تُواصل المنظومة العقابية في الجزائر على نحو غريب، تموقعها كاستثناء عالمي في حرمان المحبوسين المتزوجين من حق “التقرب الجنسي”، في وقت قامت دول عديدة بتأطير وتنظيم المسألة وتطبيقها على نحو دوري. لا تزال مسألة “الخلوة الشرعية” تُنعت ب”الطابو” ويستمر اسقاطها من سلّم حقوق المحبوسين في الجزائر، بينما يُجمع الحقوقيون على أنّ الأمر يتعلق بحق لا غبار عليه، لكن لا أحد استعاد حقاً مغيّباً في سجون الجزائر، وهو ما يبحثه “الشروق أونلاين” في هذا التقرير. يعزو متابعون ما تشهده السجون من تنام لمحذوري الشذوذ والاعتداءات الجنسية إلى تجاهل المشرّع لدعامة حساسة بوزن “التقرب الجنسي” الذي يشهد تقوقع الجزائر في ذيل القائمة دوليًا، على نقيض دول قطعت أشواطًا هائلة جد مثل أوغندا والسعودية. ووصل الأمر هناك إلى حد السماح للسجين الذي قضى نصف عقوبته بمغادرة السجن لقضاء يوم كامل مع أسرته، فيما لا يزال القائمون على قطاع العدالة يُغمضون أعينهم عن موضوع جدّ حساس. وببساطة، فإنّ “التقرب الجنسي” هو حق السجين بلقاء زوجته في مكان أمين داخل السجن يسمح لهما بالخلوة الشرعية. ويُعتبر إجراءً لخلق نوع من التكافل، يتيح استمرار وفاء المحبوسين لزوجاتهم، والعكس صحيح. ويساعد حقّ التقرّب الجنسي على تحمل فترة العقوبة وهو ما يحدّ من احتمال اللجوء إلى الطلاق أو إلى مفاسد أعظم. كبح هدّم عائلات تؤكد الطبيبة النفسانية مليكة لعروسي، أنّ الحياة البشرية عموما تقوم على العاطفة وتمنح طاقة للبذل. وتضيف: “الحياة الزوجية تقوم على مشاعر ايجابية تساعد على تحمل المسؤوليات وأعباء الحياة ومن طرق التعبير الزوجية القرب بين الزوجين”. وعليه، فإنّ غياب أحد الزوجين سيؤثر على توازن الأسرة، فما بالكم بانقطاع العلاقة كلية. وتشير لعروسي إلى أنّ السجون الجزائرية اليوم توفر زيارة من البعيد تقتصر على الكلام، وهذا ما تشتكي منه عدة زوجات. وكثيراً ما تغادر هذه الزوجات السجون بمعنويات جد سيئة نظرا للضغط الذي يولده “تحديد المشاعر” الذي تفرزه عموم المقابلات. ولا تقتصر المشاعر السلبية على الزوجات، فالضرر يتعرض له أيضا أزواجهن المحبوسين، وما يترتب عن ذلك من كبت للمشاعر. هذا الأثر الرهيب يؤثر على حياة المحبوسين اليومية، ويتجسد في صور حالات اكتئاب وحتى سلوكيات عدوانية ضدّ الزملاء. وتتفاقم المخاطر كلما كانت فترات الاستقرار الزوجي قبل الحبس طويلة. انفجارات يومية يشدد خبراء النفس والاجتماع على ضرورة مراعاة الجانب النفسي المغيّب حاليًا في السجون الجزائرية. وينبّه هؤلاء إلى أنّ تغييب الحق الجنسي، يؤدي بالكثيرين إلى الانفجار في صور عدة، أبسطها سرعة الغضب. ويشير السوسيولوجي محمد بوكراس :”السجن من المفروض أن يكون فرصة لإعادة التأهيل وتصحيح الأخطاء ولا يكون ذلك بقتل إنسانية السجين”. ويلّح بوكراس على أنّ تمكين المحبوس من حق التقرب الجنسي، يمنحه توازناً نفسانياً، ويعطيه طاقة تشجعه على التحسن. ويردف محدثنا: “التقرب الجنسي يدعم طاقة التصحيح لدى المحبوس، عن الصورة الحالية المشوهة عن السجين”. ويشدّد: “التقرب الجنسي منطلقه انساني بحت، وعلى المسؤولين أن يتعاطوا معه كذلك”. شهادات الشروخ تسبّب الانطواء الحاصل حاليا في منظومة السجون، في تهديم الكثير من الأسر، فزوجات كثيرات طالبنّ بالخلع والطلاق. وارتضت أخريات إلى قطع العلاقات والزيارات، نظراً للكآبة التي تلف اللقاء، وبفعل انعدام رؤى مستقبلية . ويقول سجين سابق: “بعدما غادرت السجن، وجدت زوجتي غيّرت نمط الحياة من جميع النواحي بسبب انقطاعي مدة طويلة”. وتابع: “ذلك التغيير أضاع حياتي وأولادي، وعدت أتساءل لمَ ولمن غادرت السجن؟”. وطبعا كل هذا إفراز لحقّ التقرّب الجنسي الذي دمّر المناعة النفسية للمحبوسين وعائلاتهم ككل، وحال دون توازن واستمرارية حياة هؤلاء. السجن ل “التعزير” وليس ل”منع الخلوة” يؤكد الإمام الحاج حجاج أنّ الهدف من الحبس هو “التعزير والعقاب”، مشددا على أنّ الخلوة الشرعية لا تناقض ذلك. واستدلّ حجاج بموقف عمر ابن الخطاب عندما سمع زوجة أحد المجاهدين تُنشد أبياتا من شوقها إلى زوجها قائلة: تطاول هذا الليل واسود جانبه **وارقني إذ لا حبيب ألاعبه فلولا الذي فوق السماوات عرشه * * لزعزع من هذا السرير جوانبه وسأل الخليفة الفاروق حفصة أم المؤمنين عن حد أقصى تصبر فيه الزوجة عن غياب زوجها. فحدّدت حفصة بعدّة الوفاة المقدرة بأربعة أشهر و10 أيام كأقصى مدة وإلا خافت الزوجة على نفسها الفتنة بعد ذلك. لذلك يحبّذ حجاج توفير الخلوة الشرعية في السجون، ففي ذلك داعِ لحصانة المرأة لبيتها وحماية السجين من ذيوع الشذوذ حاليا. ورغم أن الإسلام يمنح الزوجة حق الخلع إذا ارتأت ذلك إلا أنّ الطبع الأصيل يحفّز حواء على غير ذلك. وتفضّل الجزائريات أن تكنّ عونا لأزواجهنّ، وتوفير الخلوة الشرعية يساهم في الحفاظ على هذه العلاقات وتعزيزها.