تستأنف تنسيقية المنتخبين السابقين لحزب جبهة التحرير الوطني، السبت، بقيادة الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان بدة محجوب، نشاطها، بتنظيم ملتقى جهوي لولايات الوسط، وذلك لتجديد دعوة رئيس الجمهورية للاستمرارية، وسط انكماش باقي المبادرات السياسية التي شغلت الفضاء السياسي طيلة الثلاثي الأخير من السنة، إذ تقوقع أصحاب هذه المبادرات وانسحبوا إلى مراكز الترقب بعد أن حاولوا لعب دور الفواعل الأساسية، ذلك لأن سيناريو العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة عاد ليتصدر الخيارات المطروحة بقوة في رئاسيات 2019. طفت على الساحة السياسية في الشهر الأخير من السنة الماضية، عدة مبادرات سياسية، تقاطعت خطاباتها في عدد من النقاط المتعلقة بضرورة الحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية، وتضاربت من حيث المنطلق الإيديولوجي وقراءة الواقع السياسي والتصور المستقبلي لجزائر ما بعد 2019، فحزب جبهة التحرير الوطني الذي جند قواعده النضالية وضم إليها منظمات وممثلين عن المجتمع المدني، لإنجاح مبادرته السياسية و"مناشدة الرئيس الاستمرار في قيادة البلاد تثمينا للإنجازات، وتشكيل جبهة شعبية لحماية الجزائر، عمل على جرد الإنجازات على مستوى 48 لجنة ولائية و10 لقاءات جهوية، إلا أنه برحيل ولد عباس من أمانة الحزب غادر، وأخذ مبادرة الحزب معه وبتولي معاذ بوشارب مسؤولية تسيير الحزب أفل نجم مبادرة ولد عباس وعاد الحديث عن الاستمرارية دون تحديد شكلها ولا مضامينها. ومثلما سكتت الأصوات المقترحة الاستثمار في حصيلة الرئيس لدعوته الخامسة، خرج عمار غول رئيس حزب التجمع من أجل أمل الجزائر ليكذب نفسه بنفسه، وينكر أن ندوة الإجماع الوطني التي نادى إليها، وكما فند أن يكون تأجيل الرئاسيات أو تمديد عهدة الرئيس وتعديل الدستور من مضامينها، بل ذهب أبعد من ذلك عندما أكد أن الرئاسيات ستكون في آجالها القانونية، ومشروعه للإجماع قابل لأن يجسد في أي مكان أو زمان، هذه التصريحات اعتبرها المتابعون للشأن السياسي عملية وأد ودفن لمبادرته السياسية التي اختار "تشييعها" أول أيام سنة 2019، هذا التراجع أثار العديد من علامات الاستفهام عن مبادرة غول ومن الجهة التي كلفته بهذه المهمة، خاصة أنه عمل على إعطاء الانطباع أنها أصبحت مبادرة دولة وليست مبادرة حزب. الأحزاب الأربعة المشكلة للتحالف الرئاسي جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية، التي فعلت علاقتها وأخرجت تحالفها من "الثلاجة" لتضفي الطابع الرسمي على علاقتها في إطار تحالف شهر نوفمبر الماضي، أعلنت دعمها الرئيس بوتفليقة تحسبا للرئاسيات المقبلة، واتفقت على برنامج عمل مرحلي، إلا أن غول انفرد بمبادرته المزعومة لتحقيق إجماع وطني، إلا أن التصريحات الجانبية وغير القابلة للنشر تؤكد أن أحزاب الموالاة لم تتفق حول سيناريو نهائي. غير بعيد عن مبادرة غول، سعى قياديو حركة مجتمع السلم إلى شرح مبادرتهم الداعية إلى تحقيق "التوافق الوطني" وبذلوا جهدا في الدفاع عنها أمام أحزاب المعارضة أكثر من غيرها، ذلك لأن تصور حمس للمضمون المبادرة ينطلق من ضرورة إنجاز عمل ديمقراطي مشترك بين السلطة والمعارضة مع احترام الخصوصيات والتنوع السياسي، في سياق جبهة وطنية بعيدة عن النظرة الحزبية والمصلحية الضيقة". مقري الذي تقاطعت مبادرته مع مبادرة غول، في الدعوة إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية المقبلة لتوفير أفضل الفرص لتحقيق التوافق الوطني بشروط محددة على ألا تتجاوز مدة هذا التأجيل "السنة ويكون مشروعا تتبناه كل مؤسسات الدولة الجزائرية ويحمل إصلاحات حقيقية وجادة مع إمكانية عقد ندوة وطنية توافق عليها كل الأطراف، انتهى به المطاف ليرجح أمس الأول فرضية توجه الرئيس إلى الترشح لعهدة الخامسة، وهو الذي عمل على إقناع الساحة السياسية بمشروع مرشح توافقي لرئاسيات 2019 ورئيس حكومة توافقي وحكومة واسعة التمثيل تجمع بين الكفاءة والخبرة والرمزية السياسية". حمس التي عملت على التسويق لمبادرتها يبدو من تصريحات رئيسها الأخيرة أنها اصطدمت بمعطيات تجعل من مبادرتها مجرد تغريد خارج السرب على الأقل بالنسبة لمؤسسات الدولة التي اشترطت ضرورة تبنيها مبادرتها في تأجيل الرئاسيات، فهل تحفظات أحزاب الأغلبية هي التي هزت ثقة مقري في مبادرته أم أن هناك معطيات ذات علاقة ببعض القناعات الراسخة لدى مقري على سبيل الانتقال الديمقراطي ودور الجيش الوطني الشعبي في الحياة السياسية، هي مبعث تصريحات مقري المتعلقة بالعهدة الخامسة التي تزامنت مع رسالة المؤسسة العسكرية الأخيرة والتي ردت على بعض الدعوات التي تحاول جرها للعب أدوار سياسية. في مقابل هذه المبادرات التي لقيت صدى إعلاميا كبيرا، شهدت الفترة السابقة، كذلك محاولات لأحزاب أخرى مثل حزب العمال الذي اقترح العمل على الجبهة الاقتصادية لإيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، كما حاولت حركة البناء الوطني عرض مبادرتها التي غيرت اسمها من "التوافق الوطني" إلى "الجزائر للجميع"، وهدفها "إرساء أرضية لأخلقة العمل السياسي وتجميع الفاعلين في الساحة السياسية، بغية تأسيس تكتلات حقيقية تمتلك خطة عمل واضحة لحماية الجزائر من مخاطر داخلية وخارجية تهددها. المبادرات التي ضجت بها الساحة السياسية في الشهر الماضي، صمت أصحابها، وإن كانت الأجندة السياسية لنهار اليوم تحمل عددا من المواعيد، إلا أنه يبدو أن الأغلبية عادت لتكتفي بدعم مشروع الاستمرارية دون إعطاء أي تفاصيل في انتظار استدعاء الرئيس للهيئة الناخبة وقراره النهائي الذي عود الساحة السياسية على صدوره في المنعرج الأخير، فهل ستنتعش المبادرات أم سيعتكف أصحاب بعضها ويكتفون بالترقب؟