د/ بشير مصيطفى _ الدوحة Messaitfa.bachir@gmail.com تجري اليوم بالجزائر انتخابات المجالس البلدية والولائية، وقد جربت البلاد هذا النمط من الانتخاب من قبل وتبارت الأحزاب إلى التقييم والتقويم وعرض البرامج الانتخابية، ولكن نسي الجميع أن البلدية أو الولاية هي فعلا الدولة ولا يمكن أن تقوم دولة متينة بمجالس محلية ضعيفة ولنا أمثلة من دول اخترت منها دولتين: واحدة مسلمة والأخرى علمانية. أحمدي نجاد المير الرئيس دخل الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، قاعة الندوات الصحفية ساعات قليلة بعد اختتام قمة أوبك في الرياض الأسبوع الماضي بلباسه البني الفاتح البسيط وسط حشد من رجال الإعلام من كل دول العالم اكتظت بهم القاعة اكتظاظا. أخذ مكانه وسط المنصة والعيون تتبعه منذ الباب. لفت نظري ممثلو قناة »البي. بي. سي« وهم يرقبون خطواته والكل شغوف بسماع ما سيقول. وقال بالفعل ردا على سؤال أحدهم: »لن تقوى أمريكا على محاربة إيران«، قالها بلغة الواثق مثلما قال أشياء أخرى في السياسة والاقتصاد والثقافة وعلاقات الجوار. واحد من الأشياء التي ميزت تدخلات الرئيس الإيراني حضور الأرقام لديه وبمعرفته الدقيقة بميزان تجارة بلده مع الدول في آسيا والمنطقة العربية، فقد كان يرد على الأسئلة كلها دون أن يسأل أحدا من مرافقيه: التبادل التجاري بين بلاده والغير، توقعات الأسواق، مؤشرات الاقتصاد الدولي وغيرها من قضايا الراهن. إن المتحدث كان رئيسا لبلدية طهران، حينها لم يكن أحد يعرفه في العالم غير محيطه السياسي في إيران، وفي عهده حدثت أشياء كثيرة: اكتمال البرنامج الإيراني النووي، التحكم في أزمة البنزين، التحكم في التضخم، إبرام صفقات مع الخارج وصلت قيمتها إلى 20 مليار دولار. وفي الشق السياسي: انتصار المقاومة اللبنانية على إسرائيل في حرب أوت ما قبل الماضي بدعم إيراني، وأخيرا الوقوف في وجه التوسع الأمريكي عبر آسيا والشرق الأوسط والوقوف ندا لند أمام أكبر قوة عسكرية في العالم. زعيم إيران المستقبلي هو رئيس جمهوريتها اليوم وهو نفسه الرئيس السابق لبلدية طهران. مير باريس رئيسا لفرنسا وقبل أحمدي نجاد، انتقل وجه سياسي بارز في فرنسا، جاك شيراك، من كرسيه في عمادة بلدية باريس إلى كرسي الرئاسة في الإليزي. وبين مقر بلدية باريس ومقر الإليزي مسافة قريبة لكنها تختصر عهدا من الإنجازات رفعت عاصمة الجن والملائكة إلى عاصمة دولية كبيرة تختلف عن المدن الفرنسية الأخرى. شيراك الذي كان ميرا على باريس صار رئيسا لجمهورية فرنسا بالانتخابات الحرة النزيهة، وفي عهده تم التحكم في أزمة المهاجرين وتوسعت الخدمات الاجتماعية واقتربت بلاده أكثر من مشكلات الشرق الأوسط وصارت واحدا من اللاعبين الكبار في المنطقة وتميزت بمواقفها المعتدلة تجاه العرب. وفي عهد شيراك أطلقت العملة الأوربية الموحدة »اليورو« التي صارت أقوى عملة دولية منافسة للدولار، وبدأ تنفيذ اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي التي كانت فرنسا أكبر المستفيدين منه بحكم طبيعة التبادل التجاري بينها وبين مستعمراتها القديمة. الرئيس الفرنسي نجح في إدارة بلدية باريس وكان يومها غير معروف كما هو الآن، فنجح أكثر في إدارة جمهورية أخرى من جمهوريات فرنسا التاريخية برغم بروز فضائح جديدة في ملفه السياسي لا تخرج عن نطاق ظاهرة الفساد التي قل من ينجو منها واحد من رجال السياسة اليوم. إنتخاباتنا المحلية والطرق المغلقة تجري الانتخابات المحلية في الجمهورية الجزائرية وقد جرت مياه الأمطار بالعاصمة على غير ما يشتهي المواطنون حتى عرت التسيير المحلي لبلدياتها تماما كما عرت الفياضانات الطرق وأغلقت بعضها وهدمت بيوت القصدير. عاصمة كاللؤلؤة في صدر المتوسط إذا انتقلت فيها من بلدية حيدرة إلى بلدية الأربعاء فأنت تنتقل من الحضر إلى البادية أو من المدينة إلى الريف أو من الثريا إلى الثرى. كم بلغت ميزانيات تسيير العاصمة ببلدياتها خلال العشر سنوات الماضية؟ وماذا قدم الأميار من إضافات لحياة السكان حتى ربما يصير واحد منهم رئيسا للجمهورية مثلما صار أحمدي نجاد رئيس بلدية طهران أو جاك شيراك رئيس بلدية باريس؟ سيفاجأ أبسط مسؤول في الدولة لو زار أعماق القصبة بجزائريين يسكنون قبورا فوق الأرض. وسيصدم أكثر لو زار أحياء الحراش بجزائريين يبيتون على الجوع ويقومون عليه. ويصدم لو زار بلدية خرايسية بأطفال لا يدرسون لبعد المسافة للمدرسة. ولو زار أحياء الجزائر الوسطى لوجد أسرا كاملة تسكن غرفة واحدة، وشبابا جامعيا جالسا في المقاهي. ولو كنت تملك سيارة فويل لك من دخول العاصمة صباحا أو مساء. وعندما يخشى المواطن من الجزائر العميقة دخولها ليلا فتلك مشكلة، وعندما لا يأمن أحد في العاصمة على منزله أو راديو سيارته فتلك مشكلة أكبر، وعندما تغرق مدينة سيدي عبدالرحمان في الماء لمجرد زخات من المطر فتلك أم المشاكل. لا أتصور أن ميزانيات ضخمة كتلك التي أنفقت على العاصمة لا ينتج عنها عاصمة لعواصم دول المتوسط ولكن المال لا يكفي ما لم تتوفر إرادة ونجاعة الرجال. أولئك الذين بمقدورهم أن يصيروا رؤساء ناجحين لدولهم. مبروك على الجزائر خطوة انتخاباتهم المحلية وسعدت العاصمة بأميار جدد في مستوى مير طهران ومير باريس.