مثلما يعتقد البعض أن كورونا هي مصدر للمزحة والسخرية والاستهزاء، يرى آخرون أنه فرصة ذهبية للبزنسة و"سرقة" الناس، وآخرون جعلوا منه فضاء للتسلية والتنكيت، وآخرون سيّسوه وحوّلوه إلى مشجب للاتهام ومحاولة تغليط الرأي العام وتضليله بأخبار وتحليلات لا يصدقها لا عاقل ولا مجنون! من المفروض أن المصائب والكوارث، والعياذ بالله، تجمع ولا تفرّق، تلمّ الشمل، تطفئ نيران الأحقاد والضغائن والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وتعزّز روح التضامن والتعاون، وتقوّي الأخوّة والمحبّة بين الناس، وتنسيهم عداواتهم وحساباتهم الدنيوية والشخصية، أمّا وأن يتطفل البعض – سامحهم الله – ويصطادون في المياه العكرة، من باب أن "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فإن هذا يدعو العقلاء والشرفاء إلى رفع أيديهم إلى الله! هل يُعقل يا عباد الله أن يرفع مضاربون أسعار الكمّامات والأدوية، والصابون والمطهرات، والمواد الاستهلاكية؟.. هل يجوز دينيا وأخلاقيا، أن يفتعل "عديمو الذمة" الندرة للتحكم في السوق وفرض منطقهم على الضحايا في مثل هذه الظروف الاستثنائية والطارئة؟.. هل من السياسة أن يختلق "سياسيون" تفسيرات هلامية لاستهداف خصومهم بتهم غريبة؟ .."الله يهدي ما خلق"، فمثلما فضح زلزال بومرداس، وفيضان باب الوادي، وغيرها من الكوارث خلال السنوات الماضية، تجار المحن، ومقاولات الموت، ومسؤولو "الهفّ والتبلعيط"، ها هي كورونا تعرّي هؤلاء الذين لا يستحون ويحاولون المتاجرة في مآسي إخوانهم، رغم أن حياتهم في خطر، ورغم أن ديننا الحنيف صارم وعادل في هكذا حالات إنسانية! لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، من المفروض أن يتكتّل كلّ الجزائريين، مع دولتهم وحكومتهم وأحزابهم ومعارضتهم وبرلمانهم وهيئاتهم الرسمية وجمعياتهم ومنظماتهم الجماهيرية، إلى غاية تجاوز هذه المحنة، والمشاركة في ابتكار الحلول القادرة على تقليص فاتورة الخسائر وحماية الأرواح التي أعزها الله وكرّمها، والابتعاد عن كلّ تجارة وبزنسة وسمسرة واستغلال، لن ينفع صاحبه لا في الدنيا ولا الآخرة! يا جماعة الخير، الأمر جلل، فهل هناك أكثر من "تأجيل" العمرة وزيارة بيت الله؟ وهل هناك أكثر من "الغاء" صلاة الجمعة؟ وهل هناك أكثر من إلغاء رحلات جوية وبحرية وغلق الحدود البرية؟.. هل هناك أكثر من إلغاء اجتماعات رسمية ولقاءات حكومية؟ هل هناك أكثر من غلق المدارس والجامعات وتسريح التلاميذ والطلبة؟.. وهل هناك أكثر من الدعوة إلى التزام البيوت وعدم مغادرتها إلاّ للضرورة القصوى؟ الموضوع جدّي و"ماراهوش تمسخير"، وحتى إن استغله البعض لقضاء حاجة أو تسوية مصلحة أو تمرير مخطط، في كلّ بلدان العالم، فإن هذا لا يعني بأن الوباء مجرّد "فيلم" مليء بالخدع السينمائية، وإن كان صنيعة مخابر أو نتاج "حرب بيولوجية" صامتة وسرية، فإن الخسائر وسقوط الضحايا وانتشار الهلع والقلق، هو واقع وحقيقة لا يمكن تكذيبهما!