حتى "الفريك" طالته أيادي الغشاشين، فتجد بعض التجار يلجأون لصبغه ليبدو لونه أخضر، أما أسعاره فتعرف هذه السنة ارتفاعا محسوسا مردّه غلاء أسعار القمح في الأسواق العالمية. فكيف سيتعامل المواطنون مع هذه المستجدات في ظل الحاجة لهذه المادة الضرورية في شهر رمضان ؟ ليلجأ آخرون لتعويضه حتما بشوربة العجينة أو كما تسمى "لسان الطير" أو "الدّوديّة" المنخفضة الثمن. تشهد أسعار القمح ارتفاعا في الأسواق العالمية خلال السنة الجارية، حيث تشير التقارير الاقتصادية إلى أن مادة القمح ارتفعت أسعارها بنسبة 9،4 % عن مستواها السابق وأن الارتفاع في كلفة الشحن كان له تاثير في ذلك الارتفاع، كما أن التغييرات المناخية التي سادت أوروبا مؤخرا هي الأخرى أثرت في نقص الإنتاج. كل ذلك سيؤدي حتما إلى ارتفاع أسعار القمح الأخضر المخصص لإنتاج الفريك. وبما أن الجزائريين معنيّون أكثر من غيرهم بهذه المادة شهر رمضان، فحتما لن تسرّهم أسعاره المرتفعة، و هذا ما لاحظناه بأمّ أعيننا في جولة عبر أسواق العاصمة و في مناطق أخرى عبر الوطن. 230 دينار للكيلوغرام بالعاصمة..و 250 بتيزي وزو كان الجزائريون في الماضي القريب يستهلكون ما تجود به أنامل أمهاتهن وزوجاتهن اللواتي تتفنّن في صنع "لسان الطير" أو "الدودية" بأيديهن و يجففنها لتُّستعمل في رمضان، لكن استبدلت تلك ب"الفريك"،هذا الأخير تحترف بعض العائلات خاصة الفلاحة تحضيره بعد حصدها لمنتوج القمح فمنهم من تبيعه وأخرى تستهلكه. لتتجه معظم العائلات الجزائرية و في مختلف المناطق لاستهلاك الفريك. ففي الجزائر العاصمة،حيث يُستهلك بكثرة، وصل سعره إلى 230دج للكيلو الواحد، "فكريمة"، متزوجة تقطن بباش جراح، اشترت كيلوغراما واحدا لتمضية شهر رمضان وقد استاءت كثيرا من سعره المرتفع حتى في الأسواق الشعبية، أما في منطقة تيزي وزو فوصل سعره إلى 250 دج للكيلو وهذا سعر خيالي مقارنة بالعام الفارط حيث لم يتجاوز 160 دج. وعن هذا تقول "لويزة": " يُقبل القبائليون مؤخرا على شوربة الحريرة، أما آخرون فيفضلون شوربة لسان الطير، و إن كان البعض لا يزال متمسكا بالفريك رغم غلاء أسعاره." طلبات مسبقة للفريك لدى سكان الشرق و نفور في الغرب سيستبشر سكان الغرب الجزائري لأنهم غير معنيين بالفريك، "فنجية"، من وهران، أكدت أن "الحريرة" سيدة الموائد هناك، فقليل جدا من يستهلكون شوربة الفريك وآخرون لا يعرفونها مطلقا. وفي مدينة خميس مليانة إحدى مدن الوسط، الإقبال يكون كبيرا على شوربة لسان الطير، حيث أخبرتنا إحدى العائلات القاطنة هناك بأنها لا تستعمل الفريك طيلة أيام رمضان لغلائه وتعوّضه بشوربة " الدودية" التي لا تتجاوز 50 دج للنوعية الجيدة و 30دج للأخرى.. فهي في متناول الجميع. أما سكان الشرق، فلهم نصيب كبير في الفريك، فحسبما روته لنا "أسيا" من مدينة سكيكدة فإن السكان هنالك يؤمّنون مادة الفريك من لدن عائلات معروفة بإنتاجها للنوعية الرفيعة منه وهي أسر فلاحة غالبا، حيث يودعون طلباتهم لديها قبل أشهر أو أيّام لتأمين حصّة من الفريك، ورغم أنها تبيعه بأسعار مرتفعة -تضيف محدثتنا- فذلك غير مهم لأنه غير مغشوش ولا مصبوغ و رائحته مميزة، إذ من النادر أن يقصد سكان الشرق الأسواق لشرائه. وأضافت محدثتنا بأن عائلتها تستعمل الفريك في النصف الأول فقط من رمضان لتبدله بشوربة "لسان العصفور" أو "الدودية" في الأيام الأخيرة لتنويع الشوربة. أما تجار الأسواق فلهم من الحيلة والأفكار الشيطانية ما يمكنهم من بيع بضاعتهم و إيهام الناس بنوعيتها الجيدة، حيث يلجؤون إلى إضافة ملوّن أخضر لمادة الفريك ليبدو جيدا -بما أن النوعية الرفيعة منه مصنوعة بقمح أخضر- و بمجرد أن تغسله ربّة البيت حتى ينتشر اللون في الماء لتُصدم بنوعيته الرديئة، و إن كان التجار يُقرّون بوجود هكذا حيل، لكنهم يُبعدون الشبهات دائما عن أنفسهم. نادية سليماني