لم يصدق الشرطي المتخصص في تفكيك المتفجرات على مستوى قصر رئاسة الحكومة نسيم "35 عاما" والمعروف في قصر الحكومة بإسم "الروجي" بأنه لا يزال على قيد الحياة فقد رأى شاحنة "القاعدة" التي كان يقودها المكنى "معاذ بن جبل" والمعبئة بأزيد من 700 كلغ من المتفجرات وهي تحاول اختراق حاجز المراقبة التابع لرئاسة الحكومة. نسيم قضى 16 عاما في صفوف الأمن الوطني وعاش خلالها تجارب لا تنسى مع القنابل التي كانت تضعها "الجماعة الإسلامية المسلحة" وكان يتولى رفقة زملاءه تفكيكها في كل مرة بالعاصمة وفي الضواحي إلى أن عين كمختص في تفكيك المتفجرات على مستوى قصر الحكومة. يقول نسيم الذي التقته "الشروق اليومي" مساء الخميس قرب مبنى قصر الحكومة أنه لم يصدق أنه على قيد الحياة وحتى بعض الجيران الذين كانوا أمام المبنى المنهار تفاجئوا لوجوده على قيد الحياة. فقد كان نسيم لحظة الاعتداء أمام مفترق الطرق المحاذي لمدخل قصر الحكومة ينظم كالعادة دخول الوزراء والضيوف الأجانب قبل أن يشاهد شاحنة صغير تحمل علامة موزع مشروبات "إيفري" وهي تصطدم بسيارة زرقاء داكنة اللون كانت تخضع لإجراءات التفتيش على مستوى المدخل الرئيسي لمبنى قصر الحكومة. يتذكر نسيم هذه اللحظات "سمعت اصطدام سيارة تلفت إلى الخلف رأيت لهيب نار فعرفت أنها سيارة مفخخة فحاولت أن ألقي بنفسي في الأرض فما كدت أفعل حتى نسفتني عاصفة القنبلة بعيدا" ووجد نفسه بين أشلاء والجثث والسيارات المحطمة التي تفحمت من شدة الانفجار. وأضاف "وأنا في الأرض شعرت بالشلل وأن الموت تبحث عني أو تكاد تأخذني تذكرت ابنتي التي تعاني من مرض خطير في القلب فخفت عليها أن أتركها يتيمة وحيدة تصارع الحياة فقررت النهوض". يتوقف نسيم ليسترجع أنفاسه لبعض الوقت ويستعيد بصعوبة مشاهد الدمار "حملت سلاحي وأشهرته في السماء ورحت أبحث عن الشخص الذي كان في الشاحنة لأنني كنت أعتقد أن سائق الشاحنة قد فر قبل توقفها فأوقفت أحد السكان الذين يقيمون قرب قصر الحكومة الذي نبهني بأنه جار وليس إرهابي". بعدها غاب وعي "الروجي" ولم يصحوا إلا وهو في مستشفى الشرطة يتلقى الإسعافات الأولية وقد خضع لعدد كبير من الحقن والأشعة لتحديد الإصابات التي لحقت به لكن نسيم الذي يكره روائح الموت فضل مغادرة المستشفى في حدود منتصف الليل "لا أكن قادر على البقاء في المستشفى ففضلت الخروج وقد فعلت ذلك بعد إصرار كبير مني". وبعد ساعات من الراحة خرج نسيم من مسكنه لكن الوجهة هذه المرة كانت إلى مقر العمل قصر الحكومة لمعاينة أثار الدمار "لا أصدق ما أراه وكأنني كنت في عالم آخر" ويضيف "سمعت أحد جيران قصر الحكومة يقول بأن الروجي مات فأخبرته بأنني على قيد الحياة وأن الله منحني عمر جديد". غالبية زملاء "الروجي" من أعوان الأمن والشرطة لقوا مصرعهم يوم "الأربعاء الأسود" وقد كان قدر الله أن يكون نسيم خلف الشاحنة بنحو 20 مترا فكان الضرر الذي أصابه أخف. كان نسيم يعاين فداحة الخسائر التي لحقت بقصر الحكومة عندما تقدم إليه وزير الداخلية يزيد زرهوني مخاطبا إياه "الحمد لله على سلامتك" وسأله إن كانت لا تزال لديه الشجاعة فرد عليه "نعم معالي الوزير أنا هنا معك". نسيم نجا من الموت بقدرة الله وغادر المستشفى بشق الأنفس وهو في وضع صحي صعب وقد تنقل بعدها إلى قصر الحكومة ليحاول بطريقته الخاصة تجاوز الصدمة ولاستئناف الحياة مجددا. أنيس رحماني:[email protected]