مازالت ظاهرة الهجرة غير الشرعية، من بين الظواهر التي تنتشر بكثرة من سنة إلى أخرى، في ظل الكثير من المعطيات، وهي في الغالب تعبير صريح، عن فقدان الأمل في هذا الوطن، لذا وجب البحث عن حياة كريمة وراء البحر، كما يعتقد أغلب من ركب الأمواج، هروبا من هذا الوطن، فيهم من قضى نحبه، ولم يصل إلى الطرف الآخر من البحر، وفيهم من وصل بسلام. الغريب في الظاهرة، أنها كانت تمس فقط الشباب المراهق أو من لم يتجاوز العقد الثالث، لكنها اليوم أصبحت تمس حتى من تجاوز العقد الخامس. أصبحت الظاهرة تؤرق الأمهات خاصة، حينما يقفن على جثث أولادهن تتلفظها الأمواج، بعد رحلة البحث عن الحياة الكريمة.. ورغم هذه المآسي التي تشهدها الجزائر منذ سنوات طويلة، إلا أن الظاهرة لم تتوقف ولو لشهر واحد، وأصبحت الشغل الشاغل للكثير من الأفراد، حتى وصلت حممها إلى من تجاوز العقد الخامس ولامس العقد السادس من عمره، وهنا وجب الوقوف على هذه الظاهرة. هجرة شاب في قوارب الموت كما يقال، لها الكثير من الترجمات في الواقع، ربما حب المغامرة في هذه السن، والبحث عن حياة أفضل حتى ولو كان هذا بالسير في الطريق الشائك والخطير، وهي من ميزات كل فرد في شبابه، وربما يجد الكثير منا له أعذارا، لكن حينما نرى أو نسمع بكهل وصل أو تجاوز نصف قرن من عمره يركب الأمواج بحثا عن حياة كريمة كما يقال، فالأمر أعظم، وربما لا نجد له تفسيرا في الواقع. فحينما يتجرأ الشخص في هذا العمر على المغامرة في البحر، فالأمر يحتمل سببين، أولهما، أن هذا الشخص مجنون كما يقال ولا يبالي بحياته، وهذا لا ينطبق على الكثير ممن سمعنا عنهم أو وقفنا على حالهم، فهم أصحاء مثقفون. وأما السبب الثاني، وهو الأقرب إلى تفسير ظاهرة هروب الكهول من هذا الوطن عن طريق قارب الموت، أن الوطن الذي يعيش فيه، لم يقدم له الحياة الكريمة وقد لامس الستين من عمره، وهو العمر الذي كان من الواجب، أن يصل الفرد فيه إلى تحقيق كل أحلامه، سواء الاستقرار أم الزواج أم السكن اللائق والسيارة. إن مجرد الخوص في الحديث عن هذه الظاهرة، يدمي القلب ويدمع العين، لأنه من الصعب تصديق ما يجري في هذا الوطن، فحين أصبح صاحب الستين يقرر الهروب من هذا الوطن، وبطريقة أقل ما يقال عنها إنها تهور، فالأمر جلل.. فقد تجاوزت هذه الظاهرة كونها ظاهرة خاصة بشباب متهور، كما كان يقال في السابق، بل وصلت إلى العقال من الناس في الجزائر. كيف ولا وقد تجاوزوا نصف قرن من عمرهم، فبدل الاستقرار في الوطن بعد هذا العمر، قرروا الخروج منه عبر أمواج البحر.