كشفت استجوابات مصالح الأمن لعشرات من "الحراڤة" الموقوفين الذين أجهضت محاولاتهم من طرف حرس السواحل، أن أغلبهم، أي 90٪ بطالون، منهم المتمدرسون ولا يملكون ما يكفي من المال لشراء مكان على زورق "الحراڤة"، والذي تبلغ تكلفة الرحلة على متنه لشخص واحد، بين 8 و10 ملايين سنتيم. واتضح من خلال إجابات "الحراڤة" الموقوفين، أنهم وجدوا الدعم والسند المادي والمعنوي من طرف عائلاتهم، التي تعلم مسبقا بمخطط الرحلة، وساعدت أبناءها في جمع المبالغ الضرورية لدفعها لأصحاب الزوارق الذين يمتهنون حاليا حرفة نقل "الحراڤة" إلى الضفة الأخرى. واعترف عدد من "الحراڤة" الشبان، لا تتجاوز أعمارهم 21 سنة، أن المبالغ المطلوبة للرحلة بين 8 و12 مليون سنتيم، باهظة ولا يمكن تدبيرها دون مساعدة الأولياء وأحيانا الإخوة والأخوات. وذهبت بعض الأمهات بعنابة، إلى حد بيع مجوهراتهن لتوفير مبلغ "الرحلة" وهن على دراية تامة بالأخطار المحدقة بأبنائهن في البحر. وباستثناء بعض الحالات الشاذة ل "حراڤة" غامروا دون أن يعلم بهم ذووهم، استبعدت مصالح الأمن في تحقيقاتها جهل الأولياء بمشاريع (الحرڤة) لأبنائهم، إلا في حالات نادرة، أين كانت علاقة "الحراڤ" بوالديه أو بأمه سيئة، أما البقية، فكان أفراد العائلة على علم، كون التحضير للرحلة يبدأ في البيت بتوفير المال وجمع المؤونة، والألبسة، وكلها تحضيرات لا يمكن أن تمر دون أن تلفت الإنتباه، خاصة وأن "الحراڤة" الموقوفين دائما يكونون من حي واحد ويعرفون بعضهم جيدا، ويستحيل أن لا تعرف إحدى عائلاتهم بمشروع الرحلة، حسب تحليل مصالح الأمن. وفي الجهة المقابلة، نددت جمعية عائلات "الحراڤة" المفقودين وعددهم 29 عائلة بصمت ولامبالاة السلطات العمومية بخطورة الظاهرة التي تحولت إلى تراجيديا إنسانية يومية، دون أن تتحرك أية هيئة عمومية، أو من المجتمع المدني للقيام بعمل تحسيسي ولتوعية الشبان بأخطار الإقدام على المغامرة التي أودت بحياة عشرات من الشبان هلكوا في البحر عطشا وجوعا ولم يعثر حتى على جثثهم. وناشدت عائلات "الحراڤة" المفقودين السلطات المحلية التدخل ووضع حد للإستهتار والتلاعب بأرواح الشباب، الذي يتميز به تجار قوارب الموت، الذين لا همّ لهم سوى جمع المال حتى ولو كان على حساب أرواح الأبرياء، خاصة وأن أغلب "الحراڤة" مراهقون وشبان لم يبلغوا بعد سن الرشد، وهم بالتالي تحت مسؤولية الأولياء والدولة التي عليها أن تحارب - دون هوادة - تجار القوارب ومعاقبتهم جزائيا على ما يقترفونه يوميا من جرائم. نور الدين بوكراع