بات أمرا مألوفا لدى مرتادي المقاهي وقاعات الشاي، شراء فنجان قهوة مضغوطة، من تحت "الريدو"، فمنذ أن أوصدت هذه الأماكن أبوابها، في وجه زبائنها، بتاريخ 22 مارس الماضي، بقرار حكومي يلزم بحجر صحي للوقاية من فيروس كورونا المستجد، وتعليق الكثير من النشاطات وغلق المساحات والأماكن العمومية، لم يسمح للمقاهي باستقبال زبائنها إلى حد الساعة. المقاهي، وإن غاب عنها الضجيج وأصوات زبائنها، لكن ماكناتها الخاصة بعصر القهوة، لم تتوقف في أغلبها، واستمرت باستمرار الحجر المنزلي، ولم يحرم أصحاب هذه المقاهي مدمني القهوة المضغوطة من نكهتها المميزة ورائحتها الطاغية على المكان. وأصبحت طريقة التعامل مع زبائن المقاهي بمد الأيادي تحت الستار الحديدي لأبواب المقاهي، الذي يرفع بعلو لا يتعدى في الغالب نصف متر، وأحيانا بارتفاع يكفي لتسليم "الكوبة"، وقد لا يلفت انتباه أعوان المراقبة، بل حتى في حال الانتباه إليه، لا يستدعي الأمر محاسبة صاحب المقهى. في المدن الداخلية، مثل الجلفة والمسيلة وجنوب المدية، تعمل المقاهي، من وراء"الريدو"، منذ الساعات الأولى للصباح، فبعد تقليص مدة حظر التجول، ورفعه من الساعة الخامسة صباحا إلى الثامنة مساء، عاد مدمنو القهوة إلى عادتهم السابقة، وذلك بالخروج باكرا من بيوتهم نحو المقهى، وحمل"القوبليات" في الأيدي كما قبل كورونا. وتشهد هذه المقاهي مع الصباح حالة اكتظاظ وتدافع أمام ستارها الحديدي المسدل إلا شبرا عن الأرض، حيث لا تسمع إلا صوت الشخص الذي يمد كوب القهوة ويستلم النقود، ولا يعرف الزبون تفاصيل تحضير القهوة ونوعية البن، ومن قام بتحضير المشروب الأسود، الذي استغل أصحاب المقاهي ضعف نفوس المدمنين عليه، ليزيدوا في سعر "الكوبة"، وينعشوا نشاطهم، حتى وهم من وراء الستار الحديدي! في العاصمة، تعرف الكثير من المقاهي، مؤخرا، عودة قوية لنشاطها، حيث وجدت راحتها، ببيع القهوة وتسليم "الكوبة"، من تحت حافة "الريدو"، الذي يعلو عن الأرض بمقدار ارتفاع كوب القهوة أحيانا، حتى يهيأ لك أن الأكواب خرجت لتبحث عن مدمنيها خارج المقاهي. في الكاليتوس وبراقي، ودرقانة، وحمادي، وبرج الكيفان، والدويرة، وباب أحسن، عادت المقاهي تعمل بطريقة طبيعية مع زبائنها، والشيء الوحيد أنها مسدلة الستائر فقط. انتشار هذه الظاهرة هدأ من بال وعصبية مدمني القهوة، الذين وجدوا ضالتهم بتسليم أكواب القهوة لديهم، ولم يعد يهمهم أمر فتح هذه الأماكن، فالمهم أن القهوة المضغوطة تباع. وفِي مقابل ذلك، ظهرت في أسواق الأواني، أكواب صغيرة حديدية وبغطاء بلاستيكي، وعدة أنواع أخرى من الأكواب التي لقيت إقبال مدمني القهوة المضغوطة، وهذا لكي يشتروا فيها مشروب بن المقاهي، وهي أساليب ووسائل تمليها الضرورة ومستجدات الحياة اليومية. قهوة تحت "الريدو" خارج الرقابة وفِي السياق، حذرت جمعية الأمان لحماية المستهلك الجزائري من انتشار بيع القهوة المضغوطة تحت الستار الحديدي للمقاهي، وأكدت ذات الجمعية أن ظاهرة عمل المقاهي وراء الستار أي إنها معلقة وتبيع القهوة خاصة، أصبحت عامة عبر القطر الوطني، ولا يستثنى منها إلا مقاه تحسب على أصابع اليد. وقال رئيس جمعية الأمان، حسان منوار، إن المشكل المطروح في مرحلة الحجر الصحي، أن الحكومة اتخذت قرارات، ولكنها لا تحترم، مضيفا أن أصحاب المقاهي يتجاهلون القانون، وخاصة في ظل عدم وجود عقوبة ضدهم. ويرى أن بعض الاستثناءات التي تخص بعض الأشخاص والجهات، في ما يخص فرض القانون، وإعفاءهم هم من العقوبة، خلقت تذبذبا في إصدار القوانين وتطبيقها على أرض الواقع، الأمر الذي خلف تعسفا لدى فئة كبيرة من المواطنين. ولكن الخطر اليوم الذي تتسبب فيه بعض المقاهي من خلال مزاولة نشاطها من تحت الستار الحديدي، أن هذا النشاط، حسب السيد حسان منوار، غير مراقب، ولا يخضع عملها للرقابة، وهذا لكونها مغلقة في نظر القانون، رغم أن السلطات على علم بأن هذه المقاهي تتعامل مع زبائنها بطرق ملتوية. وأوضح منوار أن عدم مراقبة المقاهي يعني أن المستهلك غير محمي، ويمكن أن يتناول مشروب القهوة دون أن يعرف مصدره، وظروف تحضيره. وأشار إلى أن جمعيات حماية المستهلك، من بينها جمعيته، قد تقدمت بشكاوى ضد بعض المقاهي التي تنشط تحت "الريدو"، ولكن السلطات المعنية حسبه، ترى أن عدم وجود اختراق لمسافة التباعد، وعدم دخول الزبائن وتزاحمهم داخل المقاهي، يجعل هذه الجهات لا تتدخل، وتتغاضى عن الأمر، متأسفا من غياب الضمير المهني لدى مسيري المقاهي، رغم أن أغلبهم ميسورو الحال، حيث استغلوا، حسب حسان منوار، إدمان الكثير من الرجال الجزائريين على القهوة لاستنزاف جيوبهم ورفع أسعار "الكوبة".