هل يحاسب الإنسان على نتائج أفعاله سواء كانت خيرة أو عكس ذلك ، أم على نواياه التي تسكن جنبات روحه، مختصون معدودون ينقسمون في هذا الإشكال إلى فريقين ، الأول يرى بأن الجزاء يبنى على نية الفاعل كأبي حامد الغزالي والفيلسوف ابن رشد وغيرهما، فيما يرى الفريق الثاني أمثال ستيوارت ميل وبنتام (النفعيون)أن الحساب يكون حسب نتائج الأفعال ،أي أن شرائح واسعة من المجتمع تقيم أفعالها بناء على نتائج أعمالها. الشروق اليومي و ارتكازا إلى هذين الموقفين المتناقضين. التقت بعينات بدت غريبة السلوك و المسار الذي انتهجته، فطيمة وحسين وغُربة و وحيد هي نماذج لا يعثر عليها إلا نادرا، حيث فتحوا صدورهم كاشفين عن ظاهرة عُدت إلى أوقات غير بعيدة من الطابوهات الممنوع الحكي فيها ، إنها ظاهرة الإدمان على مختلف المواد المتلفة للعقل و المخربة للجسم، لكن هل نقول بأن هذه النماذج مسؤولة عما اقترفته، أم هي ضحية مجتمع وقانون؟ المكان مصلحة الوقاية ومحاربة الإدمان ، فرانتز فانون في البليدة،الاسم حسين، 48 سنة، متحصل على شهادة البكالوريا -علمي- و هو إطار في الجمارك، متزوج وأب لبنت في ال 14 من العمر. هادئ ، يستغرب في كل من يضحك ، يحب ابنته إلى درجة الجنون . "حسين"..لقد خرّبت حياتي..إنها الانتحار يبدأ حسين الكلام بصعوبة بعد أن ركن على كرسي أسود،محدودب الظهر، رافعا عينيه قليلا بدرجة ارتفاع ساوت ال10 % واضعا مرفقيه فوق فخذيه معلنا بداية رحلة مأساته ، يقول: كانت البداية مع التدخين وتعاطي الخمر كنت حينها في ال 23 من العمر رفقة سيئة ومال متوفر ،استمر الحال 07 سنين إلى أن قررت تطليق يوميات السكر و أعلنت زواجي من امرأة عشت معها أروع اللحظات في السنوات الثلاث الأولى، لتتحول بعد ذلك إلى متمردة ومتسلطة ، تمارس معي أساليب المرؤوس وخدمه، يكشف حسين أن زوجته كانت إطارا ساميا تفوقه رتبة في الجهاز الذي ينتمي إليه هو أيضا، فكانت وهو يصفها تنسى كثيرا بأنني زوجها، بل كانت ترى فيه أحد الأعوان الذي تترأسهم، وكنت ،يقول حسين، أحاول إفهامها بأن الأمور ليست سيان بين الوظيفة والبيت، لكن كيف تقنع إنسانا كان يتوهم أنه حبة قمح ويخاف من أكل الدجاج إياه، يستطرد حسين تلك كانت المشكلة واستمر الوضع على حاله رغم ميلاد الصغيرة "أميرة" ، وحتى أنسى تلك المشاكل عاودني الحنين إلى شرابي الروحي بل ما زاد الطين بلة أنني أصبحت من متعاطي المواد المخدرة، وأضحت حياتي كابوسا طال زمنه، و أصبحت أكره كل امرأة، حتى أنني لم أعد أثق في أي واحدة من بنات حواء حتى ولو كانت الطبيب الذي يداويني، وأعلنت الحرب على زوجتي والتخلص منها للأبد، لكن الصغيرة "أميرة" التي كانت تحاول جاهدة الصلح بيننا جعلتني أعجز عن اتّخاذ أي قرار قد يحطم حياتها، لأنها في كل حال ضحية علاقة رغم أنها مشروعة، تسأله الشروق: ما الذي أتى بك إلى المركز؟ يقول حسين وهو يبتسم لأول مرة بعد زمن يقول عنه أنه لم يكن يعتقد أن تعود إليه البسمة،ربما لأنه أدرك بأن عليه أن يحيا لابنته "أميرة" والتي قال أنه مسؤول عنها و يخشى أن تكون صورة طبق أصل والدتها، فعليه حمايتها وإنقاذها، لذا يقول حسين عزمت على ترك كل سبب خرّب حياتي وأفرغ جيوبي وحطم جسمي، ثم وأنا على مشارف الخمسين لم أصل إلى نتيجة بعد تناول تلك الممنوعات التي أزمت من وضعي أكثر، يسترسل حسين ليقر بحقيقة المدمن ،أن طريق الإدمان أشبه بمن يقدم على الموت الانتحاري بشكل بطيء فقط ، فالخوف و العقد والعزلة مخافة أن تلتقي بالناس هي هواجس يحياها المدمن في شكل كابوس دائم. "وحيد"..كنت أبيعُ كلّ شيء من أجل حقنة الاسم : وحيد ،السن : 42 سنة ،المستوى التعليمي: السنة الرابعة متوسط المهنة : بطال، الحالة الاجتماعية: متزوج وأب ل 03 أطفال. مميزات خصوصية ، يحب الترحال ، وسيم ، غائر العينين وقوي البنية، وحيد من نوع خاص، يقول وهو يصف نفسه أنه دخل عالم الإدمان حينما سافر إلى إيطاليا للعمل، تعرف على المجتمع الايطالي وزار معظم مدن إيطاليا ، كسب مالا كثيرا لكن يقول أن العقل حينما تعلوه سلطة الميل الشخصي يتلاشى سلطانه ويذهب، يروي في مشهد قاتم أن مصيبته كانت حينما تعرف إلى مغربي حيث استطعم أول مادة مخدرة معه، طلقها بعد عودته إلى وطنه، حيث قرر الزواج وبناء أسرة وكان له ما أراد ، لكن يقول وحيد وبعد أن أنجب 03 أولاد ظل يأكل من المال الذي جمعه حينما كان في ديار الغربة، وعندما وصل به الحال إلى الإفلاس قرر بيع سيارته والعودة مجددا إلى إيطاليا لكسب بعض المال أيضا، وهي الرحلة الفاشلة التي لم يستطع ركوب موج البحر والسفر بعيدا عن زوجته، حيث عاد بعد أن أفق كل المال الذي كسبه من بيعه لسيارته وعاد يجر ذيول الخيبة وراءه، حاملا ،يقول، عبئا جديدا إلى زوجته ذات الشخصية القوية والمحافظة على بيتها، يتوقف وحيد للحظات ليستطرد قائلا ، أيام البطالة كانت شبحا مخيفا، لكن ورغم ذلك فقد حصل وأن كانت تربطني علاقة حميمة مع أحد الأصحاب، كان صاحب تجارة ومال، رافقته ذات مرة حيث اشترينا علبة من دواء "التامجيسيك" ، حيث أقنعته بأنني جربتها مرة بحقن نفسي بها ، وكان مفعولها طيبا ، كانت أول عودة للمواد المخدرة تلتها فصول ومشاهد لا تذكر، كنت أُنفق يوميا ما يقارب ال 1500 دج للحصول على تلك الكبسولات، فقد كانت توهمني بقوة خارقة وتنسيني ألم البطالة، تسأل الشروق: كنت لا تعمل وتنفق هذا المال الوفير، من أين السبيل إليه؟ يجيب وحيد كنت أسرق زوجتي وأبيع كل شيء أملكه بأرخص الأثمان، حتى حصل أن بعت سترتي التي تقيني البرد من أجل شراء تلك السموم ، واستمر الحال طويلا إلى أن وصل بي الأمر أن قمت بحقن 10 كبسولات في ظرف لا يزيد عن ال 03 ساعات وهي الكمية التي من المفروض أن تقتلني ، لكنني نجوت بأعجوبة خاصة حينما كنت اغضب، ولولا عناية زوجتي وحبها لأسرتها لكانت الكارثة، سألتني زوجتي ذات مرة وقالت: كيف سيكون موقفك حينما يتقدم أحدهم لخطبة إحدى بناتك؟ ماذا يسمونك، الوالد المدمن، أم ماذا ؟ سؤال زلزل كياني يقول وحيد ولم أعلم ما الذي أجيبه سوى أنني قررت وأعلنتها حربا على نفسي ، لن أتذوق تلك المادة أبدا ، بعد أن أصبحت "شبه رجل" فاقد للرجولة والمسؤولية الأسرية، ولولا زوجتي التي أُكن لها كل تقدير لظللت أرعى في عالم السراب الزائف. "فاطمة"..لن أعود إليها ما حييت الاسم : فاطمة، السن :22 سنة، المستوى التعليمي : سنة 08 أساسي،الحالة الاجتماعية: أم عازبة،مميزات خصوصية: قوية البنية ، قليلة الكلام ، فطنة و ذكية . قصتها تلخصها في أسطر حيث تقول كانت لدي رفيقة في الدراسة كنت أحبها كثيرا، وكنت أزورها في بيتها وتوطدت العلاقة بيننا حتى أصبحنا لا نفارق بعضنا البعض، لكن حصل أن تلفتت نظرات وحركات شقيقها إلي، بحيث تعلقت به دونما أدري لأجد نفسي في لحظات غفلة أتعاطى حبوبا مخدرة كنت في أحايين كثيرة أفقد فيها وعيي كلية لأفيق ذات مرة وأنا فاقدة للشرف الذي يتوج كل فتاة ،فتركت البيت مخافة الفضيحة وأصبحت أجوب المدن وأتقاذف بين أحضان الصعاليك لأجل دينارات أشتري بها تلك المواد المخدرة ، وأغنيت كلمات قاموسي الخاص بالمواد المخدرة والمشروبات الكحولية، إلى أن رزقت بصغير تنكر والده له رغم حبي له وعشقه إياي، لكن رغم كل تلك المشاعر فقد فر بجلده تاركا بصماته في ولد أتحمل الآن أوزاره و مسؤولية نسبه، تقول فطيمة أن ذلك الولد جعلها تدرك في لحظة أنها تسلك طريقا غير سليم ، لذا قررت الامتناع عن كل تلك الممنوعات لتربية وليدها الذي تشتاق إليه في كل حين، فقررت عيادة المركز لتطهير دمها من تلك السموم إلى الأبد... كانت تلك عينات من قائمة تطول حكاياتها و تفاصيل تجاربها مع تعاطي ألوان وأنواع من المواد المخدرة، يقول بشأنها الطبيب المتخصص في الأمراض العقلية بالمصلحة نفسها الدكتور حبيباش عبدا لرحمان وزميله الدكتور درقيني مصطفى، أن الأسباب التي تؤدي إلى الإدمان تتلخص في ضعف الشخصية و انعدام الثقة بالنفس و محاولة إثبات الرجولة و الحياء و رفقة السوء والتفكك الأسري، زد عناصر أخرى مثل البطالة والتسرب المدرسي و الفراغ ، حيث يشكل 95 بالمائة من المنقطعين عن مقاعد الدراسة الفئة الأولى في تعاطي المخدرات بأصنافها، و هم يستطيعون فعل أي شيء غير سليم للحصول عليها حيث يلجؤون إلى السرقة والاعتداءات الجسمانية، وأشار المختصان إلى أن الكيف و الحبوب المهلوسة "°310 ألف" تم حجزها السنة الماضية حسب مصادر رسمية" والخمر هي أهم المواد المخدرة المستهلكة. وفي هدا السياق يشار كملاحظة والتي وقفنا عندها مع هاته العينات أن جميعهم يتفقون على أنهم أتوا للعلاج طواعية وليس جبرا، كما أن هاته العينات تصرّ على فكرة أنهم أصحاء من الناحية العقلية وليسوا مجانين، كما لاحظنا بأن الظروف الاجتماعية هي التي قهرت مثل هاته العينات و أن المجتمع يقف مسؤولا لحمايتهم في كل الأزمنة، خوفا من تضاعف العدد وتفشي ظاهرة أخطر من تعاطي المخدرات، تخص تعاطي الطبقة الميسورة للهيروين والكوكايين. فيصل هارون