. وزير الدولة حاليا، أبو جرة سلطاني، بصفته وزيرا للعمل والحماية الاجتماعية سابقا، قال للعدالة بخصوص إيداعات صناديق الضمان الاجتماعي لأموالها ببنك الخليفة، إنه أثناء اشتغاله كوزير لم يخطر بإيداعات هذه الصناديق ببنك الخليفة، ولا علم له بكيفية إيداع هذه الأموال، كما صرّح سلطاني في شهادته أمام محكمة جنايات البليدة، بأن إيداع أموال الصناديق تمّ بعد مغادرته للوزارة، مفندا استفادة ابنه وشقيقه من أي امتيازات أو وساطة لدى مجمع الخليفة. وزير المالية السابق والحالي، مراد مدلسي، صرح أثناء التحريات القضائية، بأنه لا تربطه أية علاقة بعبد المومن خليفة، مع أنه استقبله في نهاية 2001، وقال أمام محكمة جنايات البليدة، إنه لم يكن ذكيا في التعامل مع التقرير الذي وصله حول خروقات بنك الخليفة، واعترف بأنه استقبل الخليفة بمكتبه قصد نيل وساطة الوزير مع البنك المركزي، للحصول على وثيقة تثبت جدارة بنكه في التعاملات المصرفية، وهي الوثيقة التي طلبتها منه السلطات الألمانية لتمكينه من البنك الألماني الذي كان ينوي شراءه. الوزير المنتدب المكلف بالإصلاح المالي حاليا، كريم جودي، بصفته شغل منصب المدير العام للخزينة العمومية، قال في شهادته إن عبد المومن لم يودع خمس رأس مال البنك الذي كان يستوجب إيداعه لمنح بنك الخليفة الاعتماد، وأنكر جودي أمام العدالة، أن يكون قد تلقى تعليمة من الوزير مراد مدلسي، تقضي بحظر إيداع أموال المؤسسات العمومية لدى البنوك الخاصة. وزير السكن الأسبق، عبد المجيد تبون، بخصوص إيداع أموال دواوين الترقية والتسيير العقاري ببنك الخليفة، قال بأنها تمت في عهد الوزير بونكراف وتواصلت في عهده، بل الأكثر من ذلك، تواصلت في عهد الوزير محمد النذير حميميد، مؤكدا للعدالة أنه لم يعط أية تعليمات أو توجيهات لهذه الدواوين لإيداع أموالها ببنك الخليفة، مصرحا أنه فعلا يعرف رفيق عبد المومن، وأنه سأله عندما كان يشغل منصب الوزير المنتدب للجماعات المحلية، حول ما إذا كان بنكه يقوم بعمليات الصرف، وأنه بعد مدة قام بزيارة الخليفة بمكتبه وسلمه مبلغ 200 ألف دينار نقدا، وهناك سلمه الخليفة البطاقة المغناطيسية للدفع الفوري، ولم يكن أي شخص حاضرا معه، وذكر تبون بأنه لم يكن يمتلك أيّ حساب جاري ببنك الخليفة بالعملة الوطنية أو العملة الصعبة. وموازاة مع عملية استماع العدالة لوزراء حاليين وآخرين سابقين، قصد الوصول إلى الحقيقة ومعرفة تفاصيل قضية الخليفة، ورد عند بداية المحاكمة، اسم جمال ولد عباس، وزير التضامن الوطني حاليا، فيما يخصّ قائمة المسؤولين المستفيدين من امتيازات الخليفة، وهو ما اعتبره فيما بعد "مؤامرة تستهدفه"، كما ورد اسم أحمد أويحيى، بصفته رئيسا سابقا للحكومة، من أجل استدعائه لتقديم شهادته، وقد أبدت في حينها رئيسة المحكمة، إقدامها على هذا الإجراء في حال ما تبينت ضرورة هذه الشهادة، فيما أعرب أويحيى، بعد ذلك، عن استعداده للمثول أمام هيئة المحكمة للرد على تساؤلات العدالة بخصوص احتيال العصر. وتواصلت فصول الاستماع لشهادات الشهود واعترافات المتهمين، إلى أن ورد اسم وزيرة الثقافة الحالية، خليدة تومي، فيما يتعلق بملف القنوات التلفزيونية لمجمع الخليفة، قبل أن يرد اسما كل من وزير الطاقة والمناجم، شكيب خليل، (حسب ما تضمنه مقال أمس، في يومية لوجان أنديبوندو)، بخصوص تسيير أموال سوناطراك، وكذا وزير المساهمات وترقية الاستثمار، حميد تمار، بخصوص تشغيل ابنته في منصب رئيسة وكالة خليفة إيروايز بباريس، بأمر من رفيق عبد المومن. شهادات بعض الوزراء حول فضيحة الخليفة، وورود أسماء وزراء آخرين، دون أن يتكلّموا، باستثناء تبرئة بعضهم لذمتهم من ما قيل حولهم، يدفع أوساطا مراقبة إلى التساؤل حول مصير شهادات ثقيلة، بعضها لم ينه الغموض، مثلما حدث بشأن اختفاء التقرير المتعلق بجرد خروقات الخليفة، من مكتب وزير المالية، وهل يمكن توريط بعض الوزراء في ارتكاب "تجاوزات"، إما عن قصد بإغماض أعينهم وعدم السرعة في التحرّك، وإما نتيجة "غياب الذكاء"؟، وإلى أيّ مدى سيؤثر ورود أسماء عدد من الوزراء، على مناصبهم ومسؤولياتهم مستقبلا (التغييرات الحكومية)؟، ثم هل كان للهارب رفيق عبد المومن خليفة، أن ينجح في تنفيذ "مخطط" النصب والاحتيال والنهب المبرمج، لولا "التواطؤ" المفضوح (المعزول والانفرادي) لبعض الأشخاص، ولولا "الغباء" والتراخي والإهمال الذي ساعد الخليفة على مباشرة جريمتها تحت شعار: دعه يعمل، دعه يمرّ.. دعه ينهب، دعه ينصب؟! جمال لعلامي