بات الترشح للانتخابات الرئاسية منفذا من منافذ الولوج إلى نادي الأغنياء، بالنظر للتسهيلات التي يوفرها القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، إذ يكفي المترشح لمنصب القاضي الأول، أن يحصل على تصديق من خبير حسابات على وصولات المصاريف لوضعها على طاولة المجلس الدستوري، كي يحصل على التعويض المقنن من خزينة الدولة. ومعلوم أن المشاركة في الانتخابات الرئاسية، أصبحت منذ الانفتاح السياسي في العام 1989، وفعليا منذ العام 1995، مفتوحة أمام كل من كانت له نية، باستثناء من كان يشكل خطرا على مرشح النظام، وقد لقي ذلك هوى لدى السلطة، التي شجعت الظاهرة إمعانا منها في تمييع العملية السياسية، وتشجيع ديمقراطية الواجهة. وقد أفرد القانون العضوي المتعلق بالانتخابات المعدل في العام 2012، فصلا كاملا عنونه ب"أحكام مالية"، حدد فيه كيفيات تعويض المترشحين للرئاسيات على أتعابهم المالية، حيث جاء في المادة 205: "لكل المترشحين للانتخابات الرئاسية الحق في حدود النفقات الحقيقية في تعويض جزافي قدره 10 في المئة"، علما أن المادة التي سبقتها تحدثت عن إمكانية وصول نفقات المترشحين في الدور الأول إلى ستة ملايير، وفي الدور الثاني إلى ثمانية ملايير سنتيم. وبعملية حسابية بسيطة، نجد أن المترشح الذي صرف ستة ملايير سنتيم يمكنه أن يحصل على 600 مليون سنتيم، والذي صرف ثمانية ملايير يمكنه أن يحصل على 800 مليون سنتيم، وهذا في حال حصوله على 10 في المئة من عدد الأصوات المعبّر عنها، أما إذا تجاوز تلك النسبة إلى حدود العشرين بالمئة من الأصوات المعبّر عنها، فبإمكان المترشح أن يحصل على النسبة ذاتها من النفقات، ما يعني أن الحصيلة تتضاعف لتصل إلى 1.2 مليار بالنسبة للذي صرف ستة ملايير، و1.6 مليار بالنسبة للمترشح الذي صرف ثمانية ملايير سنتيم، وهكذا تتناسب نسبة التعويض طرديا مع النسبة التي حققها المترشح من حيث عدد الأصوات المعبّر عنها. ويمكن لأي مترشح أن يتحايل على القانون من خلال التواطؤ مع خبير الحسابات، ويجره إلى التصديق على فواتير قد تكون غير حقيقية، وإلا بماذا يمكن تفسير إقدام شخصية ما على الترشح وهي تدرك مسبقا أنها لا حظوظ لها، إلا إذا كانت مدفوعة من قبل جهة لا مصلحة لها في أن يظهر السباق الرئاسي أعرج ومختلا قبل انطلاقه. وقد ترك المشرّع ثغرات في القانون العضوي المتعلق بالانتخاب، يمكن للإدارة أن تتسلل عبرها كي تغري أو تغدق على مرشح دون آخر، من خلال إحالة بعض المسائل والحيثيات على "التنظيم"، في إشارة إلى الجهة الوصية، بعد سلخها من صلاحيات المؤسسة التشريعية، وهو المنفذ الذي يمكن من خلاله أن تتم عمليات تعويض تحت الطاولة، وإن كان ذلك يبقى مبررا بإدراجه في خانة الاجتهاد. علما أن الكثير من المترشحين يستفيدون عادة من خدمات وهبات مالية من طرف رجال مال وأعمال، يتقرّبون من المترشحين مع عودة الاستحقاقات الانتخابية في إطار لعبة المال والسياسة.