يضع الجزائريون أيديهم على قلوبهم هذه الأيام خوفا من تعفّن الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ نحو 80 يوماً وحدوثِ انسدادٍ سياسي خطير قد يضع مستقبل الجزائر على كفّ عفريت. الشعب يطالب منذ عدّة جمعات برحيل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح وكذا رئيس الحكومة نور الدين بدوي المتهم بتزوير عدة مواعيد انتخابية حينما كان وزيرا للداخلية، ويرى في إشرافه على رئاسيات 4 جويلية القادم مؤشِّرا واضحا على نيّة السلطة في تزويرها قصد تجديد النظام بوجوهٍ أخرى، لذلك يرفض إجراء الانتخابات في هذا الموعد وتحت إشراف رموز النظام ويهدّد بمقاطعتها بشكل غير مسبوق منذ استقلال البلاد، ولا نتصوّر إجراء انتخاباتٍ بلا شعب ورئيساً بلا شرعية يحكم الجزائريين 5 سنوات قادمة رغما عن إرادتهم. ولتفادي الانسداد، يطالب الشعب بمرحلةٍ انتقالية تقودها شخصياتٌ ذات كفاءة ونزاهة وقبول شعبي تشرف على تنظيم رئاسيات في أجواء من الشفافية والحرية التي تقود إلى بداية تغيير النظام. التشبُّث بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 4 جويلية القادم؛ أي التمسّك بالحل الدستوري وحده، هو مغامرة غير مأمونة ستفشل على الأرجح وتقود البلاد إلى أزمة بالغة الخطورة؛ إذ ستكون حينها أمام فراغ دستوري حقيقي يُجبر السلطة على الذهاب إلى مرحلةٍ انتقالية قد يسودها الارتباكُ والفوضى، والحال أنه يمكن الذهاب إليها الآن في إطار حلّ سياسي توافقي ومدروس بعناية لتفادي أيّ انزلاقات، فلماذا ترفض السلطة اليوم وهي في سِعةٍ من أمرها ما ستقبل به غدا وهي في ضيقٍ وكرب؟! قطاعٌ واسعٌ من المتظاهرين يريدون أن يقود المرحلةَ الانتقالية الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي ابن العلاّمة البشير الإبراهيمي، وعبّروا عن ذلك في لافتاتٍ عديدة ظهرت منذ عدة جمعات في مظاهراتهم بمختلف الولايات، وبذلك يكون الحراكُ قد سهّل المَهمّة على السلطة للتفاوض مع الإبراهيمي على تولّي قيادة هيئةٍ رئاسية انتقالية مدة قصيرة تتراوح بين 8 أشهر وسنة، على أن يكلّف بدوره شخصية مستقلَّة أخرى بتشكيل حكومة كفاءاتٍ وطنية للتحضير للرئاسيات القادمة، وكذا تشكيل لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات بدل وزارة الداخلية والإدارة، وبعدها يمكن إجراءُ الرئاسيات في أجواء مثالية تطبعها النزاهة والشفافية الكاملة، ثم يسلّم الإبراهيمي المهامَّ للرئيس المنتخَب شعبياً لأوّل مرة في تاريخ الجزائر، لتنتهي بذلك المرحلة الانتقالية بسلام ويواصل الرئيسُ المنتخَب مسار تغيير النظام بتدرّجٍ وثبات، وهي مَهمَّة شاقة وطويلة ويمكن أن تستغرق سنواتٍ قبل تطهير دواليب الدولة من الفاسدين، وبناء منظومة حكم جديدة قائمة على الديمقراطية الحقيقية والاحتكام إلى الشعب وعلى الكفاءة والنزاهة والشفافية والمحاسبة وسيادة القانون… إجراءُ الرئاسيات في 4 جويلية هو خطوةٌ فاشلة قد تُدخِل البلادَ في المجهول، ولا جدوى من الإصرار عليها والتصلّب في التمسّك بها وكأنها قرآنٌ منزّل، وإذا كانت السلطة لا تريد تكرار تجربة الأقلية التغريبية مع الجيش في التسعينيات، فإن خيار الإبراهيمي يُعدّ الأنجع حاليا لتفادي هذا الكابوس، ونأمل أن تفكّر السلطة جديا في هذا الحلّ ما دام الكثير من المتظاهرين قد نادوا به في مسيراتهم، فلعلّ نهاية هذه الأزمة المستعصية تكون على يده.