الآن وقد أجبرت تطورات الأحداث مؤسسة الجيش الوطني الشعبي على تصدر المشهد، والإفصاح عن مسار للحل تحت سقف الدستور، في ما يشبه العرض الأخير قبل تحمل المؤسسة لما تسمح به لها صلاحياتها الدستورية حيال ضمان الأمن والاستقرار، يفترض من المعارضة، كما من المتزعمين لحراك الشارع بجميع مشاربهم التوقف لحظة، ومنح أنفسهم فرصة التفكير حيال أي خطوة تصعيدية قادمة غير محسوبة مآلاتها وتداعياتها.من الآن فصاعدا ليس مسموحا، لا لمؤسسة الجيش التي أجبرت رغم تمنعها على تصدر المشهد، ولا للمعارضة البرلمانية وما بقي من الموالاة الخطأ في التقدير، والعبث بأمن واستقرار البلد، وبوسع هذه الأطراف جميعا أن تلتفت للمطلب الرئيس الذي كانت له الغلبة على بقية المطالب المرفوعة في المسيرات، وأعني به حاجة البلد إلى “تدبير تغيير عميق سلس وآمن لنظام الحكم” يستعيد فيه الشعب المالك الأصلي للسلطة سلطة التأسيس وفق المادتين السابعة والثامنة من الدستور، وبناء الجمهورية التي يحلم بها شعب ثلاثة أرباع تعداده من الشباب.وحيث أنه لا فرصة لتدبير انتقال آمن سلمي خارج أحكام الدستور الحالي، في انتظار التوافق على دستور جديد في أجواء مستقرة هادئة، وبالوقت الكافي الذي يحتاجه مسار التأسيس، فإن الموقف العقلاني السليم، المراعي لمصلحة البلد، ولمصلحة الشعب أولا وأخيرا، يملي على الجميع البناء على العرض الذي تقدمت به مؤسسة الجيش، ليس بالرفض، والتسفيه، والشجب، وتحميله ما لا يحتمل، بل بطرح جملة من المخاوف المشروعة على رأسها الريبة حيال إدارة مرحلة انتقالية على يدي مؤسسات مطعون فيها، مثل البرلمان أو الحكومة الحالية، وقد أحصيت من ردوةد الأفعال على عرض مؤسسة الجيش ثلاث مواطن للقلق والخوف وربما الريبة:الأول: الخوف من إدارة الاستحقاق الرئاسي القادم بآليات سبق الطعن فيها على رأسها الهيئة المستقلة المشرفة على الانتخابات المحلة، وما يشاع منذ الآن من عوار دستوري في تولي رئيس الغرفة العليا الحالي رئاسة الدولة وفق المادة 104الثاني: حالة من الريبة حيال الحكومة الحالية، مع تعثر تشكيلها حتى الآن، علما أن الحكومة القائمة ساعة ثبوت شغور منصب الرئاسة بتفعيل المادة 102 سوف تظل قائمة خلال المرحلة الانتقاليةثالثا: واجب طمأنة الشارع حيال مطلب التغيير والإصلاح حتى لا يتم الالتفاف عليه بعد تمرير الاستحقاق الرئاسي القادم.ما يزال أمامنا متسع من الوقت قبل 28 أفريل لنتدبر حلولا عقلانية، واقتراحات بناءة، هي في متناول أيدينا، مع وجود استعداد لدى الرئيس لتسخير صلاحياته الدستورية كاملة، لمساعدة البلد في تدبير مرحلة انتقالية عليها قدر من الإجماع غير مطعون فيها تكون هي تركته التي قد يحمدها له هذا الجيل والأجيال القادمة.فبوسعنا أن نطالب الرئيس بالإجراءات التالية قبل توديعه بكل احترام:أولا: تشجيع الغرفة العليا على الدعوة لجلسة طارئة تتولى اختيار رئيس جديد لها من شخصيات ثلث الرئيس من المجتمع المدني تتوفر فيها جميع الشروط المطلوبة في من يتولى رئاسة الدولة لنسد سريعا باب الطعن والريبة.ثانيا: دعوة غرفتي المجلس في جلسة استثنائية تخصص لتعديل المادة الخاصة بالهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات بما يسمح بتشكيل لجنة مستقلة لها صلاحيات واسعة بل ومطلقة في إدارة ومراقبة الانتخابات تضمن لنا تأمين الاستحقاقات القادمة من التزوير، توكل صلاحيات تشكيلها حصريا للمجلس الأعلى للقضاء، ويجتبى أعضاؤها على المستوى المحلي من رؤساء المجالس والمحاكم والغرف القضائية لتتوسع ان اقتضى الأمر لسلك المحاماة والموثقين والمحضرين القضائيين.ثلاثا: يبادر رئيس الجمهورية قبل تقديم استقالته بحل الحكومة الحلية وتعيين شخصية وطنية غير مطعون فيها لرئاسة الحكومة مع صلاحيات واسعة في اختبار وزرائها من كفاءات وطنية تقنوقراطية غير محسوبة على أي قوة سياسية، هي التي تتولى خلال الفترة الانتقالية إدارة البلد في المرحلة الانتقالية حتى انتخاب الرئيس الجديد.رابعا: أن يتولى الرئيس بنفسه قرار إعادة هيكلة مؤسسة الرئاسة بإبعاد جميع إطاراتها التي قد تشوب حولهم شبهة الانتساب لما وصف بسلطة الظل المتهمة باختطاف قرار الرئيس خلال العهدة الرابعة.خامسا: أن تتعهد جميع الأحزاب البرلمانية المعنية مستقبلا بالتنافس في الرئاسيات القادمة وما يليها من استحقاقات تبني مطلب الشارع بالذهاب دون مراوغة نحو تغيير نظام الحكم وإحداث إصلاحات عميقة على رأسها صياغة دستور جديد بما في ذلك الدعوة بعد الرئاسيات القادمة إلى تشريعيات جديدة بالآليات الجديدة يدعا فيها المواطنون لانتخاب مزدوج: برلمان جديد يعمل تحت سقف الدستور الحالي حتى قيام الدستور الجديد، و”هيئة تأسيسية” منتخبة تمنح الوقت الكافي لصياغة دستور جديد يعرض على الاستفتاء لنتقل معه مؤسسات الدولة إلى عهد الجمهورية الثالثة التي يطالب بها الشباب.جميع هذه الاقتراحات هي في متناولنا متى توفرت الإرادة عند جميع الأطراف المعنية، قد تشكل خارطة طريق بديلة توفق بين ما أعربت عنه مؤسسة الجيش من تنفيذ المرحلة الانتقالية تحت سقف الدستور وبين مطالب قديمة ومستجدة للمعارضة، والمطلب الرئيس للشارع لحمل البلد على التغيير والإصلاح.بقي لي كمواطن معني بخروج البلد سالما غانما من هذه المحنة التي قد تلد لنا همة ومنحة أن أذكر نخبنا بجميع مشاربها بأن البلد لا يتعرض فقط لاختبار داخلي وتنافس على مغانم السلطة هي مشروعة في الأوقات العادية، بل هو في قلب مسار منتفح على ما قد جربته العصابة الغربية من قبل في صيغ الربيع وكان عنوانه العريض “الترحيل” الأهوج الأحمق للدولة تحت عنوان ترحيل النظام، ولا يحسبن بعضكم أن شعار “ترحلوا غاع” كان من ابتكار شاب من شباب الفيس بوك بل هو من صناعة مؤسسة “كامبريدج أناليتكا” رأيناه يجرب بنجاح في أوكرينيا، والبرازيل، وقريبا منا في فنزويلا، يملي على الجميع الحيطة والحذر.