يتساءل الكثير من المتتبعين حول مدى قدرة “الفاف” على استثمار التتويج الإفريقي الأخير للمنتخب الوطني، بغية تكريس تقاليد تصب في خانة الاستقرار والاستمرارية في شقها الايجابي، خاصة بعد البصمة النوعية التي تركها المدرب جمال بلماضي خلال فترة عام فقط من توليه زمام العارضة الفنية ل”الخضر”، ما يجعل الكثير من المعطيات تصب في خانة الإبقاء على خدماته وإقناعه بالبقاء لأطول مدة، حتى يسير على خطى المدربين الذين يشرفون على منتخبات كبيرة في صورة ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا وغيرها. بعيدا عن التتويج الإفريقي الأخير الذي أعاد المنتخب الوطني إلى الواجهة من أوسع الأبواب، وبعيدا عن الغموض والجدل الذي صاحب مستقبل المدرب جمال بلماضي على رأس “الخضر” خلال الأيام السابقة، فإن القرارات السابقة ل”الفاف”‘ جعلها تسددها فواتير كثيرة من البريكولاج وإعادة الترقيع الناجم عن سوء اختيار المدربين والسرعة في التغيير، آخرها كان صائفة الماضي حين تمت إقالة المدرب رابح ماجر الذي أشرف على المنتخب الوطني لمدة 8 أشهر، بحجة سوء النتائج ومبررات أخرى، في وقت كانت الجماهير الجزائرية قد عارضت تعيين ماجر منذ البداية، إلا أن القرار النهائي كشف مجددا على المزاجية التي لا تزال تسود قرارات “الفاف”، سواء في عهد روراوة أو في فترة خليفته زطشي، ما خلف عددا كبيرا من المدربين المغمورين الذين تداولوا على العارضة الفنية ل”الخضر”، ناهيك عن اللجوء في بعض الحالات إلى أطقم مؤقتة في إطار مهمة انتقالية، ما جعل المنتخب الوطني يحطم الرقم القياسي في عدد التقنيين الذين يشرفون على عارضته الفنية، بدليل أن فترة زطشي وروراوة التي تمتد إلى مطلع الألفية استهلكت أكثر من 20 مدربا، نصفهم لم يمكث أقل من 6 أشهر. مآسي ليكنس وألكاراز وماجر محاها بلماضي في عام وقبل طي صفحة المآسي مع جمال بلماضي، فقد مر المنتخب الوطني بمتاعب بالجملة، آخرها في عهد زطشي الذي لم يحفظ درس المدرب الاسباني الكاراز الذي كانت حصيلته سلبية على جميع الأصعدة، بدليل أنه لم يحصل على أي نقطة في تصفيات المونديال، والأكثر من هذا فقد حصل على 20 مليار سنتيم كتعويض مقابل إقالته خريف العام الماضي، ليتم الاستنجاد بالمدرب رابح ماجر الذي عارضت الجماهير الكروية قدومه، وبمرور الوقت اثبت فشله من الناحية الفنية، موازاة مع توالي الهزائم في المباريات الودية، في الوقت الذي لم يخض أي مباراة رسمية، ما جعل حمى الانتقادات والضغوط في تصاعد، ليتم التضحية به، قرار وصفه البعض بأنه تحصيل حاصل، في الوقت الذي كانت فترة البلجيكي ليكنس حلقة أخرى من مسلسل سلبي على طول، وهذا خلال توليه زمام “الخضر” في “كان 2017″، في آخر أيام روراوة على رأس “الفاف”، مآس حدثت في وقت يبدو قصيرا لكن صدمتها كانت كبيرة لدى الجماهير الجزائرية الذي عبر عن استيائه من أخطاء وسقطات “الفاف”، قبل أن يستعيد الأمل مع المدرب جمال بلماضي الذي أعاد البريق ل”الخضر” في وقت وجيز، وأهدى الجزائريين كأسا قارية هي الأولى من نوعها خارج الديار. الأطقم المؤقتة كانت “كارثية” وسعدان وخاليلوزيتش الاستثناء ومن باب أخذ العبرة وتفادي الوقوع في أخطاء الماضي، فإن الأرقام تؤكد وقوع روراوة وزطشي في أخطاء فادحة نجم عنها غياب الاستقرار على رأس “الخضر”، بدليل تداول أكثر من 20 مدربا ولم يمكثوا سوى أشهرا أو عاما على الأكثر، فباستثناء رابح سعدان وخاليلوزيتش اللذين مكثا مدة 3 سنوات، ما سمح لهما بتأهيل المنتخب الوطني إلى نهائيات كأس العالم لمرتين متتاليتين، إلا أن حوالي 11 مدربا لم يعمروا على رأس “الخضر” 6 أشهر، وتداول 7 مدربين لم يدم صمودهم سنة واحدة، وسط موجة من البريكولاج وسياسة الهروب إلى الأمام، وهو ما يؤكد أن سوء الاختيار كان القاسم المشترك في أغلب القرارات، والاستقرار كان من آخر اهتمامات القائمين على “الفاف” منذ مطلع التسعينيات، وفي فترتي روراوة وزطشي على الخصوص، ما انعكس سلبا على “الخضر” من النواحي الفنية والتنظيمية وحتى النفسية. هل سيبقى بلماضي على طريقة الألمان؟ وعلى ضوء هذه المعطيات، من حق الجزائريين أن يتساءلوا حول مستقبل العارضة الفنية، ومدى إمكانية الحرص على استقرارها، من خلال إقناع بلماضي البقاء أطول مدة، وهذا بالشكل الذي ينعكس إيجابا على المنتخب الوطني من الناحية الفنية والتنظيمية، خاصة وأنه سيكون أمام تحديات كبيرة، وفي مقدمة ذلك تصفيات “كان 2021” ومونديال 2022 بقطر، تحديات تفرض توفير المناخ المناسب للناخب الوطني الحالي بغية تجسد الأهداف المسطرة، وبالمرة العمل على تكريس تقاليد متينة في مجال الاستقرار الفني، على غرار الكثير من المنتخبات العالمية التي تراعي كثيرا حسن اختيار المدرب ووضع الثقة في خدماته أطول مدة ممكنة، بدليل ما يحدث في المنتخب الألماني الذي يقوده المدرب يواكيم لوف منذ عدة سنوات، علما أن المنتخب الألماني اشرف عليه 6 مدربين فقط طيلة أكثر من 70 عاما، وتولى المنتخب الوطني 17 مدربا فقط في تاريخه، و19 مدربا فقط تداول على المنتخب الايطالي، أما المنتخب الفرنسي فتداول عليه 23 مدربا، في الوقت الذي حطم “الخضر” الرقم القياسي من حيث التغييرات وموجة الإقالات والاستقالات، ما يجعل تألق بلماضي فرصة مهمة لمراجعة الحسابات وتفادي أخطاء الماضي التي لم تخلف سوى البريكولاج وإعادة الترقيع الذي أزم الوضع أكثر من أي وقت سابق. مدة مكوث مدربي “الخضر” في عهد روراوة وزطشي 3 سنوات رابح سعدان: من أكتوبر 2007 إلى سبتمبر 2010 وحيد خاليلوزيتش: من جوان 2011 إلى جويلية 2014 أقل من عامين غوركوف: من جويلية 2014 إلى مارس 2016 أقل من عام رابح ماجر: من جويلية 2001 إلى ماي 2002 (10 أشهر) حميد زوبا: من ماي 2002 إلى جانفي 2003 (8 أشهر) رابح سعدان: من جويلية 2003 إلى فيفري 2004 (7 أشهر) علي فرقاني: من سبتمبر 2004 إلى جوان 2005 (9 أشهر) إيغيل مزيان: من جوان 2005 إلى ماي 2006 (11 شهرا) عبد الحق بن شيخة: من سبتمبر 2010 إلى جوان 2011 (9 أشهر) رابح ماجر: من أكتوبر 2017 إلى جوان 2018 (8 أشهر) أقل من 6 أشهر ناصر سنجاق: من ديسمبر 1999 إلى أفريل 2000 (4 أشهر) عبد الغني جداوي: من ماي 2000 إلى جويلية 2000 (3 أشهر) جداوي ورادوليشكو: من سبتمبر 2000 إلى فيفري 2001 (5 أشهر) زوبا وكرمالي: من مارس 2001 إلى جويلية 2001 (4 أشهر) جورج ليكنس: من جانفي 2003 إلى جويلية 2003 (6 أشهر) رشيد شرادي: من مارس إلى ماي 2004 (شهران) واسايج: من ماي 2004 إلى سبتمبر 2004 (4 أشهر) نغيز ومنصوري: من أفريل إلى جوان 2016 (شهران) رايفاتش: من جوان 2016 إلى أكتوبر 2016 (4 أشهر) ليكنس: من أكتوبر 2016 إلى فيفري 2017 (3 أشهر) ألكاراز: من أفريل 2017 إلى أكتوبر 2017 (6 أشهر) ملاحظة: جمال بلماضي مر عليه عام من إشرافه على “الخضر” أهم الإنجازات والنكسات في عهد روراوة وزطشي – الغياب عن دورة كأس إفريقيا للأمم 2012. – الوصول إلى نصف نهائي “كان 2010” – التأهل إلى نهائيات كأس العالم مرتين متتاليتين، ويتعلق الأمر بمونديال 2010 و2014. – الإقصاء من تصفيات مونديال 2018 بعد حصيلة سلبية تقاطعت فيها عهدة روراوة وزطشي، وقبل ذلك، غاب المنتخب الوطني عن مونديالي 2002 و2006. – التتويج بكأس أمم إفريقيا 2019، وهذا لأول مرة خارج الديار، وهو التتويج الثاني في تاريخ الكرة الجزائرية. – إقالة بعض المدربين كلف غاليا، والبداية كانت مع رايفاتش الذي تلقى 80 ألف دولار تعويض، والاسباني الكاراز الذي أقيل مقابل تسلميه 20 مليار سنتيم. خلال 18 سنة، سجلنا صمود مدربين فقط مدة 3 سنوات (سعدان وخاليلوزيتش)، وبقاء غوركوف مدة عامين، وكافالي مدة 17 شهرا، فيما مكث 7 مدريين أقل من عام و11 مدربا أقل من 6 أشهر.