أمريكيون يزرعون حدائقهم... وفرنسيات تستغنين عن مواد التجميل احتلت الأزمة المالية في الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي أصبحت تكنى ب"العالمية" لامتداد آثارها إلى كل مناطق العالم، الصفحات الأولى للجرائد وتصدرت عناوين الأخبار في كل القنوات التلفزيونية شرقا وغربا.وكثرت التحاليل حول تداعياتها وأسبابها وآثارها دون أن يفهم المواطن العادي حتى في عقر دار الازمة -أي امريكا- ماالذي سيحدث له جراء انهيار البورصات وإفلاس بعض البنوك. لكن الكثيرين اعتبروا أن تضخيم الحديث عن الأزمة تم الآن لأنها بدأت تمس "الحيتان" أي الأغنياء، باعتبار أن المواطن العادي بدأ يشعر بالأزمة منذ سنتين أو أكثر بعد أن عرفت أسعار المواد الغذائية والعديد من السلع ارتفاعا كبيرا. لاحديث إذا في وسائل الاعلام هذه الايام الا عن ازمة المال العالمية ...هو حديث لدرجة الهوس جعل كل الناس يتساءلون عما يحدث وعن معانيه ونتائجه على المديين المتوسط والطويل. لكن من خلال تتبعنا للاحداث وللتحاليل المتناقضة احيانا لاحظنا كم هي متباينة الآراء لدرجة أن اغلب المواطنين اقروا أن هذه التحاليل لم تزد الوضع الا غموضا وأنها لم تشف غليل فضول المتتبعين. مع ذلك فإن المواطن البسيط حتى في البلدان الغربية الغنية يقر بأن الازمة لم تبدأ منذ عشرة أيام ولكن منذ اكثر من عامين بفعل الغلاء والتضخم الذي أحال العديد الى مستوى الفقر. في خضم كل هذا، الأكيد هو أن الازمة ستخلف حتما ضحايا، وأولهم العاملون في المجال المالي الذين وجودوا انفسهم بين ليلة وضحاها من غير عمل...وهو ما دفع احدهم في الولاياتالمتحدةالامريكية الى قتل عائلته ثم الانتحار. ويؤكد العديد من إطارات القطاع المالي في أمريكا وأوروبا أنهم تعرضوا لاكتئاب حاد وأزمات نفسية جراء الأزمة... فالعمل أصبح اكبر مصدر للقلق لدى هؤلاء ، وهو ماصرح به جوناتان نايس (40 سنة) اطار في قطاع المال بلندن لوكالة الانباء الفرنسية، حيث اشار إلى أن عدد الاشخاص الذين يستشيرون اخصائيين نفسيين في ارتفاع مستمر. امر يؤكده الدكتور ميشال سانكلير الذي قال "منذ بداية الازمة المالية ارتفعت حالات القلق المرتبطة باحتمال الطرد من العمل" موضحا أن اكثر من 90 بالمائة من زبائنه يعملون في حي الاعمال بلندن. ونقل ذات المصدر حالة توماس (وهو اسم مستعار) البالغ من العمر 28 سنة والذي طالبته الشركة التي يعمل فيها بجمع اغراضه بعد أن تقرر الاستغناء عن خدماته في صندوق المضاربة الذي يشتغل به في لندن. هذا الموظف الفرنسي ورغم وقع الصدمة عليه فإنه يأمل أن يعود من جديد للعمل في نفس القطاع ويرفض قول بعض المحللين بأن "الليبرالية قد ماتت" بل ويعتر أن طرده من العمل أمر عادي وانه سيعمل على إيجاد عمل أخر في القريب العاجل دون أن يغفل القول بان الوضع سيكون سيئا لفترة طويلة. وإذا كان هذا حال العاملين في القطاع الذي مسته الأزمة، فان حال التجار ليس بأحسن...ذلك مايؤكده العديد من أصحاب المحلات في اكبر العواصم الأوروبية وكذا في الولاياتالمتحدة. فهذا صاحب مطعم بالعاصمة الفرنسية باريس يقر بان عدد زبائنه قد انخفض انخفاض محسوسا...وان التدهور بدأ منذ سنتين لدرجة أن إحداث التوازن بين المداخلات والمخرجات أصبح معادلة صعبة للمطعم الذي يديره. فالغلاء أدى بزبائن المطعم إلى تغيير طلباتهم أو بالأحرى الاستغناء عن بعض المأكولات كالفاكهة، مما أدى إلى انخفاض مداخيل المطعم في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية. ورغم أنه لم ييأس ولجا إلى تغيير المواد المستخدمة في إعداد الوجبات بالابتعاد عن المواد الباهضة الثمن رغم رفع أسعار الوجبات ب10 بالمائة، إلا أن الأمر لم يتغير كثيرا في هذا المطعم الباريسي الذي انخفض عدد مرتاديه بحوالي 8 بالمائة....وهو ماجعل صاحبه يتساءل "ماذا سأفعل إذا استمر الوضع على حاله ؟". نفس الانشغال عبر عنه بعض أصحاب محلات بيع مستحضرات التجميل الذين لاحظوا في الآونة الأخيرة أن النساء اللواتي يقصدن هذه المحلات يكتفين بالنظر وفي أحسن الأحوال تكتفي الواحدة منهن باقتناء منتج واحد بدل الثلاثة التي تعودت على اقتنائهم...وهذا طبعا بعد تمعن طويل في الأسعار. ويفسر البائعون في هذه المحلات نقص الإقبال على هذه المستحضرات بكونها "غير ضرورية" أو لنقل غير أساسية مقارنة بالمواد الغذائية وهو مايدفع البعض إلى عدم ارتياد هذه المحلات أصلا تجنبا لرؤية مالا يستطيعون اقتناءه. كما لاتتردد بعض النساء في اللجوء الى المساحات الكبرى التي تعرض مستحضرات تجميلية ارخص حتى وان كانت نوعيتها اقل من المعروضة في المحلات المتخصصة. وفي حين تفضل بعض المحلات الزيادة في اسعار منتجاتها لمواجهة الوضع تلجا اخرى الى التخفيضات والاغراءات لتشجيع الزبائن على الاستهلاك. وفي الولاياتالمتحدةالامريكية تتحدث وسائل الاعلام عن اعتماد الكثير من المواطنين الامريكيين لنظام "دي" في مواجهة الازمة...وهذا النظام هو بمثابة "الرجوع إلى الوراء" حيث فضل الكثير من الأمريكيين العودة إلى زراعة بعض المنتجات الفلاحية بحدائقهم تزامنا مع اقتناص كل الفرص المتاحة لاقتناء الأشياء بأقل ثمن كاللجوء إلى محلات بيع الملابس القديمة أو استخدام قسيما الشراء أو غسل الملابس بعد الساعة الثامنة حيث ينخفض سعر الكهرباء مع استخدام الماء البارد بدل الساخن....كما اضطر آخرون إلى التضحية بالعطلة اقتصادا للمال واتقاء لأي طارئ. هذه الإجراءات وإن كانت ضرورية للبعض فإنها قد تضر الاقتصاد عموما كما يشير إليه الخبراء الذين يتخوفون من أن يؤدي نقص الاستهلاك إلى أزمة اكبر...ويكون ذلك وراء قرار اكبر البنوك لخفض نسب الفائدة أملا في تخفيض سعر المواد وعدم تراجع الاستهلاك. وقد لجأت بعض المساحات الكبرى الأمريكية منذ الآن إلى خفض سعر منتجاتها تحضيرا للاحتفالات بعيد الميلاد وبنهاية السنة الميلادية في خطوة يراد منها تدارك الوضع ودفع الناس إلى عدم تغيير عاداتهم الاستهلاكية...فهل ستفلح مثل هذا الإجراءات؟ سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة بدون شك التي يجمع كل الخبراء على أنها ستكون صعبة على الكثير من الفئات لاسيما الهشة دون أن يستطيع احد تحديد الانعكاسات والتداعيات التي تتوجه نحوها الأمور.