لم يعد يفصلنا سوى بضعة أيام عن دخول شهر جوان، موعد مباريات كأس أمم إفريقيا التي ستجري في القاهرة، وقد يفشل التلفزيون الجزائري في نقل المنافسة القارية الأكبر بسبب تماطل مسؤوليه وأيضا عدم تمكنهم من نقل المباريات، وهو ما سيجبر الجزائريين للتنقل إلى فضائيات أخرى لمتابعة الحدث الإفريقي، وسيكون التلفزيون الجزائري في حرج كبير لو تمكن “الخضر” من انتزاع اللقب في بلاد الفراعنة، والجزائريون يتابعون المباراة النهائية في قنوات أجنبية وليس قناتهم الوطنية. التحجج بغلاء حقوق البث، لا معنى له بالنسبة لتلفزيون يعيش من أموال الدولة، خاصة أن تلفزيونات الدول المغاربية ومنها موريتانيا ضمنت نقل المنافسة، وحتى الأفارقة المشاركون وصلوا إلى اتفاق مع صاحب حقوق البث، وكان على التلفزيون الجزائري حسم أمر شرائه لمباريات “الخضر” على الأقل، والسعي لإقناع مساهمين للدعم المالي، مع توفير “بلاطو” قوي بشخصيات التحليل ودعوة مشاهير الكرة، ليس في الجزائر فقط وإنما في القارة السمراء، إضافة إلى إرسال بعثة إعلامية قوية إلى مصر، كما تفعل التلفزيونات العمومية في دول المغرب العربي وفي غيرها من البلاد.. ولكن؟. لم تعد لعبة كرة القدم مجرد مستطيل أخضر وبيادق تبحث عن إنهاء المعركة لصالحها، فكما يهتم المتفرج باللاعبين وبالطاقم الفني وبالجماهير صار يهتم بالإعلاميين الذين يقدمون له الصورة والصوت، والكثيرون صاروا يختارون المعلق التلفزيوني ويختارون الصحيفة تماما كما يختارون الفريق الذي يناصروه، وهي ظاهرة قديمة ولكنها تبلورت بشكل مثير في عالم الفضائيات وفي وجود القنوات الرياضية التي رفضت اليتيمة السير على نهجها. فخلال كأس العالم 1982 لم يكن في الجزائر أكثر من خمس صحف، وأرسل حينها التلفزيون ثلاثة صحافيين تولى محمد مرزوقي من محطة وهران، رفقة المرحوم ربيع دعاس الذي جاء من محطة قسنطينة، التعليق على مباريات المنتخب الجزائري التي أقيمت في مدينتي خيخون وأوفييدو الإسبانيتين، بينما أوكلت للصحفي الثالث بن يوسف وعدية من المركزية تغطية بقية المباريات إلى غاية الدور النهائي، وقدّم ربيع دعاس ومرزوقي تعليقا هستيريا في لقاء 16 جوان ضد ألمانيا وتبادلا الميكروفون. وكان أهم ما ميز مونديال 1982 هو تعليق الراحل محمد صلاح من القناة الأولى، وكانت الإذاعة في ذلك الوقت معروفة بأسماء معينة مثل المنشطة الشاعرة نوال، التي جعلت كل فترة صباح 17 جوان لتلقي مكالمات الآلاف من المناصرين مع الأغاني الشائعة في ذلك الوقت وهي “يا لولاد ديرو حالة” لفرقة البحارة، و”هيا يا جزائر” لرابح درياسة و”هذي البداية ومازال مازال”. لم يكن حال الجزائر في مكسيكو 1986، مثل حالها في إسبانيا من الناحية الاقتصادية، فخلال مونديال 1982 كان سعر النفط قد فاق الأربعين دولارا وهو ما مكّن الجزائر من إرسال طاقم إعلامي قوي ومتعدد إلى إسبانيا، البلد القريب من الجزائر ومكّن حتى من توفير ما لا يقل عن 5 آلاف مناصر سافروا إلى إسبانيا بأثمان رمزية لم تزد عن 5000 للمناصر الواحد، الذي تمتع بثلاث مباريات وبالنقل وبفندق محترم وفّر له وجبة الفطور والعشاء والطائرة المسافرة إلى مدريد وحافلة تولت نقله بين مدريد وخيخون وأوفييدو، بينما في مونديال 1986 كانت أسعار النفط، قد وصلت إلى حدود العشرة دولارات وهو ما جعل التواجد الجزائري، شبه منعدم في مكسيكو، حيث كانت بعثة التلفزيون متكونة من ثلاثة إعلاميين هم محمد مرزوقي الوحيد الذي يتقن اللغة الإسبانية الرسمية في المكسيك، وكان رفقة بن يوسف وعدية وأيضا الحبيب بن علي الذي تولى التعليق على مباريات “الخضر”، وللأسف لم يدخل في هستيريا الفرح إلا مرة واحدة عندما سجل جمال زيدان هدف التعادل أمام منتخب إيرلندا، واستمع الجزائريون للقناة الأولى في مباراة البرازيل وكانوا يتفرجون بأعينهم على تلك المباراة ويستمعون لمحمد صلاح عبر القناة الأولى، ولكن سيناريو خيخون لم يتكرر في غوادالاخارا. “كان 2019” قد تكون الأولى في تاريخ الجزائر التي تسقط فيها من تغطية القناة التلفزيونية الجزائرية، وستكون سابقة لو حصلت، ستدق آخر مسمار في نعش القسم الرياضي للقناة الحكومية التي قد تفقد ما تبقى من مشاهديها. ب.ع