بقلم: د بشير مصيطفى – الدوحة [email protected] استهل الجزائريون استماعهم للأحزاب وهي تمارس حملتها الانتخابية – وأنا واحد منهم – والكل مشغول بسؤال واحد أو أكثرعن الحلول التي تقترحها هذه الأحزاب لمشكلات يومية هي الهم الأول والأخير لناخب ظل ينتخب منذ أكثر من 40 سنة خلت . فهل للطبقة السياسية أجوبة ؟ وهل الأجوبة التي تتكرر في كل جولة انتخابية كافية ؟ الناخب الجزائري والهم الاقتصادي لن تجد الأحزاب في الجزائر صعوبة تذكر في معرفة أسئلة الناخب الجزائري ، فهي أسئلة محددة ويغلب عليها الطابع الاقتصادي : الشغل ، عرض السكن ، الأجور ، الأسعار ، الماء الشروب ، الطريق المعبد ، منحة التقاعد ، الضريبة . أو بتعبير آخر الجميع منغمس في رحلة البحث عن حلول مقنعة للتالي : البطالة ، التضخم ، تدهور القدرة الشرائية لدى الموظفين والمتقاعدين ، الأعباء على الاستثمار . عدا ذلك ترف الكلام يحسن أن تصمت عنه الأحزاب. فالمواطن لا يعنيه شيء من المشاركة الديمقراطية أو سعر صرف الدينار أو مداخيل النفط أو اختيارات السياسة الاقتصادية ، أو اعادة تأهيل المؤسسات ، أو العلاقات الأخوية بين الجزائر وألمانيا أو حتى تقييم النظراء لمسعى الحكم الراشد في اطار "النيباد" . ولذا يكون من غير المجدي انتخابيا أن تظل تلك الأسئلة مطروحة للمدى الطويل في حين ينشغل الجميع بترف الخطاب ولو كان خطابا رسميا . وهكذا يكون مطلوبا من السياسيين الجزائريين معارضة الحكومة باقتراح أفكار جديدة حول ما يلي : *مخطط اطلاق مناصب شغل سنوية بناء على تدفقات اليد القادرة على العمل . *مخطط انجاز السكن على خلفية تصاميم سريعة التنفيذ وغير مكلفة وبمواكبة الطلب على السكن . *مخطط اعادة توزيع المداخيل على خلفية حسابات الخزينة والتقليل من الضريبة على الدخل. *مخطط مراقبة الأسواق ومكافحة الاحتكار والغش في التصريحات الجمركية . *مخطط التحكم في التضخم على خلفية المعروض من النقود والتعامل بالشيكات . *مخطط توصيل الماء الشروب والخدمات الصحية لكل السكان بدون استثناء . *مخطط تطوير منظومة التقاعد وأصحاب الاحتياجات الخاصة . *مخطط اصلاح الضريبة على خلفية نسب جديدة ومدروسة للجباية . *جدولة زمنية لتنفيذ هذه المخططات بمراحلها المختلفة . الغرض من ذلك كله أن تقوم الأحزاب بممارسة المعارضة الايجابية فقد يكون في مخططات الحكومة أشياء مفيدة يحسن تثمينها أو تحيينها تماما كما لا نستبعد أن تكون في برنامج الجهاز التنفيذي حلولا غير واقعية يحسن استبدالها . الأحزاب والنخبة والمقاطعة الذكية هل بامكان الأحزاب في وضعها الراهن وفي طريقة أدائها توفير الاجابة المقنعة على الأسئلة المذكورة ؟ وان كان الجواب بنعم فلماذا لا زالت نفس الأسئلة تتكرر في كل مناسبة انتخابية ؟ واذا كان الجواب بالنفي فأين الخلل في أداء الطبقة السياسية التي يفترض أنها تمثل المعارضة . تشكو المعارضة الجزائرية من مشكلتين اثنتين : هشاشة البناء الديمقراطي العام من حيث حداثته وافتقاده لتقاليد ممارسة الحكم عن طريق الديمقراطية الكاملة وقد انعكس ذلك على الداخل الحزبي حيث تشكو جل الأحزاب من أداء ديمقراطي ضعيف داخلها . حالة – يبدو أنها طبيعية من منظور سوسيولوجية الممارسة السياسية – أفرزت مقاطعة النخبة المدربة والتي بيدها مفتاح كل حل ممكن لمشكلات المواطنين ، مقاطعتها للعمل الحزبي وهي مقاطعة ذكية وتعني أن البناء الحزبي في الجزائر لا يزال ضعيفا . والمشكلة الثانية تعود الى ضبابية الرؤية لدى جل الأحزاب الجزائرية : هل يجب أن تمارس المعارضة عن طريق الاقتراح وانتاج الحلول أم تعارض الحلول ذاتها اذا كان مصدرها الحكومة . وهكذا وجد الكل نفسه معارضا رغم أنفه في حين تشكل الأحزاب الذكية في النظم الديمقراطية حكومات كاملة بحقائبها الوزارية وتمارس المعارضة عن طريق أداء حكومي مواز من حيث البحث في الحلول وهو ما جعل منها محورا جيدا لالتقاء الكفاءات وتوظيفها . أما أن تنتظر الطبقة السياسية مواسم الانتخابات كمن ينتظر مواسم الأعراس فيعني أن البلاد عليها أن تنتظر زمنا قادما آخر كي يتلقى الناخب اجابات مقنعة عن أسئلته المتكررة . المستقبل للأحزاب الذكية هناك من يعتبر قوة الحزب في وقوفه وجها لوجه أمام الحكومة مستغلا في ذلك الموقف التاريخي للناخبين تجاه النظام . وهناك من يعتبر القوة في موالاة الحكم والوقوف معه . الاتجاه الأول مارسته الأحزاب اليسارية في العالم دون جدوى فخسرت على المدى المتوسط وان ربحت على المدى القصير ، فالناخب آلة تتحرك في الزمن والتطور السوسيولوجي للانتخاب حاصل لا محالة . والصنف الثاني من الأحزاب أغلبه من صنع النظام فهو الآخر لا يصمد طويلا ويمضي مع انصراف الجهاز الذي صنعه ولا يعول عليه في المعارضة . وبين هذا وذاك يبقى المستقبل أمام الأحزاب الذكية تلك التي تمارس الديمقراطية داخلها ، تثمن طاقاتها ، لا تسمح بالفساد في الأداء السياسي لكوادرها ، تتعاون مع غيرها من أطراف الطبقة السياسية ، لا تتلذذ بممارسة السلطة بقدر ما تزهو لانتصار الناخب على مشكلات لازالت قائمة وأسئلة لا زالت تتكرر كلما حل موسم انتخابي كموسم المحليات أواخر خريف هذا العام.