لا تزال تداعيات قصة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي تؤثر على الرأي العام العالمي والعربي، ويحاكم نائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق أحمد العسيري لأنه أشرف على عملية قتل الصحفي في أكتوبر الماضي، أما المستشار سعود القحطاني وهو المتهم الثاني في القضية فلم يحضر جلسات المحاكمة ويتساءل البعض عن مكانه. وذكر الإدعاء العام السعودي، أن العسيري تلقى تعليمات القتل من القحطاني الذي كان ناشطاً بشكل كبير في الإعلام. وينتمي الرجلان إلى الدائرة الضيقة المحيطة بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقد أعفيا من منصبيهما على خلفية عملية القتل، إلا أن العسيري وحده حضر جلسات المحاكمة الخمس التي بدأت في جانفي، وفقاً لأربعة مسؤولين غربيين. وقال أحد المسؤولين الذين تحدثوا لوكالة فرانس برس شرط عدم الكشف عن هوياتهم: “القحطاني ليس واحداً من المتهمين ال11 الذين تجري محاكمتهم”. وأضاف “ماذا يعني غيابه؟ هل يريد السعوديون حمايته، أم ستتم معاقبته بشكل منفرد؟ لا أحد يعلم”. وفي نوفمبر الماضي، اتّهم المدعي العام 11 شخصاً بعملية القتل، من دون أن يسميهم، مطالباً بالإعدام لخمسة منهم، وبسجن الآخرين. ويُسمح لدبلوماسيين يمثّلون الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة (بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة)، بالإضافة إلى تركيا، بحضور جلسات المحاكمة التي تعتمد فيها اللغة العربية فقط، وذلك بصفة مراقبين. ولا يحق لهؤلاء إحضار مترجمين معهم، ويتمّ إبلاغهم بجلسات المحاكمة قبل وقت قصير من انعقادها، حسب المصادر ذاتها. وحضر واحدة من الجلسات على الأقل ممثل عن عائلة خاشقجي التي نفت في وقت سابق من الشهر الحالي أن تكون قد توصلت إلى تسوية مالية مع الحكومة السعودية. وذكر المسؤولون الذين تحدثت إليهم فرانس برس، أن ماهر المطرب، المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات والذي كان يرافق ولي العهد في رحلاته الخارجية، هو واحد من المتهمين ال11. وقد ورد اسم المطرب على لائحتي عقوبات أمريكيتين عرفتا عنه بأنه يعمل تحت إمرة القحطاني. وبين المتهمين الذين تجري محاكمتهم أيضاً خبير الأدلة الجنائية صلاح الطبيقي، والعضو في الحرس الملكي فهد البلوي. وللمتهمين الحق بالاستعانة بالدفاع. ودافع عدد منهم عن أنفسهم بالقول إنهم كانوا ينفذون أوامر العسيري الذي وصفوه بأنه “قائد” مجموعة عملية القتل، حسب المسؤولين الغربيين. ولم ترد وزارة الإعلام السعودية على طلب فرانس برس التعليق على الموضوع، كما تعذر التحدث إلى المحامين. وحسب المسؤولين الغربين، فإن العسيري، الذي وصف مراراً في الإعلام الرسمي قبل قضية خاشقجي، بأنه “بطل حرب” على خلفية سجله العسكري، لا يواجه عقوبة الإعدام. وورد اسم العسيري الذي يعتقد أنه كان على علاقة عمل وثيقة بالاستخبارات الأمريكية، واسم القحطاني، في لائحتي العقوبات اللتين أصدرتهما واشنطن بحق مشتبه بتورطهم في قضية الصحفي الذي كان يكتب مقالات رأي في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية ينتقد فيها سياسات ولي العهد. ووفقاً لمكتب المدعي العام السعودي، فإن القحطاني المعروف بأسلوبه الهجومي على وسائل التواصل الاجتماعي، التقى بالمجموعة قبل سفرها إلى تركيا بهدف مشاركتها بمعلومات متصلة بالمهمة. رغم ذلك، يلف الغموض مصير القحطاني الذي لم يحضر جلسات المحكمة. ويقول سعوديون، إن المستشار السابق لا يزال يتمتع بالقدرة على التأثير بعيداً عن الأضواء، بينما يشير آخرون إلى أنه فضّل الابتعاد إلى حين اضمحلال ردود الفعل الغاضبة في العواصم الكبرى. وفي وقت سابق من العام الحالي، كتب الصحفي في “واشنطن بوست” ديفيد إينياتيوس، أن ولي العهد لا يزال يستشير القحطاني في مسائل معينة، مستنداً إلى مصادر سعودية وأمريكية. وأوضح الصحفي أن “القحطاني يتولى العديد من الملفات”، مضيفاً “فكرة الانقطاع عنه بشكل تام أمر غير واقعي”. من هذا المنطلق، حثّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ولي العهد على إنهاء علاقته بالقحطاني، حسب ما أفاد مسؤولان غربيان لفرانس برس. وكانت وكالة الاستخبارات الأمريكية رجحت أن يكون الأمير محمد، الحاكم الفعلي في المملكة، هو من أصدر الأمر بتنفيذ عملية القتل. لكن السلطات السعودية نفت بشدة أي دور لولي العهد في الجريمة، وانتقدت في الجلسات المغلقة مع المسؤولين الغربيين السلطات التركية لفشلها في وقف عملية قتل الصحفي، وفقاً للمصادر الغربية. ونقل مسؤول غربي عن مسؤول سعودي قوله: “استخباراتهم (تركيا) كانت على علم بأن مجموعة القتل قادمة. كان بإمكانهم توقيفهم”. والمسؤولون الأتراك هم أول من أعلنوا مقتل خاشقجي، ولا يزالون يطالبون الرياض بشكل متواصل بالكشف عن مكان وجود جثة خاشقجي التي تمّ تقطيعها، حسب تقاريرهم، ولم يتم العثور عليها بعد. وفي مارس الماضي، انتقدت أنييس كالامار، المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالات الإعدام التعسفي أو خارج نطاق القضاء التي تقود تحقيقاً مستقلاً في الجريمة، غياب الشفافية في إجراءات المحاكمة، مطالبة بجعلها علنية. وقالت “ستكون (السعودية) مخطئة بشكل كبير إذا اعتقدت أن هذه الإجراءات، كما تجري حالياً، سترضي المجتمع الدولي”. وليس هناك مدة محددة للمحاكمة التي تجري بعيداً عن الأضواء. وطالبت سبع منظمات حقوقية في الشهر الحالي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بنشر تقارير عن جلسات المحاكمة، معتبرة أن “المحاكمة السرية لقتلة خاشقجي قد تبرئ مسؤولين في أعلى مستويات الحكم السعودي”.