بقلم: عبد المجيد بوزيدي احتضنت قاعة المؤتمرات بفندق السوفيتال بالعاصمة، السبت المنصرم، يوما دراسيا حول مشروع الاتحاد المتوسطي للرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي. وبعيدا عن التساؤل الذي يمكن أن يُطرح، هنا، عما إذا مثل هذا اللقاء مناسبا من حيث أنه – في الوقت الراهن- مبادرة منعزلة ومن حيث محتواها الذي لا نعلم عنه الكثير. النقاشات بيّنت وجود انشقاق بين الخبراء الاقتصاديين والسياسيين الفرنسيين الذين حضروا اليوم الدراسي ونظرائهم الجزائريين : فمشروع الاتحاد المتوسطي، بالنسبة للأوائل، هو مبادرة جيدة يمكن أن تذيب الجليد عن علاقات التعاون بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، علاقات لم يفلح في تحريكها مسار برشلونة ولا "سياسات الجوار". أما بالنسبة للجزائريين، فهذه المبادرة يكتنفها الغموض ويميزها التشتت. ومن جهتنا، نعتقد بأن هذا النقاش سابق لأوانه – على الأقل حاليا. فهذه المرة الأولى التي يكتسي فيها مشروع سياسي – لا نعرف فحواه رسميا - طابعا أكاديميا. فما الذي يمكن أن ننتظره من مبادرة كهذه ؟ وهل لها حظوظ للنجاح ؟ للإجابة عن هذا السؤال، سنتحدث كما يفعل راعي المشروع نفسه و"نقول الأشياء كما نظنها" ("أقول ذلك كما أظن" هي إحدى العبارات السحرية للرئيس ساركوزي). وفي أي سياق سياسي جهوي يمكن للاتحاد الأوربي أن يتجسد ؟ إنه سياق أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه بعيد كل البعد عن الهدوء والاستقرار في الضفة الجنوبية، فهناك، أولا، النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي يزداد تأزما وتعقدا عاما بعد آخر، ثم الأزمة اللبنانية والسورية التي لا تزال مستمرة، وكذا قضية الصحراء الغربية التي أثرت بشكل كبير على العلاقات الجزائرية والمغربية، وتركيا التي لا تريد سماع أي شيء يخص الاتحاد المتوسطي وتسعى إلى الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي. هناك المغرب الذي يبدو أنه لا يزال يفضّل سياسة الجوار بعدما وجدها أكثر واقعية، والجزائر التي تحبذ، في الوقت الحالي، اتفاقية التعاون من أجل التبادل الحر المبرمة مع الإتحاد الأوروبي دون أن تهمل إستراتيجيتها في التعاون الاقتصادي مع الولاياتالمتحدة والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا...وأخيرا، هناك إيطاليا واسبانيا اللتان، وإن لم تقولا "لا" لمشروع ساركوزي، تؤكدان بأن مشروع الاتحاد المتوسطي كان سيكون أفضل مع الاتحاد الأوربي بأعضائه الخمس والعشرين. لنتمعّن، الآن، في الدوافع الظاهرة التي جعلت الرئيس ساركوزي يبادر بمثل هذا المشروع ! • هناك أولا المشكل الأمني، ففرنسا معرضة بصفة مباشرة لموجة الإرهاب التي لا تزال تجتاح الجزائر وتكبر شيئا فشيئا في المغرب وتكتسي طابع الكمون (الركود) في تونس وفي البلدين المغاربيين الآخرين. وقد يكون دعم التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي – في رأي الرئيس ساركوزي – أحسن وسيلة للتحكم في خطر الإرهاب. • هناك، أيضا، خطر تدفق المهاجرين من بطّالي إفريقيا والمغرب العربي والذي يمكن التصدي له من خلال إيجاد منطقة اقتصادية حاجزة، اقتداءً بما فعله المكسيك في اتفاق التبادل الحر لشمال أمريكا (ALENA) (الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا). • ثم قضية ضمان فرنسا، التي تسعى إلى التقليل من تبعيتها لروسيا، تموينها بالطاقة، والجزائر، هنا، معنية بشكل خاص، كما أن ليبيا مدرجة في أجندة فرنسا. • وأخيرا، هناك القضية الشائكة الخاصة بانضمام تركيا للإتحاد الأوروبي والتي يرى ساركوزي بأن حلّها هو الاتحاد المتوسطي هذا. ترجمة : إيمان بن محمد