لم تنتظر حركة مجتمع السلم أكثر من يوم واحد، لتعلن مشاطرتها لموقف جبهة العدالة والتنمية، بقرار عدم المشاركة في موعد 12 ديسمبر القادم، حيث أعلنت هي الأخرى أنها غير معنية بتقديم رئيسها عبد الرزاق مقري، على غرار عبد الله جاب الله، للمنافسة على منصب القاضي الأول في البلاد. وبإعلان حمس و”العدالة” عن خيارهما بعدم خوض الغمار الانتخابي المقبل، لكن دون تقرير للمقاطعة الشعبية، تصبح الكتلة الجماهيرية الأوسع للإسلاميين خارج المنافسة المباشرة على قصر المراديّة، في انتظار معرفة وجهتها المستقبليّة، ما يطرح عدّة فرضيات حول تطورات قرارهما المعلن وكيفيّة تجسيده قريبًا في شكل موقف عملي، يرفض دخول المنافسة ولكنه يؤيد المشاركة في الاستحقاق. ومن خلال تحليل بيانات الهيئات الاستشارية للحزبين، تبرز عدة نقاط تقاطع لافتة في رؤية حمس و”العدالة” للمشهد السياسي وتقديرهما للوضع العام، وقد يحيل ذلك مستقبلا إلى الالتقاء في منتصف الطريق عند محور دوران واحد. ولعلّ أهمّ ما في موقف الحزبين هو التأكيد على ضرورة المسار الانتخابي كمخرج وحيد وآمن من المأزق الحالي، حتى ولو وضع كلاهما شروطا بديهية، ذات طبيعة قانونية وسياسيّة، تتعلق بالضمانات وتوفير المناخ، ما يعني أنهما يرفضان التموقع ضمن معسكر الفراغ المؤسساتي والمجلس التأسيسي وتعطيل الانتخابات وسواها، وهذا التفكير يضعهما في رواق واحد مع رؤى السلطة من حيث المبدأ والاصطفاف. كما نجد أن حمس و”العدالة”، مع قرارهما بعدم المنافسة، تؤكدان على رفض المقاطعة الشعبية في الاقتراع، وهذا البعد الأساسي في محددات الموقف يكمّل مبدأ المسار الانتخابي، لتثبيت النأي بالنفس عن مناورات بعض الأطراف لإجهاض المحطة القادمة، ومن ثمّ فتح أبواب المجهول على مصير البلد، ولا شكّ أنّ تفويت فرصة أكل الشوك بفم الإسلاميين على تيّار المعاداة لمؤسسات الدولة، سيعزز من رصيدهم لدى الأخيرة، ويجعلهم أقرب للانسجام معها عندما تتوفّر الظروف الملائمة للجميع لأجل “التوافق الوطني”. وبذلك نصل إلى بيت القصيد في موقف طرفين، من أكبر مكونات المشهد الإسلامي الحزبي في الجزائر، ويتعلّق الأمر بتبنّي حمس و”العدالة” لفكرة “المرشح التوافقي”، بدل التنافس المستقل، في معركة تحتاج إلى تجميع الشتات وليس تقسيم المقسّم. ولفهم خلفيات دفاع مقري وجاب الله عن ذات التصوّر، في وقت يتهمهما البعض بحب الزعامة والرئاسة، لابدّ من العودة ثانية إلى اتجاه النقاشات الداخلية في التنظيمين، وكذا مراجعة تراكم ومسار الموقف العام للحزبين منذ سنة ونصف، أي منذ صائفة 2018. أمّا عن توجهات القيادات الوسطى لحزبي مقري وجاب الله، ومن خلال قراءة البيانات الختامية لاجتماعاتها، يبدو واضحا أنها لم تكن مقتنعة بظروف إجراء الانتخابات وكذا المنافسة عليها في ظل المؤشرات القائمة، دون أن نغفل تأثير الجو العام للحراك وتعاطي “حمس” و”العدالة” معه، عبر الانخراط في فضاء فعاليات التغيير ثم أرضية عين البنيان، والذي أحدث يقينًا رجع الصدى داخل مؤسساتها الشوريّة في بلورة خيارها إزاء الموعد الرئاسي، ولذلك علقّ مراقبون وحتى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ موقفها منسجم مع مقاربتها السابقة للوضع السياسي. عين الإسلاميين على “المرشح التوافقي” وبخصوص الخيارات المتاحة أمام “حمس” و”العدالة” بعد تقرير عدم المنافسة مع المشاركة في آن واحد، الواضح من خلال تصريحات قيادات الحزبين أنّ المسعى القائم هو البحث عن مرشح توافقي في إطار وطني واسع. وذلك ما ذكره بيان جاب الله صراحة في رفض الترشّح، مع إمكانية دعم “مرشح إجماع”، كما عبّر عن ذات التوجّه نعمان لعور، النائب السابق لرئيس “حمس” بالقول “قررنا المشاركة في الانتخابات وسنسعى للتوافق على مرشح مشترك لمصلحة البلاد، ولهذا رفضنا تقديم مرشح عن الحركة”. وعلى نفس المنوال، أكد أبو جرة سلطاني أنّ “مجلس الشورى الوطني درس كل الاحتمالات، وقدّر أن الظرف الحالي غير مناسب للدخول بشخص عن الحركة، لأن الظرف الحالي في الجزائر ليس لتيار ولا لحزب معين، بل نحن أمام قضية وطنية، لابد أن يتم بشأنها توافق على شخصية تحظى بأغلبية مريحة”. وبذلك، فإنّ صناعة فارس”التوافق” صار أولوية قصوى لدى حمس و”العدالة”، وما بقي فقط، هو التساؤل الاستشرافي حول هويّة “المهدي المنتظر” الذي يمكن أن يجمع القوى السياسية والحراكيّة من حوله، ويفتح نافذة الأمل في جدار الصامتين والخائفين والمشككين في نزاهة العملية الانتخابية وجدواها. لا يمكن التكهن في الوقت الحالي بشأن تلك الشخصية الجامعة من منظور الإسلاميين، لأنّ الترشيحات والمشاورات على السواء لا تزال في بدايتها، غير أن المؤكد وفق ما يرى مراقبون أنها ستكون، في حال ظهورها، شخصية وطنية وازنة ومقبولة، بل ومحفّزة شعبيّا، ولها مسار ومشروع إصلاح فعلي، مؤمنة قولا وعملا بالانتقال الديمقراطي والاقتصادي بما يستجيب لتطلعات الحراك الشعبي. وعلى ضوء ذلك، من المستبعد تماما أن يكون مرشح التوافق من داخل التيار الإسلامي، طالما أن مقري وجاب الله نفسيهما لن يشاركا في الرئاسيات، بينما تبقى كل الاحتمالات الأخرى، على محدوديتها، قائمة حينما تكتمل صورة المشهد التنافسي بتقدّم جميع الراغبين في الوصول إلى رئاسة البلد.