"صيحات، بكاء، إغماءات، توسلات لقاضي الجلسة"... تلك حالة الأمهات اللواتي يحضرن بمحاكم العاصمة، لمشاهدة وسماع أطوار محاكمة أبنائهن الشبان والذين تتراوح أعمارهم بين 20 و28 سنة بعد دخولهم عالم الانحراف من بابه الواسع، ليضافوا إلى قائمة المدمنين على مختلف أنواع المخدرات، فتجد الأمهات أنفسهن بين السندان والمطرقة، حين تطغى الغرائز الفطرية على تصرفاتهن في محاولة لإنقاذ فلذات أكبادهن من الانحراف بإدماجهم في مؤسسة علاجية عن طريق إقناعهم بدون إجبار، لكن هذا الحل تكون نسبته ضئيلة، ليلجأن إلى العقل باتخاذ إجراء التبليغ عن أولادهن لدى مراكز الشرطة، ظنا منهن أن العدالة باعتبارها جهاز ردع يمكنها تخليص أولادهن من آفة الإدمان، ومن الموت المحقق أصلا. تتقطع قلوب الأمهات حين يمثل فلذات أكبدهن وراء القضبان الحديدية، للمحاكمة في قضايا التعاطي والإدمان على المخدرات أو المتاجرة فيها، بعد مكوثهم في السجن مدة تكون قصيرة أو طويلة حسب الملف وثقله، وتكاد الأم تقوم من مقعدها بمجرد مباشرة الاستجوابات من قبل قاضي الجلسة، لولا المحاولات المتكررة من قبل الشرطي بالتريث والتحكم في أعصابها بالرغم من تبليغها عن ابنها المدمن أو التاجر الذي تنتظره في معظم جنح المتاجرة والحيازة عقوبة تصل أقصاها 12 سنة العقوبة التي لم تكن في حسبان الوالدة باعتبارها المبلغة عن ابنها لدى وكيل الجمهورية أو مركز الشرطة. تلاشت الأخلاق وضربت عرض الحائط، لإبن تجاوز الخطوط الحمراء مع من حملته ببطنها تسعة أشهر وسهرت عليه وربته إلى أن صار رجلا، إلا أن قلب الأم المرهف يطغى في آخر لحظة حين تعفو عنه، بالرغم من معاناتها من تصرفات ابنها المدمن، بعد أن يذهب المخدر بعقله نتيجة تعاطيه "الهيروين، كوكايين، قنب هندي"، حالات غثيان وصراخ الأمهات المغلوبات على أمرهن في ظل ضياع الإبن وسط عالم الإدمان والخروج منه يكون بمؤسسة علاجية أو عقابية للتخلص من السموم التي نخرت جسده. ارتأت "الشروق" تسليط الضوء على بعض الحالات التي يندى لها الجبين.
تشي بفلذة كبدها لدى مصالح الأمن.. وتترجى القاضي الإفراج عنه لمجرد سماع عقوبة 10 سنوات انسدت جميع الأبواب في وجه العجوز "ن.علجية" حين أذهب الإدمان على الهيروين وتناول الأقراص المهلوسة عقل فلذة كبدها، وتمادى في تصرفاته اثر تعديه على الأصول "والدته" كلما دخل المنزل أشبعها ضربا وإهانة، وبمجرد ان ضاقت بتصرفاته ذرعا، لجأت إلى حل أخير وهو التبليغ عنه لدى مصالح الأمن التي داهمت منزله وعثرت على كميات معتبرة من الأقراص المهلوسة قدرت بأزيد من 120 قرص مهلوس، ليتم توقيفه وإيداعه الحبس. ولمجرد انطلاق المحاكمة واستجوابه، انهارت الأم في جلسة محكمة سيدي أمحمد، بعد سماعها لطلبات النيابة المتمثلة في تسليط عقوبة 10 سنوات حبسا نافذا، بعد أن نسبت إليه تهمة المتاجرة وحيازة المخدرات، الأمر الذي لم تتوقعه الأم، معتبرة العقوبة جد قاسية، فراحت تتوسل القاضي الصفح عنه، وأن تبليغها كان هدفه التأديب لمدة أيام ووضعه في مؤسسة علاجية وليس بعشر سنوات، مؤكدة بعد ان سمح لها القاضي بالتحدث أنها كانت في لحظة غضب فقط، طالبة الاهتمام به لظروفها القاهرة ووفاة والده الذي أثر على نفسيته وغاص في عالم الانحراف.
"شمام" كوكايين يبيع مجوهرات والدته ويهددها بالقتل كانت الحالة الصحية لشاب في العقد الثاني "ك.محمد" تزداد سوءا يوما بعد آخر، حين أدمن على استهلاك المخدرات من نوع الكوكايين ووجد صعوبة في الإقلاع عنها، تفاصيل قصة مؤلمة تحملت نتائجها الأم المطلقة حين راح الولد يبيع مستلزمات المنزل لاقتناء السم القاتل ببطء، ووصلت به الجرأة إلى سرقة مجوهرات أمه وإخوته البنات، الطريقة الوحيدة التي تمكنه من شراء قطعة لتهدئة أعصابه بعد أن تحول إلى "شمام" كوكايين. لم تجد الأم المغلوبة على أمرها سوى اللجوء إلى مركز الشرطة، لإيداع شكوى ضد تصرفات ابنها "محمد" الطائشة لاسيما وانه بات يهددها بالقتل في حالة عدم توفير المال الكافي لشراء كمية الكوكايين المنتهية، وخوفا من تصرفاته غير المسؤولة، حاولت مساعدته باللجوء إلى العدالة لعل القاضي يجد حلا، فكان مصير الإبن السجن لمدة 5 سنوات بعد أن نسبت إليه جنحة الاعتداء على الأصول والتهديد بالقتل، الأمر الذي لم تتحمله الوالدة ونزل كالصاعقة حين طرأت على أذنيها العقوبة المسلطة فأغمي عليها في الجلسة، واستدعى الأمر توقيفها وبصعوبة استعادت وعيها بالكامل بعد أن كانت تحت تأثير الصدمة.
يغرس 30 طعنة بخنجر في جسد والدته لتبليغها عنه الشرطة وعن قضية سردها ل"الشروق" أحد المحامين حين لقت الوالدة حتفها على يد ابنها الذي غرس خنجرا وطعنها بأكثر من 30 طعنة حتى الموت، لمجرد تفكيرها في إنقاذه وإخراجه من عالم الإدمان، بعد تعاطيه المخدرات وتماديه في الاعتداء عليها بالضرب والسب فاستنجدت برجال الأمن الذين قاموا بإيداعه الحبس بالمؤسسة العقابية. وبمجرد انقضاء فترة عقوبته، انتقم منها بارتكابه جريمة قتل الأصول عن سبق الإصرار والترصد، خاصة وان دخول الشاب السجن يعد للمرة الثانية بعد ان امتنعت عن الصفح عليه أمام القاضي وطالبت بإدانته بعقوبة قاسية حتى لا يكرر فعلته بتعاطي المخدرات والاعتداء عليها.
طالب تجارة دولية يتعاطى "الهيروين" ويهدد والده بالقتل وفي قضية الحال، اعترف طالب شعبة التجارة الدولية سنة ثالثة على فعل تعاطيه المخدرات من نوع "الهيروين"، وفقدانه صوابه والتحكم في أعصابه، حين راح يكسر الزجاج الأمامي لسيارة والده ويهدده بالقتل وسبه وشتمه، كونه كان تحت تأثير مفعول المخدرات باعتباره مدمن "هيروين" منذ مدة 4 أشهر، ومعتاد على اقتناء الكمية بمبلغ 9000 دينار، ذاكرا جهود والده الذي حضر الجلسة في محاولته المتكررة بعرضه على أطباء متخصصين في الخارج، إلا ان مفعول المخدرات كان أقوى وحال دون إقلاعه عنها. في الوقت ذاته، تأسف الوالد للحالة التي آل إليها فلذة كبده كونه من عائلة مرموقة وبدون مشاكل اجتماعية، إلا أن تصرفات ابنه جعلته يطرده خارج المنزل العائلي، نتيجة تصرفاته اللاأخلاقية وتلفظه بعبارات مشينة، مؤكدا انه سامحه على تصرفه، كونه في حالة لاوعي.
المحامي "شايب صادق" ل"الشروق": التبليغ ليس الحل الجذري ويجب الاعتناء بالأبناء وإدماجهم في مؤسسات علاجية أكد محامي معتمد لدى مجلس قضاء العاصمة وعضو نقابة الأستاذ "شايب صادق" في تصريح ل"الشروق" أن المشرع الجزائري خص إجراءات ومواد خاصة، فيما يتعلق ببعض الأمهات اللواتي يبلغن عن أبنائهن باعتبارهم متعاطين ومدمنين على المخدرات لدى مصالح الأمن ووكيل الجمهورية، وان المشرع شدد عقوبات المعتدي على الأب والأم بدون عذر أو ظروف التخفيف في حالة إثبات الدليل. وأضاف محدثنا أن الأمهات اللواتي يلجأن إلى التبليغ عن أبنائهن يكونون في اغلب الأحيان في حالة غضب وهيجان من تصرفات بدرت منهم تكون لا أخلاقية صادرة من شخص غير مسؤول كونه تحت تأثير المخدر، ويكون دافع الأم تارة حماية أبنائها باعتبارهم مستهلكين أو مدمنين، وتارة أخرى للإخلال بالنظام العام والآداب العامة، والأخطر من هذا العنف ضد الوالدين بالتحطيم داخل المنزل العائلي والتعدي. وختم المحامي مداخلته أن التبليغ ليس الحل الأنسب في ظل اتخاذ السلطات الأمنية دور التحري وتحويله للمحاكمة ليبقى الحل بيد القاضي الذي يوجهه إلى مؤسسة عقابية في اغلب الأحيان، ونادرا مما يتم تحويله إلى مؤسسة علاجية.