في هذا الحوار يتحدث السفير الفرنسي بالجزائر، السيد برنار باجولي، عن خلفيات عزف النشيد الوطني الجزائري إلى جانب النشيد الفرنسي أول أمس السبت بمناسبة اليوم الوطني الفرنسي، لأول مرة. كما تطرق بازولي إلى ثقل الذاكرة في التأثير على العلاقات الجزائرية الفرنسية، وإمكانيات تجاوز هذه العقبات، متوقعا بأن تشهد الأشهر القليلة المقبلة تطورات غير مسبوقة بشأن الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر. في سابقة تعتبر الأولى من نوعها، عزف النشيد الوطني الجزائري إلى جانب الفرنسي "لا مارسيياز" في سفارة فرنسا أول أمس السبت، بمناسبة اليوم الوطني الفرنسي الموافق ل 14 جويلية من كل سنة. كيف تعلقون سعادة السفير برنار باجولي على هذه الخطوة؟ - يبدو لي هذا أمر طبيعي جدا، لأن النشيد الوطني الجزائري لم يسبق له أن عزف على مستوى سفارة فرنسابالجزائر، بمناسبة الاحتفال بيوم 14 جويلية. وأجد أنه من الطبيعي استدراك الوقت الضائع في مسار العلاقات بين الشعبين. وهنا أجد أنه من الواجب علي أن أعبر عن فائق تقديري للجزائريين والجزائريات.. - هل قدمتم كل مقاطع النشيد الوطني "قسما"، أم جزء فقط؟ - لقد عزفنا كل المقاطع التي يتكون منها النشيط الوطني الجزائري، وكررناها أكثر من مرة. وأعتقد أن النشيد قد عزف بالكامل، مثله مثل النشيد الوطني الفرنسي "لا مارسيياز". - بما فيها المقطع الذي يتحدث عن فرنسا، القائل "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب.. - لا لا .. لقد عرضنا فقط المقاطع الموسيقية للنشيد الوطني الجزائري، ولم نعرض الكلمات التي تضمنتها قصيدة "قسما". وأود أن أشير هنا إلى أن الشعب الفرنسي يحترم النشيد الوطني الجزائري، لأنه يعبر عن تضحيات ومعاناة هذا الشعب طيلة كفاحه من أجل الدفاع عن كرامته، على غرار النشيد الوطني الفرنسي، الذي يتضمن أيضا، بعض العبارات التي يمكن اعتبارها صعبة في الوقت الحالي، لكن هذه العبارات تبقى رمزا لتضحيات الشعب، ومن غير اللائق انتقادها. فعندما زار الرئيس نيكولا ساركوزي الجزائر مؤخرا، استقبل بحفاوة، وعزف النشيدين الوطنيين الجزائري والفرنسي بمطار هواري بومدين. وأعتقد أنه يجب تفهم معاناة الشعبين الجزائري والفرنسي. هناك أمور تاريخية لا زالت عالقة بين البلدين. يجب الإقرار بهذا. لا بد من قراءة جديدة للتاريخ. لقد سبق لفرنسا وأن عاشت ظروف صعبة في تاريخها، فقد عانت من التمزق خلال ثورة 1789، لكنها سرعان ما استعادت وحدتها بعد سنة خلال الاحتفالات في ميدان "الشون دومارس". هناك حقيقة هناك أمور لا زالت عالقة بين الجزائروفرنسا سببها الذاكرة. لا بد من قراءة جديدة للتاريخ، تنقل العلاقة الطرفين إلى وضع أحسن. ومثال الذاكرة بين فرنساوألمانيا يعتبر أحسن ما نتمنى أن تصل إليه العلاقات الجزائرية الفرنسية. لقد أنجز المؤرخون الفرنسيون والألمان كتاب تاريخ للمرحلة الدراسية يتضمن فترات مؤلمة من تاريخ البلدين، وهو اليوم يدرس في المدارس في البلدين. لذلك لقد اقترح علي نظيري سفير ألمانيا الاتحادية بالجزائر عرض هذا الإنجاز في احدى المدارس الجزائرية. أتمنى أن يكون المستقبل كفيلا بنقل الشعبين الجزائري والفرنسي إلى واقع جديد يرضي الطرفين، لأن هناك العديد من المسائل المهمة بحاجة إلى تطوير، منها الجوانب المتعلقة بالاقتصاد والدفاع والأمن، وتنقل الأشخاص.. وجميع هذه المسائل لا يمكن ان تبقى عالقة ويقتضي التقدم بها بشكل مواز. واتوقع خطوات جديدة في الاشهر القليلة المقبلة بشأن ما يتعلق بالذاكرة الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجابا على بقية المسائل العالقة. - تكلمتم عن حدوث جديد في الأشهر القليلة المقبلة، هل يفهم من هذا أن هناك تطور في الموقف الفرنسي بشأن الاعتراف بأخطاء الماضي الاستعماري؟ - الرئيس ساركوزي تحدث في الحوار الذي خص به جريدتي الخبر والوطن بمناسبة الزيارة التي قادته للجزائر، عن الإقرار بالوقائع، بمعنى أن هناك حوادث مؤلمة وقعت في حرب الجزائر كما أن السفير الفرنسي السابق بالجزائر السيد دولا فرديار وخلال خلال الزيارة التي قادته في سنة 2005 إلى مدينة سطيف تحدث أيضا عن الوقائع المؤلمة التي عاشها الجزائريون إبان التواجد الفرنسي بالجزائر. وهي مواقف تعبر على أن الطرف الفرنسي لا يريد أن يغطي على الحقائق التاريخية، التي تتضمن صفحات سوداء، كما يمكنها أن تتضمن أيضا أمور ليست بالضرورة سوداء. إن كل الإنسان يحمل بطبعه البشري الافضل والاسوأ إلى كل ما هو إيجابي وأعتقد أنه من المنطقي بالنسبة لأي دولة تحمل مسؤولية أحداث الماضي الايجابية منها والسلبية. بالنسبة للطرف الجزائري أعتقد أيضا أنه ما انفك يسجل تقدما على هذا المستوى، ويكفي للتدليل على ما أقوله، هو استعدادها من سنة إلى أخرى لاستقبال المزيد من الفرنسيين الذين ولدوا بالجزائر، لزيارة المناطق التي ولدوا فيها، وهذا أعتبره تقدم أيضا من شأنه أن يصب في خانة التحسن المضطرد للعلاقات الجزائرية الفرنسية في السنوات الأخيرة. - هل جاءت هذه الخطوة بمبادرة من الرئيس ساركوزي، أم قرار اتخذ على مستوى السفارة فقط؟ - أعتقد أنه من الطبيعي أن يتحمل السفراء مسؤولياتهم في كل ما يرونه مفيدا لتطور علاقة البلد الذي يمارسون مهامهم الدبلوماسية فيه، مع البلد الذي يمثلونه. لذلك أرى أن ما قمت به سوف ينال موافقة الرئيس نيكولا ساركوزي، لأنه يصب في الأخير ضمن أهداف السياسة التي يتبناها. - هل ستتحول هذه المبادرة إلى تقليد دائم؟ - بالنسبة لي، ما دمت سفيرا في الجزائر سأستمر على تحويل هذه الخطوة إلى تقليد، غير أنه لا يمكنني أن ألزم الذي سيخلفني بالاستمرار في عزف النشيد الجزائري. - قلتم بأنكم تتلقون التعليمات بشأن علاقة فرنسابالجزائر، بالرئيس نيكولا ساركوزي شخصيا، ما ذا تقصدون بهذا الكلام؟ - يجب الإشارة إلى أن سفراء فرنسا يتلقون التعليمات من وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية. وفقا للدستور الفرنسي رئيس الجمهورية الفرنسية هو الذي يحدد محتواها. وما أود الإشارة إليه فيما يتعلق بهذا الخصوص هو أن الوزير الفرنسي للخارجية، السيد برنارد كوشنير سيقوم قبل الخريف المقبل بمباحثات مع نظيره الجزائري مراد مدلسي، من أجل التحضير الأمثل للزيارة التي يقوم بها الرئيس ساركوزي للجزائر في شهر نوفمبر المقبل، مثلما أعلن عن ذلك في وقت سابق. - الرئيس ساركوزي، كان قد زار الجزائر في شهر جويلية الجاري، فيما ضرب موعدا لزيارة أخرى خلال نوفمبر المقبل، مع العلم أن هذين الشهرين الأكثر رمزية بالنسبة للجزائر في علاقاتها مع فرنسا، هل لديكم من تعليق؟ - ربما للصدفة دور في تزامن الزيارة المقبلة مع الشهرين المذكورين. وهنا أشير إلى أن الزيارة المقبلة لساركوزي لم يتم تحديد تاريخها بعد، لكنها من حيث المبدأ ستتم قبل نهاية السنة الجارية. حوار: محمد مسلم