تسعون دقيقة وربما مائة وعشرين دقيقة هي المدة التي ستفصلنا اليوم عن منح الكأس لقائد منتخب كرواتيا مودريتش أو لقائد منتخب فرنسا لوريس، مليار نسمة أو يزيدون لن يولّوا وجوههم شطر هذا المنتخب أو ذاك، فالملكة هذا اليوم هي الكأس وليس غيرها، فلماذا لا يبحث عشاق الكرة والرياضة عن جائزة أخرى بدل الكأس. لم يفكر المحامي الفرنسي جول ريميه أو باعث منافسة كأس العالم كثيرا، وهو يقترح الجائزة التي تسلم للفائز بالبطولة العالمية، فقد كانت الكؤوس المحلية قد انطلقت، وكان لا بد للعالم أن تكون له كأس خاصة به، أكثر لمعانا، فاستعان بصديقه النحات الفرنسي آبيل لافلور، وهي الكأس التي صمدت أربعين سنة بحثا عن العريس المتوج ثلاث مرات، وكانت الكأس العالمية ومازالت تحفة نادرة تسافر مثل الأميرات، حيث كان أول تنقل لها عام 1930 مع جول ريميه ومجموعة من رجال الاتحادية العالمية لكرة القدم عبر الباخرة من فرنسا إلى أمريكاالجنوبية، وبعد فوز أورغواي باللقب الأول، ظنت الجماهير أن هذه الكأس المرصعة بالذهب والفضة ستبقى في البلاد، ولكن الاتحاد الدولي نقل الكأس معه إلى فرنسا، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية وبدأت الجيوش النازية تقتل وتدمّر وتسرق أيضا، قام نائب رئيس الاتحاد العالمي لكرة القدم الإيطالي أوتورينو باريزي بإخفائها تحت سرير نومه، وكان يقول بأن الكأس لن تسرق إلا على جثته، وكان أول سؤال طُرح عليه، بعد نهاية الحرب وانتحار هتلر، هو أين هي الكأس؟ خاصة أن الحرب العالمية الثانية نسفت المنافسة، حيث تم إلغاء دورتين كاملتين هما دورتي 1942 و1946، لتخرج الكأس في سفرية طويلة إلى البرازيل، حيث فاز بها عام 1950 المنتخب الأورغوياني مرة ثانية، وقبيل كأس العالم في انجلترا عام 1966 وبينما كانت الملكة إليزابيت، تصرّ على أن تبقى الكأس في لندن وتصرّ على أن تمر الدورة بسلام من دون جرائم عاشتها انجلترا في ذلك الوقت، بلغ مسامعها خبر سرقة كأس العالم، وبدأ التفتيش عنها بخبرات بوليسية إنجليزية نادرة، إلى أن وجدت تحت شجرة مدفونة بعمق قارب المترين، حتى لا يتم اكتشافها ولكن الكلاب البوليسية اللندنية كشفت الكأس، وتم تسليمها في حفل أسطوري للانجليز الذين فازوا على ألمانيا برباعية مقابل هدفين، وبعد فوز البرازيل عام 1970 بثالث لقب أعلنت الفيفا عن حق البرازيل بالاحتفاظ بالكأس للأبد، وظلت الكأس تتجول من متحف إلى آخر، إلى أن تعرضت عام 1983 للسرقة في ريو دي جانيرو من طرف عصابة، علمت بأن الذهب الذي صُنعت به من النوع الغالي وتم تذويبها بسرعة قبل أن تلقي الشرطة البرازيلية القبض على الفاعلين، ووجدت البرازيل نفسها في ورطة، فطلبت من الاتحاد الدولي الذي كان يرأسه البرازيلي هافلانج في ذلك الوقت نسخة مقلدة. وتلقى الكأس الحالية الإعجاب إلى درجة العشق، وقبل سفرها إلى البلد المنظم، تكون قد تجولت في كل بلدان العالم، ويقام لها الكثير من المهرجانات والاحتفالات، ترعاها الكثير من المؤسسات الكبرى مثل كوكا كولا ووسائل الإعلام، وحطت مرتين هذه الكأس في الجزائر، في المرة الأولى قبل تأهل الخضر إلى مونديال جنوب إفريقيا عام 2009 والمرة الأخيرة بعد تأهل الخضر لمونديال البرازيل التي قدم فيها المنتخب الجزائري أكبر عروضه على الإطلاق. شعب كرواتيا يحلم بمشاهدة الكأس بين أيدي مودريتش ورفاقه في يوم كروي في روسيا، وشعب فرنسا يحلم بأن يراها بين أيدي لوريس ورفاقه، تعددت الأحلام وبالتأكيد الكأس واحدة.