أخذ قرار الحكومة برفع أجور الممارسين الأخصائيين العاملين في الجنوب إلى مرتين ونصف، جدلا كبيرا في الأوساط الطبية بين رافض للقرار في هذا التوقيت وآخرين يطالبون بإعادة مراجعة الأطباء والعاملين في سلك الصحة بجميع ولايات الوطن، بدءا من الجنوب والمدن الداخلية وصولا للولايات الساحلية أيضا. تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات الخاصة بالأطباء لساحة تبادل الرأي حول الإجراء الأخير الذي أعلن عليه وزير الداخلية، فهناك من استحسن الإجراء ووصفه بتعزيز الرعاية الصحية بالجنوب الجزائري بجلب أطباء أخصائيين إليها للتخفيف من معاناة سكانها في ظل غياب مختصين يعالجونهم، وتحوّل المؤسسات الطبية والإستشفائية لهياكل شاغرة لا يتوافر فيها معالجون. ووصف المعلقون مثل هذه الإجراءات بغير الفعالة، فترقية الصحة في الجنوب تقوم على عدة ركائز وليس على الأخصائيين العاملين فقط، ونتيجة السياسة السابقة هو تسجيل عديد الوفيات جراء الإهمال والتسيب واللامبالاة التي يدفع ثمنها المواطن البسيط في جميع ولايات الوطن. فيما دعت فئة أخرى من الأطباء والعاملين في قطاع الصحة لإعادة النظر في الأجور التي يتقاضونها والتي وصفوها بالضعيفة جدا وتقتضي مراجعة هي الأخرى، وذلك على المستوى الوطني وليس في ولايات الجنوب فقط. معتبرين بأن قطاع الصحة مريض وهو بحاجة لإعادة تنظيم واتخاذ قرارات رسمية حاسمة بغية التقليل من الفضائح المسجلة يوميا والضحايا، مع سن قوانين رادعة وتفعيل أجهزة رقابة وهذا من شأنه تحسين الرعاية الصحية. وفي هذا الصدد، أوضح رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، في اتصال ل “الشروق”، بأن القرار الأساسي هو رحيل الحكومة الحالية المرفوضة شعبيا، فليس بوسعهم اتخاذ مثل هذه القرارات، ففي مثل هذه المرحلة شبه الانتقالية ومرحلة التحوّل الديمقراطي تعيش البلاد فراغا، والحكومة الحالية والمصطلح عليها باسم “حكومة تسيير الأعمال” لا يمكنها اتخاذ قرارات مثل المعلن عنها في الآونة الأخيرة، كالسماح باستيراد السيارات أقل من 3 سنوات، رفع منحة ذوي الاحتياجات الخاصة، رفع منحة التمدرس، رفع أجر الممارسين الأخصائيين. فجميع هذه القرارات اتخذت بطريقة شعبوية وفي ظرف اقتصادي صعب وغموض وضبابية تطبع الوضع السياسي. وأضاف النقابي مرابط بأن مطالب الحراك واضحة جدا فمعيقات التوجه للانتخابات هي الحكومة ومازال رحيلها مطلبا أساسيا، واستغرب المتحدث كيف لحكومة منبوذة شعبيا تتخذ مثل هذه القرارات فجميعها شعبية وترقيعية ولن تحقق أي نتيجة، فالتحفيز المادي لا يكفي ولابد من إعادة النظر في المنظومة الصحية والتغطية والرعاية الصحية، فالمشكل ليس في الطبيب المتخصص فقط بل في سلسلة حلقات تبدأ من القاعدة وصولا للمستشفى الجامعي، فالسياسة العامة والفساد المستشري أفرز إخفاقات في جميع القطاعات بما فيه الصحة. وكشف المتحدث بأن الإصلاح في قطاع الصحة بدأ منذ 2004 والآن وبعد 15 سنة لا يوجد أي تقييم لم حققته هذه الإصلاحات وماذا قدمته من موارد مالية؟، ناهيك عن التصحر الطبي وغياب بعض التخصصات في المناطق الجنوبية والداخلية حتى في بعض المناطق الشمالية، ودعا مرابط إلى ضرورة تعيين حكومة تحظى بثقة الشعب وتكون المخوّلة الوحيدة لاتخاذ قرارات مدروسة. وأضاف رئيس نقابة ممارسي الصحة بأن نقابتهم ترفض التعامل مع الوزراء شخصيا، لكن الإدارة المركزية ملزمة بالتواصل مع الشريك الاجتماعي واستشارتهم قبل اتخاذ قرارات مماثلة.