شوق وندم… اعتراف بخطأ.. عين على النجاح وأخرى على الحرية، راضون بقضاء الله وقدره… يجمعهم هدف واحد وغاية نبيلة، وهو تحقيق الذات والتكفير عن الذنب، والتطلع إلى مستقبل أمثل.. وكلهم أمل أن ينجحوا في امتحاناتهم حتى يظفروا بعفو رئاسي، أو إفراج مشروط… هي صور وأحاسيس لمسناها عند سجناء مؤسسة إعادة التربية والتأهيل بالحراش، الذين زراتهم أمس "الشروق" وهم في صدد إجتياز امتحانات شهادة التعليم المتوسط. شباب وكهول، وحتى نساء حرموا من الحرية وحضن العائلة التي ستشجعهم في مثل هذا اليوم ..يوم الامتحان بسبب أخطاء ندموا عليها حيث لا ينفع الندم ورمت بهم للعيش وراء الجدران.. لكنهم تحدوا كل شيء كيف لا وسجناء قبلهم أصبحوا أطباء، صيادلة، ومحامين وأخصاء نفسانيين وحتى أئمة. طوارئ بعد "منع" الصحافيين من دخول قاعات الامتحانات كانت الساعة في حدود الثامنة والنصف صباحا ، لما اقتربت سيارتنا من مؤسسة إعادة التربية والتأهيل بالحراش، عندما توقفت مدرعة شرطة أمام جدار المؤسسة لتلفت أنظارنا فيما بعد طوابير طويلة للعائلات وخاصة النساء اللواتي أمام البوابة لإحضار قفة رمضان لذويهن المسجونين قبل الإفطار. انتظرنا لحظات حتى جاء الحارس الذي عين لمرافقتنا في الزيارة، وبعد أن دخلنا السجن وقدمنا بطاقاتنا المهنية وهواتفنا النقالة في غرفة الاستقبال، وصل المدير العام لإدارة السجون مختار فليون، حيث رافقناه إلى قاعات الامتحانات، لكن الشيء الذي لم نكن نتوقعه هو رفض ممثلي وزارة التربية دخول الصحافيين إلى القاعات، وهذا بتعليمة من وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط، ليجري فليون اتصالا هاتفيا مع الأمين العام لوزارة التربية الوطنية، ليسمحوا لنا بعد أزيد من ساعة بالدخول إلى قاعات الامتحانات. سأعوض بكاء وتعب أمي بالخروج من القضبان بالشهادة يبدو واثقا من نفسه.. كله أمل وحيوية.. كان غارقا في ورقة أسئلة اللغة العربية… عندما اقتربنا منه قال لنا "الأسئلة في متناول الجميع .. وسأعمل حتى أتحصل على أعلى معدل في "البيام" ليس فقط على مستوى سجن الحراش بل على المستوى الوطني…سأكفر عن ذنبي الذي حرمني من نعمة الحرية، سأنتقم لنفسي من خلال نجاحي… سأعوض بكاء وتعب أمي بالخروج من القضبان وأنا حائز على شهادة تسمح لي بمزاولتي دراستي.. وداعا للإجرام ولن أعود إلى هذا المكان بعدما أصلحت ذاتي"، هي عبارات سمعناها من سجين رقم "3240" ، وكله ثقة بأن يكون إجتياز امتحان شهادة التعليم المتوسط بداية البدايات ونهاية المأسي. نفس الأحاسيس لمسناها من السجين محمد وهو شاب لا يتعدى عمره 22 سنة، حكم عليه ب 5 سنوات، رفض أن يكشف لنا عن تهمته .. وبعينين مغرورقتين بالدموع .. لكنه الشعور بالندم والشوق إلى الأهل والأقارب والحنين إلى الحرية، يقول لنا "بالرغم من أنني تحصلت على شهادة "البيام" في الخارج لأدخل بعدها مباشرة إلى السجن ، إلا أن فرحتها داخل أسواره لا تتصور، تحس وكأنك تثبت وجودك من جديد لتقول للعالم أجمع، "أنا هنا والحبس ليس للمجرمين فقط.. بل يمكن لأي كان أن يخطأ ويصيب بعدها".. ليطلب منا إيصال رسالته ليس وحده فقط بل للعديد من أمثاله والمتعلقة بمساعدتهم على الاندماج وتمكينهم من الإفراج المشروط أو الحرية النصفية خاصة وأنهم لا يبعدون عن الشروط اللازمة إلا خطوة يسيرة". سجناء ينتظرون العفو الرئاسي ك "هلال العيد" "عاونا سيدي الرئيس عفوك سينقذنا"… هي عبارات لسجين محكوم عليه بعقوبة 10 سنوات لتورطه في جنحة المتاجرة بالمخدرات، ومضى من عقوبته 3 سنوات فقط.. ولكن بالرغم من ذلك فهو لم يستفد من تخفيف العقوبة عن طريق العفو الرئاسي، لأن المتورطين في قضايا تهريب والمتاجرة بالمخدرات لا يشملهم الإجراء… وما سجلناه ونحن في سجن الحراش، هو أن العفو الرئاسي يؤجج رغبة المساجين في التعليم، فالحيوية والديناميكية التي وجدنا عليها المترشحين والمتحمسين لاجتياز شهادة التعليم المتوسط، كانت أكبر دليل على ذلك فحديثهم في هذه الفترة ينحصر فقط على يوم 5 جويلية والعفو الذي يصدره الرئيس فهو بالنسبة لهم "كهلال العيد" كما يقال بالعامية. فليون: أيها الناجحون نعدكم بامتيازات خاصة كشف المدير العام لإدارة السجون مختار فليون الإثنين لدى إشرافه على انطلاق امتحانات شهادة التعليم المتوسط بالمؤسسة العقابية للحراش، عن إجتياز 102 محبوس لامتحان شهادة التعليم المتوسط على مستوى سجن الحراش، فيما يقدر العدد الإجمالي للمحبوسين الذين اجتازوا الامتحان 4600 مترشح، موزعين على مستوى 43 مؤسسة عقابية معتمدة من طرف وزارة التربية الوطنية كمراكز للإجراء. وأوضح فليون، أن وزارة العدل أحصت خلال الموسم الدراسي الجاري 2017/2018، 42937 مسجل في التعليم العام منهم 34035 مسجل لمزاولة الدراسة عن بعد، 1554 يزاولون دراستهم الجامعية، 73 مسجلا بفصول محو الأمية وكذا 4391 مترشح لاجتياز امتحان شهادة البكالوريا، مذكرا أن الناجحين في مختلف مراحل التعليم "المحكوم عليهم نهائيا" سوف يستفيدون سواء من اجراءات العفو الرئاسي أو من تخفيض العقوبة أو من الإفراج المشروط أو إجازة الخروج أو امتيازات في مجال الزيارات المقربة للعائلة، كما أكد فليون عدم تسجيل أية "حالة عود" في صفوف الناجحين لمختلف الشهادات التعليم والتكوين المهني. بالمقابل، كشف فليون أن العاصمة ستحتضن ولأول مرة ملتقى دوليا حول إصلاح السجون نهاية جوان المقبل لإبراز تجربتها في هذا المجال. مدير السجن ل "الشروق": تجاوز الإحباط النفسي هدفنا من جهته، أكد مدير المؤسسة العقابية للحراش ميكاحلي بن يونس أن المؤسسة وبكل ضباطها وإطاراتها، تخوض معركة على طريقتها من أجل إنجاح سياسة الاندماج الاجتماعي بتخرج نزلاء مسلحين بشهادة مهنية وتعليمية تحصنهم من آفة الجريمة، وتقيهم شر السقوط فيها ثانية، وتكشف عن نشاطها البناء، حالة نجاح المساجين في امتحانات البكالوريا والتعليم المتوسط، ناهيك عن الشهادات المهنية في مختلف تخصصات التكوين التي تعرف إقبالا منقطع النظير، مما تشجع السجناء على حالة "اللاعود".