"تعتقد أني أقدح من رأسي دون توجيه؟ أنا موظف ومنفذ أمين لأوامر سيدي ولي العهد (محمد بن سلمان)"، عبارات غرّد بها قبل نحو عام، سعود القحطاني الذي يتصدر رأس قائمة العقوبات الأمريكية للأشخاص المتورطين في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الشهر الماضي. الأربعيني، سعود القحطاني، عرف في سنوات قصيرة ممر الصعود سريعاً في البلاط الملكي مما قرّبه من خليفة العرش السعودي بقوة وصار الناطق باسم المملكة وفي مدة قصيرة أيضاً لم تتجاوز الشهرين، عرف السقوط المروع. وصار القحطاني، التي تصفه تقارير إعلامية بأنه كان "يقود جيوشاً من الذباب الإلكتروني في مواجهة خصوم المملكة" مُقالاً من منصبه الرفيع، وتحت التحقيق والمنع من السفر، وانتقل من كاتم أسرار ولي العهد، لأحد أدلة إطلاعه على جريمة القتل، وتحول اسمه من مروجي سياسيات المملكة والمدافع عنها في منصات تواصل بشراسة، إلى صامت لا ينطق في وجه الاتهامات المتكررة. للقحطاني ألقاب ومسميات كثيرة.. الإعلام القطري الذي تواجه بلاده بمقاطعة لا سيما سعودية قبل نحو عام، وبهجوم لاذع من القحطاني عبر منصات التواصل الاجتماعي، يصف الأخير بلفظ خليجي اسمه "دليم"، وفيه تقليل من الشأن للغاية، بينما يصفه خاشقجي ذاته في مقابلة أوردتها مجلة نيوزويك الأمريكية عقب مقتله، بأنه "أهم رجل إعلام بالمملكة، ومعارضته تودى بالسجن"، وينعته ب"البلطجي". كل ما سبق في مقابل إعلام سعودي، طالما احتفى بالقحطاني وتصريحاته ودوره الوطني، ويذكر اسمه شاعراً بلقب "الضاري"، ويسرد له قصائد لا سيما في مدح ولي العهد. ورصدت وكالة الأناضول للأنباء، السبت، أبرز ما في سيرة المستشار السابق المقرب من ولي العهد، وفق ما تناقلتها تقارير صحيفة سعودية وغربية وعربية والتي لم يعلق عليها القحطاني رغم تدوالها، وذلك على النحو التالي: صعود سريع مثير لتساؤلات ليس من الأسرة المالكة، ولكنه صعد سريعاً وسقط أيضاً بوتيرة أسرع، هذا إيجاز لقصة القحطاني الممنوع من السفر، والذي ولد في 7 جوان من عام 1978 بالرياض. حصل القحطاني على الثانوية العامة من معهد العاصمة، وبكالوريوس قانون من جامعة الملك سعود، وماجستير من جامعة نايف العربية تخصص عدالة جنائية. كما حصل على دورة تأهيل الضباط الجامعيين في القوات الجوية، وعمل كمحاضر قانون في كلية الملك فيصل الجوية، ووصل إلى رتبة نقيب بها وكذلك عرف بكتابته في صحف سعودية، قبل أن يتحول إلى ديوان ولي العهد. وتشير التقارير الإعلامية إلى أنه شغل من قبل منصب مستشار قانوني في مكتب ولي العهد عبد الله بن عبد العزيز عام 2003، وشغل منصب مدير عام مركز الرصد والتحليل الإعلامي في الديوان الملكي عام 2008. كما عمل مديراً لدائرة الإعلام في سكرتارية ولي العهد، ومستشاراً في مكتب رئيس الديوان الملكي ونائبه. وانضم القحطاني للديوان الملكي عام 2012، وعين في 2015 مستشاراً للديوان الملكي، الذي يسمحه له بالقرب الشديد من دوائر الحكم لا سيما بن سلمان. وفي 2017، تولى القحطاني أيضاً مهاماً جديدة كرئيس لاتحاد الأمن الإلكتروني والبرمجيات ثم الإشراف العام على اللجنة العليا للاتحادات الرياضية القتالية في 2018. موال "يحارب" المعارضين وفق تقرير لشبكة "بي بي سي عربي"، في 22 أكتوبر الماضي، قال برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة برينستون والذي يعرف القحطاني منذ عام 2006، إنه "موال بشدة ولو طلب منه أحد الأمراء تنفيذ شيء فسيحرص على التنفيذ". وكان يعرف خاشقجي جيداً وفق ما يقول الأخير، إذ كان القحطاني "المسؤول الإعلامي في الديوان الملكي في وقت الملك عبد الله، وكان صلة الوصل بين الديوان الملكي والإعلام في الوقت الذي كنت مسؤولاً فيه، ثم أصبح أهم شخص في ما يتعلق بالإعلام في عهد بن سلمان، وهو من يقود ويتحكم في آلة العلاقات العامة والإعلام السعودية". ويضيف خاشقجي في مقال له سابق، أن القحطاني كان لديه "صحفيين" على القائمة السوداء في المملكة وكان معروفاً بتخويفهم، ووصف في مقابلة نشرتها مجلة نيوزويك، عقب مقتله القحطاني ومسؤولاً سعودياً كبيراً آخر، "بالبلطجية". وفي فيفري 2017، وصف تركي الروقي، الكاتب السعودي، القحطاني، عبر مقال بحسابه في موقع تويتر، بأنه "وزير الإعلام المتخفي وأحياناً يمارس أدواراً أخرى من قبيل مدير الاستخبارات"، مضيفاً: "أعلم بأني لست الوحيد الذي تضرر من تصرفاته ولن أكون الأخير، وأعلم بأن المؤيدين كثر، منهم مسؤولون ورجال إعلام وأدب ودعوة ومفكرون ومغردون". وكذلك ارتبط اسمه مع الأزمة الخليجية مع قطر، بأنه قائد جيش "الذباب الإلكتروني" لمهاجمة خصوم المملكة، وكان حسابه بتويتر الذي يمتلك 1.3 مليون متابع منصة لهجوم شديد ضد الدوحة ومعارضي السعودية، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية لا سيما قطرية. حتى شهدت منصات تواصل إطلاق اسم "دليم" عليه، لا سيما من القطريين، وهو لقب يُطلق في الخليج على الخادم الذي يقوم بالأعمال التي يأنف منها السيد، مثل شتم الآخرين، وتشويه سمعتهم. وبخلاف المواجهة الإعلامية، وكونه منفذاً موال بشدة، كان يقود فيما يبدو حملات لمخاطبة المعارضين السعوديين بالخارج، وفق ما كشفت عنه صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 12 أكتوبر الماضي. وقالت الصحيفة وفق ما نقلته وسائل إعلام، إن القحطاني تواصل مع خاشقجي ودعاه للعودة الآمنة إلى السعودية من منفاه الاختياري الذي ينتقد منه سياسات ولي العهد، وأخبر خاشقجي أصدقاءه أنه لا يثق في العرض ولا في المسؤول الذي عرضه عليه، أي القطحاني. سقوط مروع بقدر الصعود السريع، بقدر ما كان السقوط أشد، ومنذ 20 أكتوبر الماضي وإعلان المملكة مقتل خاشقجي، والاتهامات لا تتوقف بحق القحطاني وكذلك صمته. فيومها، أعفى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، مسؤولين بارزين من مناصبهم، بينهم القحطاني. ولم يمض يومان، إلا وتناقلت وسائل إعلام عربية مصادر رفيعة المستوى تحدثت لوكالة رويترز للأنباء، أن القحطاني، "هو من أدار عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي من خلال اتصال عبر سكايب". وأوضحت المصادر ذاتها، أن "القحطاني كان على إطلاع بما يجري مع خاشقجي من خلال اتصال عبر سكايب، وبدأ بتوجيه الإهانات له خلال الاتصال". وردّ خاشقجي على "إهانات" القحطاني، فأمر الأخير بانفعال "المجموعة الأمنية السعودية بالتخلص منه، وقال لهم: "أحضروا لي رأس هذا الكلب"، وفق المصادر ذاتها. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد من حديث المصادر، فحديث الأخيرة صار أقرب للحقيقة مع إعلان النيابة العامة السعودية، تفاصيل نتائج التحقيقات، الخميس، وذكرت أن القحطاني المقرب من ولي العهد صار ممنوعاً من السفر ويحقق معه، دون تفاصيل توضح ما رشح عن تورطه الأكيد في جريمة القتل. وحسب بيان النيابة، فإنه "في سبتمبر الماضي، صدر أمر باستعادة خاشقجي بالإقناع وإن لم يقتنع يعاد بالقوة وأن الآمر بذلك هو نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق (أحمد عسيري) الذي أصدر أمره إلى قائد المهمة (لم يذكره)". وقام نائب العسيري بالتواصل مع المستشار السابق (القحطاني) لطلب من سيكلف بترؤس مجموعة التفاوض فوافق المستشار على ذلك وطلب الاجتماع مع قائد المهمة. ووفق البيان، التقى المستشار المذكور قائد المهمة وفريق التفاوض ليطلعهم على بعض المعلومات المفيدة للمهمة بحكم تخصصه الإعلامي واعتقاده أن المجني عليه تلقفته منظمات ودول ومعادية للمملكة وأن وجوده في الخارج يشكل خطراً على أمن الوطن وحث الفريق على إقناعه بالرجوع وأن ذلك يمثل نجاحاً كبيراً للمهمة. ولم يتطرق البيان الى قول القحطاني الذي وثقته التسجيلات: "احضروا لي رأس هذا الكلب"، وهو بمثابة أمر صريح بقتل خاشقجي. ورغم إقرار النيابة بمنع القحطاني المقرب من ولي العهد من السفر والتحقيق معه إلا أنها قالت إن بن سلمان "لم يكن له أي علم عن المهمة".. وهو قول يثير كثير من الشكوك حول مصداقيته بالنظر إلى تأكيد القحطاني دوماً أنه "المنفذ الأمين" لتوجيهات "سيده ولي العهد". وحديث المصادر القريب من الإعلان الرسمي الأول، غير واضح مستقبله بعد، يتزامن مع ما نقلته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الجمعة، عن مطلعين أشاروا إلى أن وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه) استمعت لتسجيلاتٍ بشأن وقعة القتل، تسلمتها من نظيرتها التركية، وتظهر حديث الحضور بشأن كيفية التخليص من جثة خاشقجي ومحو أي دليل، وتبليغ المستشار السابق بالديوان الملكي، سعود القحطاني، باكتمال العملية. وتقول سي آي أيه، إنها توصلت إلى أن ولي العهد السعودي بن سلمان أمر باغتيال خاشقجي في مدينة إسطنبول التركية الشهر الماضي. كما أدرجته الإدارة الأمريكية، الخميس، على رأس قائمة شخصيات سعودية ستخضع لعقوبات ما يؤكد دوره الأساسي في جريمة قتل خاشقجي البشعة. ومع كل هذه التطورات.. يبقى السؤال: هل سينال القحطاني جزاءه على فعلته؟ لا شك أنه بعيداً عن التحقيقات والأدلة ومحاولة بعض الجهات إخفاء الحقائق.. فإن الدعوات التي تنهال على القحطاني وشركائه في هذه الفعلة الشنعاء ستفتح لها يوماً أبواب السماء لتقتص من الظالمين. ويبدو أن قائمة الظالمين لن تقتصر على القحطاني ومن في مستواه بل ستشمل "سيده" أيضاً.