سالم زواوي salem00z@yahoo.fr ارتفاع أسعار المواد الأولية والسلع الاستهلاكية في السوق العالمية هو الحق الذي يراد به باطلا دائما، في الجزائر، فعندما يرتفع سعر مادة من هذه المواد والسلع في البورصات العالمية فإن المواطن في بقية بلدان العالم لا يكاد يشعر بانعكاسات هذا الارتفاع الذي يخضع حتما لقوانين العرض والطلب وعوامل اقتصاد السوق الأخرى، ولكن الأمر عندنا في الجزائر يصبح ممارسة همجية بربرية كبقية الممارسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي لا يضبطها ضابط ولا يحكمها وازع. وهكذا عندما ارتفع سعر القمح في أسواق العالم لم يؤثر ذلك على مستهلكي المعكرونة في إيطاليا، وعندما ارتفع سعر الزيت والبن.. لم يكن لذلك كبير وقع على المستهلك في فرنسا أو ألمانيا أو حتى في مصر والعراق وطاجكستان، ولكن أسعار الزيت والبن والسميد الذي هو "حشيشة الروح" بالنسبة للجزائريين قد طارت إلى السحاب وتضاعفت في خلال أسابيع معدودات، فوصل سعر قنطار السميد إلى نصف الأجرة الشهرية للعامل المتوسط، وسعر تنكة الزيت ذات 5 لترات إلى عشر هذه الأجرة. بل إن السيد إسعد ربراب -رب الزيت والسكر في الجزائر- حذّر من أن يصل سعر هذه التنكة إلى أكثر من ذلك خلال الأيام القادمة، ورهن بقاءها على السعر الحالي (650 دينار) بتدخل الدولة لإلغاء الرسم على القيمة المضاعفة عند الاستيراد، والمشكل في الجزائر أن الأمور لا علاقة لها البتة باقتصاد السوق وأوضاع البورصات، بل إن كل علاقاتها خاضعة ل "السوق" بالمفهوم العامي الجزائري للكلمة وهؤلاء الذين ينشطون في (الاستيراد والاستيراد) ويسمون أنفسهم متعاملين اقتصاديين أو تجاريين، هم في نهاية المطاف مجرد بزانسة ولا يختلفون في شيء عن المضاربين في البطاطا بأسواق بوڤرة وشلغوم العيد، ولا فرق بينهم وبين المتاجرين في سلال البيض مهما امتلكوا من آلاف الملايير، والدليل على ذلك أنهم لا يولون أدنى اهتمام لمنطق المعاملات التجارية، ولا يحسبون حسابا لخطر انهيار القدرة الشرائية وما يمثله ذلك على مستقبل تجارتهم أو إنتاجهم عندما يدعون أنهم منتجون تشجعهم في سياسة الهروب إلى الأمام التي تمارسها الحكومة في ما تسميه دعم أسعار المواد الأساسية، والذي كثيرا ما يذهب إلى جيوب هؤلاء "المستوردين" دون أن يستفيد منه المستهلكون، ولا يمكننا أن ننسى تصريحات بارونات الاستيراد قبل إمضاء اتفاق الشراكة مع المجموعة الأوروبية، والذين قالوا إن دخول هذا الاتفاق حيز التطبيق سيضمن انخفاضا ملحوظا في أسعار السكر الوارد من دول الاتحاد الأوروبي بحكم إسقاط الكثير من التعريفات والأسعار الجمركية، ولكن الذي حدث فعلا هو ارتفاع سعر هذه المادة إلى الضعف عند الاستهلاك، وهذا يعني أن سياسة دعم الأسعار المزعومة هي خسارة مضاعفة للمجتمع وربح مضاعف بالمستوردين المزعومين، باعتبار أن ما عهدناه دائما هو أن أسعار أي مادة من المواد إذا ارتفعت فإنها لن تعود إلى الانخفاض سواء انخفض سعرها في السوق الدولية أم لم ينخفض وسواء حظيت بدعم خزينة الدولة أم لم تحظ. أما من ناحية أخرى فإن هذا الارتفاع المجنون في الأسعار ليس سوى سطو من قبل السماسرة والبزانسة على الزيادة التي تقررت في أجور الموظفين رغم أنها زيادة "افتراضية" حتى الآن، قد تأتي وقد لا تأتي، خاصة في ظل المد والجزر والتردد في تطبيقها وتأخير ذلك من شهر لآخر، وربما تكون مجرد مناورة من مناورات المركزية النقابية والحكومة لتفادي بوادر الانفجار الاجتماعي، ولا مستفيد في النهاية سوى مصاصي الدماء.