قبل أشهر قليلة، كشفت صحف إسرائيلية عن نشاطات مكثفة للموساد الإسرائيلي في تونس، وتم الحديث عن محطات ثلاث إحداها تراقب الأوضاع في الجزائر والأخرى تتابع الشأن التونسي والثالثة لها علاقة بكل الإقليم.. لا أدري حجم الاهتمام الذي حصل نتيجة هذه الأخبار، ولكن الذي نتأكد منه من خلال تجاربنا أن إسرائيل لا تنام لحظة عن تطوير اختراقاتها للمنطقة وتغذيتها لأزمات عديدة فيها. ولكي ننتبه إلى حجم الشر المتوقع من الموساد ينبغي أن نشير إلى حادثة البرجين وما حولها.. فعندما تذيع كاتبة أمريكية أسرار سقوط البرجين وتشير بأصبع الاتهام من خلال أدلة ومعلومات نحو الموساد الإسرائيلي، وذلك بالاتفاق مع جهات أمنية أمريكية.. عندما يحدث ذلك ولا نسمع ردا واحدا من قبل المسؤولين الإسرائيليين يفند هذه الاتهامات فإن ذلك يعني بوضوح استمرار المهمات الغريبة للموساد والتي تخرج عن إطار المواجهة المباشرة للعرب والمسلمين.. ونتذكر جميعا المهمات البوليسية والإجرامية لرجال ونساء الموساد في الدول الأوربية والعربية والإفريقية في تصفية قيادات العمل الوطني الفلسطيني والعربي ولم يتوقف الموضوع إلى هنا بل امتد ليطال رجال العلم والدين في بلداننا العربية في مصر والعراق وسوريا وبلدان أخرى كثيرة.. يكفي أن نعلم أن مئات وآلاف الخبراء العراقيين قد قامت أذرع الموساد بتصفيتهم في العراق بعد سقوطه قبل عشر سنوات.. لكن الأمر الخطير لنشاط الموساد الآن هو ذلك الذي يتمدد بشكل سريع هذه الأثناء ويتنامى في شرق إفريقيا ووسطها وبمحاذاة الشريط العربي مسجلا سياجا أمنيا استخباراتيا وعملياتيا لخلق أزمات أمنية تتغذى على الإثنيات والجهويات وسوى ذلك من تنوع.. لقد كان شرق إفريقيا ضروريا للغاية، حيث باب المندب المدخل الوحيد نحو ميناء العقبة الإسرائيلي، فكان لا بد من التغلغل في القرن الإفريقي، واستوجب ذلك تدمير الصومال وإلحاق جيبوتي وتجزئة السودان وإشعال النار المتشعبة في اليمن والسيطرة على أرتيريا.. وهكذا تتم عملية تأمين الموقع الاستراتيجي لفترة طويلة جدا. وقد وثقت قيادات الموساد ذلك بشراء جزر في البحر الأحمر قبالة اليمن.. ومن الملاحظ أن هناك نشاطات مكثفة للموساد في دول الجوار لشمال إفريقيا شرقا ووسطا وغربا من خلال شركات تجارية وسياحية وخبرات أمنية وسوى ذلك في مهمة آخذة في الاتضاح، وهي جر الدول العربية إلى الجنوب والصحراء وإدخالها في حروب الضياع والتيه وشد انتباهها عن شمالها ومدنها وعواصمها ومشاريع التنمية إلى جبهات استنزاف مفتوحة مع أعداء وهميين ومفاجئين. إن التغلغل الأمني الصهيوني بلغ ذروته وقام بالإشراف عليه وزراء وشخصيات متقدمة في الكيان الصهيوني وهو لم يكن بامكانه أن يصل إلى هذه الوضعية المقلقة للأمن العربي إلا في ظل غياب مذهل للأدوار المطلوبة من قبل أقاليمنا العربية الإفريقية.. لذا، فنحن نواجه احتمالات خطر فادح تحركه أيادي الموساد.. فهل إلى يقظة من سبيل؟