شيء جميل حينما يعمل الشيخ فركوس على حقيق كتب الشيخ عبد الحميد ابن باديس ويخدم التراث الديني الجزائري ولكن لا يمكن أن يحالفه التوفيق والسداد وهو يحاول أن يثبت بأن الشبخ ابن باديس هو سلفي على الطريقة الوهابية وذلك لأننا ببساطة نعرف رأي ابن باديس في الوهابية التي، قال بأنه رغم صدق دعوتها إلا أن أصحابها يتميزون بالغلظة والفضاضة المنفرة وهذه الطبيعة الصحراوية البدوية تختلف تماما عن البيئة التي عاش وتربى فيها الشيخ ابن باديس الذي طاف بالحواظر العلمية من قسنطينة الى الجزائر العاصمة إلى تلمسان وسفرياته خارج الوطن مثل التي قادته إلى باريس، كما وأن نظرته المرنة والمستوعبة لمنتوج الحضارة الحديثة مثل الوطنية التي كتب فيها مقالا بعنوان "حب الوطنية"، والديمقراطية والنشاط السياسي الحزبي والمشاركة في المجالس المنتخبة لا يمكن أن ينظر إليه السلفيون بعين الرضا اللهم إلا لتجنب سخط الأوفياء لمدرسة جمعية العلماء المسلمين الوسطى المعتدل والمتفتح وأظنهم يكونون غالبية هذا الشعب الذي امتزجت فيه حضارة الشرق والغرب ولا يبغي عن التنوع الايجابي بديلا. إن الين يريدون أن يلبسوا الشيخ ابن باديس عباءة السلفية لتبرير منهجهم مخطئون ويكفي الرجوع لاثار الشيخ للتأكد من صحة أقوالنا في ذلك، فهو لا يجد غضاضة في أن يتحدث في مقاله "عيد الحرية" المنشور بجريدة الشهاب يوم 15 جويلية 1926 ويقصد عيد 14 جويلية الذي تحتفل به أمة فرنسا كل سنة، ليذكر حسناته ويجعل منه تتويج للصراع بين الحرية والاستبداد وما بين رجال العلم ورجال الكهنوت والذي كانت فيه الغلبة للمظلومين على الظالمين ومادام الأمر بهذه الصورة اعتبر الشيخ ابن باديس بأن شمس الحرية التي طلعت على فرنسا بعد التضحية بالنفس والنفيس لا تختص به فرنسا لوحدها بالاحتفال بل هو عيد الإنسانية جمعاء وعيد الأمم كلها لأنه ينبوع شعورها ويقظتها وبأن الجزائر أحق بذلك من الأمم للعلاقة التي تربطها بفرنسا أم الحرية كما قال وهذا الذي تريده من فرنسا حتى تترجم المبادئ إلى أفعال، فهو إذن يخاطب فرنسا بما تفهم وبمفرداتها وبالتالي طالب بالدرجة الأولى بحرية العلم والتعلم لأنه هو مفتاح التحرر وبحرية النشاط السياسي والمساواة في عدد نواب البرلمان وبحرية العمل وحرية الدين وهذا حتى يتمكن الشعب الجزائري المسلم من الالتجاء إلى المحاكم الشرعية كما وأنه طالب فرنسا بحرية التفكير والنشر حتى تصل كلمة النخب الجزائريةلفرنسا، ولكن للأسف فرنسا لم تستجب لهذا النداء وأبقت على سياسة الكولون التي بغلت قمة إجرامها فيها بعد في أحداث 8 ماي 1945 وبالتالي لم يكن بد من التفكير في أسلوب آخر في التعامل مع فرنسا وهو الذي تقرر يوم الفاتح من نوفمبر 1954 الذي أعلن فيه الجهاد من أجل الاستقلال والحرية. لم يكن الشيخ عبد الحميد بن باديس منغلقا على نفسه مكتفيا بما خلفه لنا السلف بل تجاوب مع نوازل عصره دون تزمت أو تعصب وقد بلغ به الإعجاب بفرنسا ونظام حكمها في علاقة الراعي بالرعية لدرجة أنه وصف بأن من لا يقع في حب فرنسا فهو فاقد للإحساس ولم يقل يحشر المرء مع من أحب ! كما جعل من الموافقة والترخيص لبناء مسجد باريس على ترابها من أسمى معاني روح التسامح، وهنا قد يقول البعض بأن الشيخ ابن باديس كان مضطرا لقول ذلك وهو تحت الاحتلال وبأن آراءه ومواقفه تغيرت وفق مقتضى الحال الذي مارسته فرنسا ضد شعب أعزل وهذا ما لا نختلف حوله ولكن المفاهيم العامة وفلسفة الشيخ السياسية لم تتغير في جوهرها. وقد حاول واجتهد مثله مثل الشيخ محمد عبده من أن يقدم لنا فصل المقال لما بين مابين الإسلام والمدنية الحديثة من اتصال بدل الصدام، فهل يمكن بعد كل هذا أن نلحق الشيخ ابن باديس بمن يبدعون الاحتفال بالأعياد الوطنية والدينية وبمن يحرمون على المرأة في القرن 21 الحصول على رخصة لسيارة السياقة!