ضبطت الحكومة فيما يشبه دفتر شروط جديد للإفراج عن الاعتمادات والتخصيصات المالية التي تغطي كلفة مشاريع قطاع التجهيز دون استثناء، وذلك في خطوة لوقف نزيف الأموال العمومية، والتبذير والاستنزاف الناتج عن عمليات إعادة تقييم المشاريع المبرمجة، هذا الباب الذي أضحى ثابتا في قوانين المالية خلال العشرية الأخيرة. من المنتظر أن يوقع الوزير الأول عبد العزيز جراد مرسومين تنفيذيين يفصلان بصفة نهائية في الشروط الواجب توفرها في أي مشروع تنموي، حتى تكفل له الحكومة تمويل الخزينة العمومية، ويتعلق الأمر بمرسوم يحدد شروط نضج وتسجيل البرامج، والثاني يخص كيفيات تسيير وتفويض الاعتمادات المالية، وذلك في خطوة من وزارة المالية لوقف التبذير في تمويل المشاريع تحت حجة إعادة التقييم. وبحسب مصادر من وزارة المالية، فالوزير أيمن بن عبد الرحمان، عبر للحكومة عن صعوبة استمرار العمل بالطرق السابقة في تمويل المشاريع العمومية، سواء تعلق الأمر بقطاع النقل أو الأشغال العمومية أو البناء والسكن وغيرها من القطاعات الواقعة ضمن قطاعات التجهيز، ذلك بسبب عمليات التبذير والإنفاق غير العقلاني، الأمر الذي أدى إلى صياغة مرسومين تنفيذيين لضبط عمليات تمويل المشاريع، ويهدف بحسب مصادرنا مشروع المرسوم التنفيذي الأول إلى تحديد شروط نضج وتسجيل البرامج ويشكل هذا المرسوم الذي لا يستبعد برمجته ضمن مجلس الوزراء مستقبلا الإطار التنظيمي المرجعي الذي من شأنه أن يسمح بتحديد الشروط والإجراءات الواجب اتباعها من أجل اقتراح ونضج وتسجيل كل نوع من البرامج ويمثل أداة من الأدوات الضرورية لوضع ميزانية البرنامج في أي قطاع كان. أما مشروع المرسوم التنفيذي الثاني، فيسمح بتحديد فاعلي تسيير الاعتمادات ويحدد مهامهم وفقا لتنظيم تسيير مالي سلمي،أو بمعني آخر تحديد ما يعرف بالآمرين بالصرف وتحديد هوامش تحركهم، على النحو الذي يمكن من تحديد مسؤولية كل فاعل من الفواعل المفوضة تسيير الاعتمادات المالية أي ميزانيات المشاريع. النصان الجديدان، واللذان يحملان صفة دفتر الشروط، يهدفان إلى تحسين الكفاءة والممارسات المتعلقة بالالتزام بالمحاسبة والشفافية في مجال المشاريع والتسيير من خلال التأكيد على تحقيق الأهداف المحددة وعلى بلوغ النتائج المرجوة. الالتزام بالمحاسبة والشفافية في مجال المشاريع والتسيير، شكل دوما حرجا للحكومات المتعاقبة، بسبب ما كانت تتضمنه التقارير الرسمية حول كلفة إعادة تقييم المشاريع، والتي كانت تنطلق بغلاف مالي وتنتهي بضعفه، ومن هذه المشاريع التي ظلت طريقها نهائيا للاستلام، والأمثلة حول إعادة تقييم المشاريع كثيرة خاصة ما تعلق بمشاريع البنى التحتية، بداية من مطار الجزائر الدولي مرورا بالطريق السيار شرق – غرب وغالبية الطرق السريعة الأخرى وصولا إلى مشاريع السكة الحديدية، وغيرها من المشاريع الأخرى التي وجدت في حجة عدم نضج الدراسات الأولية للمشاريع وتقلبات سوق المواد الأولية حجة لتبرير إعادة تقييم المشاريع، ومشجب يعلق عليه المسؤولون إخفاقاتهم. باب إعادة تقييم المشاريع تحول إلى باب دائم، ضمن أبواب قوانين المالية، بما في ذلك سنوات العسر المالي التي تعرفها الجزائر منذ سنة 2014 بسبب تراجع عائدات النفط المتأثرة بتراجع أسعار هذه المادة في السوق الدولية، كما اقتطع هذا الموضوع مكانا دائما له ضمن مختلف تقارير مجلس المحاسبة التي ترافق قوانين تسوية الميزانية، والذي كان حاضرا آخرها ضمن أشغال المجلس الشعبي الوطني الأسبوع الأخير، أين كشف وزير المالية، أمام لجنة المالية أن عملية كلفة إعادة تقييم المشاريع سنة 2018، بلغت 581,39 مليار دينار، أي قرابة 60 ألف مليار سنتيم، وهو ما يمثل نسبة21٪، من إجمالي المشاريع الجديدة التي رصد الجهاز التنفيذي لأجل إنجازها 2247,6 مليار دينار. الإجراءات القانونية التي وضعتها الحكومة لعقلنة وترشيد الإنفاق، ووقف استنزاف المال العام تأتي موازاة مع أوامر سابقة كان قد أصدها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لدى إعلانه خطة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، حين أقر منع اللجوء إلى خدمات مكاتب الدراسات الأجنبية لدراسة المشاريع بسبب كلفتها العالية والتي وصلت خدماتها وخدمات أخرى مشابهة إلى حدود 12 مليار دولار، كما كان قد أعلن الرئيس نيته في تعزيز قانون مكافحة الفساد، كآلية من آليات ضمان الشفافية في الإنفاق، مع ترجيح إسقاط منح الصفقات بالتراضي. الممنوعات الجديدة والتي يعول عليها لحماية المال العام، وتوقيف التبذير، تتزامن كذلك مع برنامج خاص لتحقيق التنمية بمناطق الظل وهي المشاريع التي سبق وأن أعلن مستشار رئيس الجمهورية المكلف بمناطق الظل أنها تقارب 13 ألف مشروع، وبكلفة تصل إلى 48 ألف مليار سنتيم.