لأول مرة منذ سنوات يحقق المجلس الشعبي الوطني إنجازا، على صعيد صلاحياته التشريعية، والتي عادة ما يطبعها تنازع في النفوذ بينه وبين السلطة التنفيذية، التي تبقى أقوى سلطة في البلاد بالنظر لطبيعة النظام السياسي القائم. فقد التقت وعلى غير العادة مختلف المجموعات البرلمانية على مطلب واحد وهو إسقاط ضريبة الرسم على القيمة المضافة على السيارات، في توجه اعتبر سابقة، لأن الحكومة اعتادت الخروج منتصرة في أي مشروع تنازعت فيه مع الهيئة التشريعية. وبغض النظر عن كون القرار يصب في مصلحة المواطن، فإنه خلف جملة من التساؤلات حول هذه المسالة، لا سيما وأن هذا الانجاز جاء في الوقت الذي يبدو فيه الاقتصاد الوطني بحاجة ماسة إلى موارد مالية إضافية لمواجهة أزمة تراجع أسعار النفط.. فهل إسقاط النواب المادة المتعلقة بهذه الضريبة، بداية انسجام الهيئة التشريعية على السكة الصحيحة، أم أن الأمر يتعلق بإكرامية من الحكومة؟ وما جدية الطروحات التي تتحدث عن ممارسة مركبي السيارات لنفوذهم على البرلمان لإسقاط المقترح الحكومي؟ وماذا لو عادت الحكومة إلى إدراج هذه الضريبة في قانون المالية المقبل؟ وكيف سيكون موقف النواب حينها؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها. النواب على غير العادة..؟ شكّل التضامن الذي لوحظ على العلاقة بين نواب الغرفة السفلى للبرلمان خلال مناقشة مشروع قانون المالية التكميلي، مفاجأة للمتابعين للشأن البرلماني، لأن غالبية النواب اعتادوا على التمترس خلف التوجيهات التي تأتيهم من قادة أحزابهم ولو كانت على حساب مصالح من انتخبوهم. غير أن هذه المرة، وقف جميع النواب على اختلاف توجهاتهم السياسية وخلفياتهم الإيديولوجية ، وراء قرار إسقاط الرسم على القيمة المضافة، التي فرضها مشروع قانون المالية التكميلي على مركبي السيارات، وكان المبرر واحد أيضا أيضا، وهو حماية المستهلك وإبعاده من تحمل هذا العبء، الذي سيرتد عليه، بحكم أن المركبين سيضيفونها في النهاية إلى أسعار السيارات. هذا التطور أعطى دفعا للهيئة التشريعية كمؤسسة يفترض أن تكون سيدة في قراراتها، بعيدة عن تأثيرات السلطة التنفيذية، تماشيا مع مبدأ الفصل بين السلطات، الذي أكدت عليه مختلف الدساتير الجزائرية، وكرسها التعديل الأخير في العام 2016. ومعلوم أن الدستور الجديد تضمن مطالب كانت قد رفعتها المعارضة في مقترحاتها، منها تحديد مدة إجابة أعضاء الحكومة على أسئلة النواب بمدة لا تتعدى الثلاثين يوما، بعدما كانت في السابق الفترة مفتوحة، كما أمر بتخصيص جلسة شهرية لمناقشة جدول أعمال تقدمه مجموعة أو مجموعات برلمانية من المعارضةّ، ووسع مجال إخطار المجلس الدستوري، بمنح أعضاء البرلمان، بموجب المادة 114 من الدستور، الحق في إخطار المجلس الدستوري للنظر في مدى دستورية النصوص التي صادق عليها البرلمان.. غير أن الصلاحيات التي سبقت الإشارة إليها لم يسجل لها أثرا على الأرض، منذ أزيد من سنتين من دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ، وهو ما دفع العديد من المراقبين إلى التساؤل حول جدوى تكريس الدستور صلاحيات رقابة صارمة للبرلمان على أداء الحكومة، لكنها بقيت من دون تفعيل. ولعل ما أعطى لإسقاط البرلمان ضريبة الرسم على القيمة المضافة، رمزية هو أن المؤسسة التشريعية تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مجرد هيئة لتسجيل مشاريع القوانين التي تأتي من الحكومة، بل إن هذه الهيئة كثيرا ما دفعت للتراجع عن قرارات ومواقف اتخذتها، بعد إصرار من السلطة التنفيذية على طرح مشاريع قانونية سبق رفضها من قبل نواب الشعب، وهو ما وضعها (المؤسسة التشريعية) في موقف ضعيف أمام الشعب، بدت وكأنها تابعة لهيئة يفترض أن تكون ندا لها. غير أن نجاح الهيئة التشريعية في إسقاط مادة في مشروع قانون المالية التكميلي، لا يمكن إعطاؤها أكثر مما تستحق من الاهتمام، لأن المسألة تتعلق بمطلب شعبي تلتقي فيه مصالح الهيئة التشريعية والتنفيذية معا، وذلك بعد أن تحول الغلاء الفاحش لأسعار السيارات المنتجة محليا، إلى قضية باتت تهدد حتى استقرار البلاد، في ظل تجند الجزائريين على شبكات التواصل الاجتماعي، لمواجهة مركبي السيارات. ما يعزز هذه القراءة، هو أن حكومة أويحيى وعلى غير العادة، كانت أقرب إلى انشغالات المستهلك في قضية السيارات على وجه الخصوص، فقد سارعت وزارة الصناعة والمناجم إلى الكشف عن أسعار السيارات عند خروجها من المصنع، في موقف فهم منه على أنه محاولة لفضح مركبي السيارات أمام الرأي العام، وتصويرهم على أنهم جشع، وذلك بالنظر إلى الفوارق الشاسعة بين الأسعار المعمول بها في السوق، وتلك التي تخرج بها السيارة من المصنع. ومعلوم أن من نتائج فضح وزارة الصناعة لمركبي السيارات، وكذا حملة "خليها تصدي" على شبكة التواصل الاجتماعي، انهيار أسعار السيارات الجديدة إلى مستويات معتبرة، ما يؤكد هامش الربح الكبير الذي كان يطبقه مركبي السيارات.. ولذلك يمكن القول إن مصلحة السلطتين التشريعية والتنفيذية التقت من أجل حماية مصلحة المستهلك، وذلك عبر عدم خسارة المكاسب التي تحققت على هذا الصعيد خلال الأشهر القليلة الأخيرة. القيادي في تكتل النهضة والعدالة لخضر بن خلاف ل "الشروق" "بعد إسقاط الضريبة.. نطالب بتخفيض أسعار السيارات" أسقط نواب الغرفة السفلى للبرلمان مقترحا حكوميا يقضي بفرض ضريبة بنسبة 19 بالمائة على السيارات.. ما تعليقكم؟ يجب التنويه بأننا من بين النواب المطالبين بإلغاء هذه الضريبة، كنا 3 مجموعات متفقة على ضرورة إسقاطها، ضمن أحزاب الموالاة والمعارضة، بحكم أن هذه الضريبة مجحفة في حق المواطن. وما يمكن القول أنه إيجابي هذه المرة، هو إجماع كافة النواب باختلاف الأطياف السياسية التي ينتمون إليها، حول القرار بحكم الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن، فهذه الضريبة ستكون عقوبة للمستهلك، وكان الأولى على الحكومة بدل إلغاء الامتيازات، البحث حول إذا ما كان أصحاب المصانع يدفعون هذه الرسوم، وليس اختيار الحلول السهلة، ناهيك عن أنه حتى في حال إعادة صياغة دفتر الشروط وسحب الامتيازات، قد يلجأ أصحاب المصانع الأجانب إلى التحكيم الدولي، وهنا ستكون لهم الحجة علينا لتغريم الجزائر، وعلى العموم نحن نطالب بمراجعة سعر السيارات نحو الأسفل ورفع الإدماج وضمان النوعية، خاصة وأن السيارة أصبحت اليوم ضرورة، وليس مجرد وسيلة ترفيه كمالية. هذا القرار جاء في الوقت الذي يبدو فيه الاقتصاد الوطني بحاجة ماسة إلى موارد مالية إضافية لمواجهة أزمة تراجع أسعار النفط.. هل هي الصرامة البرلمانية أم إكرامية من الحكومة؟ بالعكس، النواب هم من سعوا إلى إسقاط هذه المادة وليس الحكومة من تكرمت، وهنا أعود وأقول إن الحكومة جاءت بأمور خطيرة في مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2018، على غرار تمليك الأراضي للأجانب، وهم "كولون" الأمس الذين استعبدوا أبناء الشعب الجزائري، كما فرضت ضرائب على وثائق الهوية التي تم إلغاؤها في آخر لحظة، وضريبة السيارات، ومعلوم أن هذه الضرائب لن توفر الكثير بقدر ما "ستقصم" ظهر المواطن الجزائري، وكان لزاما عليها بدل ذلك أن تبحث عن مصادر تمويل أخرى دون إتعاب المواطن، بضرائب لن تساهم حتى في خفض العجز في الميزانية. هناك من يقول إن مركبي السيارات مارسوا نفوذهم على البرلمان لإسقاط المقترح الحكومي، حفاظا على مصالحهم في السوق.. ما قولكم؟ كل ذلك غير صحيح، فمركبي السيارات لم يتدخلوا من قريب ولا من بعيد، ونحن من بدأ هذه الحملة ضد أصحاب المصانع وأطلقنا عليهم إسم "حملة ضد نافخي العجلات" في مخطط عمل حكومة تبون سابقا، وهذه المرة كنا ملزمين بالوقوف مع المواطن، لأن المادة الملغية للامتيازات، فيها ظلم للمستهلك، طالبنا بتخفيض سعر السيارات، لكن المركبين رفعوها بشكل أكبر. الدستور المعدل في 2016 تحدث عن صلاحيات أوسع للبرلمان في لعب دوره الرقابي على عمل الحكومة.. هل نحن أمام بداية تجسيد هذا المبدأ؟ لا بالعكس، هذا المبدأ لم يتم الشروع في تطبيقه لحد الساعة، مع العلم أننا سننطلق في الدورة الثانية من العهدة البرلمانية الثامنة، وليومنا الحاضر النظام الداخلي لم يطبق، وكل هذا التماطل في تطبيقه يهدف إلى إبقاء دار لقمان على حالها، لا حساب ولا فصل في السلطات ولا رقابة، كل هذه الأمور لا نجد لها أثرا، هناك تنصل من تطبيق المواد التي تتحدث عن صلاحيات أوسع للبرلمان في تطبيق قراراته. الحكومة اعتادت استرجاع ما تخسره في البرلمان في المشاريع القانونية اللاحقة.. هل تتوقعون محاولة أخرى للحكومة لفرض المقترح الملغى في قانون المالية المقبل؟ أكيد ستحاول الحكومة استرجاع ما كانت ستذره هذه الضريبة الجديدة عبر قوانين المالية المقبلة، وستسعى لإستعادة ما أنقذه النواب، ونحن كبرلمانيين حاولنا إقناع الحكومة بأن مضمون المادة 139 من الدستور والتي تنص أنه في حال ما إذا ألغينا الضريبة، فنحن مطالبين باقتراح ضريبة أخرى، هذه المرة قلنا أنه في حال إلغاء الضريبة فنحن لسنا مطالبين بالبديل، لأن الهدف من إلغائها كان حماية المواطن وتحقيق السلم والتهدئة. رئيس المجموعة البرلمان للأرندي بلعباس بلعباس ل"الشروق" "البرلمان خضع للإرادة الشعبية وليس لمنطق اللوبيات" أسقط نواب الغرفة السفلى للبرلمان مقترحا حكوميا يقضي بفرض ضريبة بنسبة 19 بالمائة على السيارات.. ما تعليقكم؟ قرار المجلس الشعبي الوطني سيد.. ويمكن القول إن الظروف المعيشية للمواطن لا تسمح حاليا بمضاعفة الأعباء الملقاة على عاتقه، وبالتالي ارتأى نواب الغرفة السفلى للبرلمان، إسقاط نص المادة 19 التي تفرض الرسم على القيمة المضافة ب 19 بالمائة على مصانع تركيب السيارات في الجزائر، والتي كانت ستنعكس في حال دخولها حيز التنفيذ على المواطنين بصفة مباشرة، وهنا نقول إن البرلمان انسجم مع مطالب المواطنين. هذا القرار جاء في الوقت الذي يبدو فيه الاقتصاد الوطني بحاجة ماسة إلى موارد مالية إضافية لمواجهة أزمة تراجع أسعار النفط.. هل هي الصرامة البرلمانية أم إكرامية من الحكومة؟ لا يجب تحميل القرار أكثر مما يحتمل، أو إعطاءه تفسيرات في غير محلها، لأن إسقاط المادة المتعلقة بالرسم على القيمة المضافة في قانون المالية التكميلي، لا يعني أن نواب الأغلبية لا يدعمون الحكومة وبرنامجها لأننا مستمرون في مساندة حكومة أويحيى، لكنها قدمت مقترح في مشروع قانون المالية التكميلي وخضع النص القانوني للنقاش على مستوى المجلس الشعبي الوطني، وبالتحديد لجنة المالية والميزانية، وعندما وجدنا أنه لا يخدم المصلحة العامة قررنا إلغاء المادة، بعدما حصل انسجام في الرؤى وتوحد في المواقف. ونحن لا ننكر أن الخزينة العمومية تعيش ظرفا خاصا بعد تراجع عائدات المحروقات، ونحن بحاجة إلى البحث عن موارد جديدة، وبالتأكيد فإننا سندعم الحكومة في حال ما قررت العمل في هذا الاتجاه، عن طريق إجراءات لحماية الاقتصاد وتغطية العجز في الميزانية السنوية. هناك من يقول إن مركبي السيارات مارسوا نفوذهم على البرلمان لإسقاط المقترح الحكومي، حفاظا على مصالحهم في السوق.. ما قولكم؟ هذا الكلام فيه مزايدة على نواب الشعب، ومبالغة أيضا، ونحن كممثلين للشعب باعتباره هو من فوضنا وانتخبنا لدخول قبة البرلمان، وبالتالي فكل القرارات التي نتخذها نعود فيها إلى ما نعتقد أنه يهم القاعدة الشعبية، ولا ننسى أننا قطعنا وعودا خلال الحملة الانتخابية، وعلينا أن نعود بالنتائج لمنتخبينا. وبالتالي أقول إن النواب خضعوا للإرادة الشعبية ولم يخضعوا لمنطق اللوبيات، كما يصور البعض. لكن دعني أريد التنويه إلى قضية مهمة وهي أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، عندما أسقطنا فرض الرسوم على السيارات المركبة في الجزائر شككوا في أننا عقدنا صفقة مع وكلاء السيارات، ولو صوتنا على إبقائها كانوا سيقولون أن البرلمان ضد الشعب وخضع للحكومة، حقيقة هناك إجحاف في حق بعض النواب. الدستور المعدل في 2016 تحدث عن صلاحيات أوسع للبرلمان في لعب دوره الرقابي على عمل الحكومة.. هل نحن أمام بداية تجسيد هذا المبدأ؟ من خلال متابعتي لتطور وسير عمل البرلماني الجزائري، نلاحظ أن الأمور تتحسن من يوم لآخر، وهناك نية لتكريس مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقا لما هو معمول به في الأنظمة الجمهورية، نحن نسير بخطوات ثابتة لفرض الرقابة على عمل الحكومة وفقا لما ينص عليه الدستور، وسنعمل جاهدين لتكريس هذه القاعدة. الحكومة اعتادت على استرجاع ما تخسره في البرلمان في المشاريع القانونية اللاحقة.. هل تتوقعون محاولة أخرى للحكومة لفرض المقترح الملغى في قانون المالية المقبل؟ حاليا لا يمكن استباق الأمور والتحضير لمشروع قانون المالية لسنة 2019 لا يزال بعيدا، وبالتالي لا يمكن الجزم بأن الحكومة ستعود لفرض ضريبة الرسم على القيمة المضافة، والتي نتمنى أن لا يتم فرضها حتى يتمكن المواطنون من اقتناء مركبات بأسعار معقولة، ويجب التنويه هنا إلى أن الضريبة أو الرسم لم يكن إطلاقا "عقابا" على المواطنين، وإنما هي واجب تضامني لتحقيق التكافل بين الأغنياء والفقراء، ودعم الاقتصاد الوطني.