لقاء جماعة 22 تبعته لقاءات بالاوراس اكتشفته في ذكرى استشهاد قاسم رزيق بامخادمة ببسكرة، عندما تدخل وأزال الغموض الذي ارتبط بظروف استشهاد هذا البطل، ساعتها قررت مباشرة أن أقلب معه دفاتر التاريخ. هو المجاهد غقالي الطيب، حامل البريد في الولايتين الأولى والسادسة، شيخ بسيط تجاوز العقد الثامن من العمر، يخفي في ذاكرته شهادات حيّة كان شاهدا عليها بحكم المهام التي كان مكلفا بها، حيث يروي في هذه الزيارة الظروف الأولى التي سبقت التحضير للثورة والوساطة التي قام بها لإيصال العربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد إلى الشهيد حسين برحايل، ودور هذا الأخير الحاسم في اندلاع الثورة، فضلا عن استشهاد العقيدين سي الحواس وعميروش بسبب الخيانة التي يفصل فيها بالتدقيق، وقيام هذا الأخير بتصفية 350 جندي، رفقة قائدهم "الكومندو عز الدين" الذي اكتشف خيانته بفضل رسالة وقعت في أيدي سي الحواس صدفة من جنرالات فرنسا. يؤكد عضو المنطقة الثالثة في الشؤون السياسية بالولاية الأولى، والولاية السادسة بعد 1958 المجاهد غقالي الطيب أن أول اتصال له بالثورة كان في سنة 1953 عن طريق حليمي الهاشمي، الذي كان يعمل عنده ”كونفوايور” مرافق لحافلة النقل الذي طلب منه أن يرتب لقاء للزعيمين العربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد بالشهيد حسين برحايل. البداية بترتيب لقاء لبن بولعيد وبن مهيدي مع حسين برحايل وكان اللقاء بهما بنزل الصحراء وسط مدينة بسكرة. وهنا يقول عمي الطيب: ”كان واحدا منهما على يميني والثاني على يساري، وطلب مني أن أبلغ برحايل بأنهما بحاجة إليه في أمر هام جدا”. وعن السبب الذي دفع بن بولعيد الاستنجاد به قال محدثنا ”والدتي لقبها برحايل أي أنه من أخوالي، وهي من دلّت مصطفى، فضلا على أنني كنت من ساعد برحايل في علاجه بامليلي، التي فرّ إليها بعد تلقيه طعنة خنجر في الكتف وردّ عليها بطلقات نارية أنهت حياة من ضربه، حيث أخذت السيارة رفقة الشهيد حليمي رشيد ووفرت له الدواء والعلاج”. وبخصوص اللقاء مع بن بولعيد، يقول الشيخ غقالي إنه طلب منهما مصارحته فأيّده بن مهيدي، وأكد له بأنهما بحثا في هذه المناطق لكن الجميع يلح على ضرورة الاتصال بحسين برحايل، وأنه هو من يستطيع التحدث باسمهم، خاصة وأنه يتوفر على جيش قوامه نحو 150 عنصر، فحدث الاتصال وأعلمته بأن جماعة ال22 في أمسّ الحاجة إليه، ولابد من أن يضع ثقته فيهم، وحدث الاتصال مع بن بولعيد رفقة سليمان قتالة ورفض برحايل طرح الزعماء الذي يصب في اتجاه القيام بمظاهرة لمعرفة ردّ فرنسا، وأصرّ على عدم تكرار ما جرى في أحداث الثامن ماي 45 وأن تكون ثورة عارمة. مهمّة البريد بين الزعماء مكّنته من معرفة الأحداث يواصل المجاهد الطيب غقالي شهادته كاشفا أن لعب دور حلقة الربط ومهمة البريد أهّلته لمعرفة خبايا الأحداث والالتقاء بقادة الثورة، مؤكدا أنه في ماي 54 التقى حسين برحايل، وقال له ”قل للجماعة بأنه منحهم مهلة ثلاثة أيام فقط للردّ على مقترحاته، ساعاتها، يقول عمي الطيب، إن التحضيرات كانت جارية وكل عنصر مكلف بمهمة”. وفي هذا الصدد، كشف أن بن مهيدي وحليمي الهاشمي وحمة لخضر من الوادي انطلقوا من بسكرة وحلوا بمشونش، حيث رافقهم رفقة سي الحواس وتوجهوا على متن سيارة نحو منطقة شناورة بأريس، حيث دار لقاء بمسجد القرية مع عدد من الزعماء الذين كانوا في انتظارهم يتذكر منهم رابح بيطاط وبشير بومعزة وبن طوبال وبن عودة وبن بولعيد، دون أن يحضره محدثنا الذي اكتفى بمصافحتهم. وكان برحايل مصرّا على الثورة أو عدم الاتصال به مرة ثانية. وفي منتصف أوت 54 جرى لقاء إينوغيسن بالجهة نفسها في حوش أولاد لغلاف، حضرته مجموعة ال22، إضافة إلى ممثل عن جمعية العلماء المسلمين المدعو زروق موساوي بترخيص من البشير الإبراهيمي. وبعد تناول العشاء في الحوش توجهوا إلى الجامع الكبير بالقرية لأخذ رأي الإمام المدعو محمد الدراجي المنحدر من بريكة، حيث طلب منه برحايل فتوى حول الثورة وكيف يكون الجهاد والزكاة و«العشور”. وفي هذا الاجتماع يؤكد المجاهد غقالي بأن الزعماء اشترطوا على بن بولعيد استمرار الثورة 6 أشهر في الأوراس، بطلب من بن بلة، لكن برحايل تعهد بمكافحة فرنسا 8 أشهر بجيشه دون دعم أو مساندة، واتفقوا وأقسموا على المصحف، إلا أن الثورة عرفت الشرارة الأولى في 38 موقعا بالولاية الأولى أوراس النمامشة. حامل البريد يلتقي ببن مهيدي وكريم بلقاسم وبخصوص مساره ودوره في الثورة، يؤكد المجاهد غقالي الطيب أنه استمر في المهام التي كان يقوم بها قبل انطلاق الثورة لكن بأكثر تنظيم، حيث كان ينقل الأخبار والدواء انطلاقا من مهنته كمرافق لسائق الحافلة على محور بسكرة مشونش أريس، حيث كان على اتصال دائم بالشهيد بركات لعرافي الذي يتلقى الأخبار من مناطق الأوراس. وفي ماي 56 وقعت وشاية نشرت في جرائد المستعمر تكشف ما كان يقوم به، ما أجبره على الالتحاق بجبل أحمر خدو، ورغم ذلك واصل عمي الطيب المهمة المكلف بها، وكان أول عمل قام به هو حمل بريد من رئيس المكتب بالولاية الأولى عاجل عجول إلى العربي بن مهيدي بناحية جبال سيدي موسى بالبليدة، بحكم معرفته به والتقى بن مهيدي، الذي قال له بأنه يوجد عندكم التشويش في إشارة إلى ما وقع بعد استشهاد بن بولعيد، وبدوره بن مهيدي حمّله رسالتين واحدة إلى بسكرة والثانية إلى عاجل عجول. وهنا يتذكر محدثنا ما دار بينه وبين البطل بن مهيدي الذي حدثه عن عدم انطلاق الثورة بالشكل المرجو في ناحية وهران، بسبب العراقيل التي كان يضعها مصالي الحاج. وأكد له بأن هذا الوضع سيتم تداركه وأوصاه بعدم الردّ على المشوشين. بريد آخر قاده رفقة دورية تتشكل من 40 جنديا إلى تيجروين بتونس، حيث التقى بكريم بلقاسم وعاد ب147 جندي نحو جبل محارقة ببوسعادة، ثم عاد إلى تونس رفقة 5 جنود حاملا رسالة من كريم بلقاسم مرة أخرى إلى العقيد سي الحواس يطلب منه تكوين الولاية السادسة التي تشكلت بمساعدة بعض الولايات. رسالة تكشف الخيانة انطلاقا من قربه من العقيد سي الحواس فتحنا مع المجاهد غقالي الطيب ملف استشهاد العقيدين سي الحواس وعميروش في جبل ثامر ببوسعادة، وحول هذه القضية التي لا تزال غامضة، يروي لنا محدثنا العديد من نقاط الظل التي تكشف لأول مرة، حيث يؤكد أنه لما عاد من تونس سلّم البريد لسي الحواس الذي أخبره بأنه سيتوجه إلى بلاد القبائل في مهمة يلتقي فيها عميروش، وبالفعل شكّل كتيبة بتعداد 45 جنديا منهم المتحدث. وفي الطريق نحو منطقة مسيف وقرب عين الكلبة (عين الخضراء حاليا) ببريكة، عندما كانوا على متن شاحنة وسي الحواس في مقدمتها رفقة السائق صادفهم حاجز يتشكل من 10 عساكر من جيش العدو، وعند الاستفسار عن الحمولة قال له السائق إنها كباش ولما رفع الغطاء ”الباش” تفاجأ بمشهد الجنود رافعين في وجهه فوهات بنادقهم، وخوفا منهم لأنهم قلة في مكان معزول قال لقائده عبارة بقيت خالدة في تلك الفترة ”رول سي دي موطون” أي ”سر إنهم كباش”. ولما رجع صاحب الشاحنة حذره قائد تلك المجموعة بعدم إفشاء السر. بعد ذلك وصلت الكتيبة إلى جبال جرجرة، والتقت العقيد عميروش الذي كان يقود جيشا قوامه نحو ألف جندي. وعندما كانوا في الغابة مرت امرأة استوقفها العقيد سي الحواس وسألها عن وجهتها، فقالت له إنها تحمل رسالة إلى الرائد عز الدين نائب عميروش، ولما تسلّمها سي الحواس وقرأها تبين أنها من جنرالات فرنسا تعلم عز الدين بأنه يوم السبت أو الأحد سترسل لك نحو 150 طائرة عمودية ”بنان” تنقلك إلى مكان آمن بشرط أن تلقي القبض على سي الحواس وعميروش، بعد قراءتها والتمعن في محتواها- يقول محدثنا- طلب مني سي الحواس مناداة العقيد عميروش الذي ذهل وتفاجأ ثم أمر بتقييد عز الدين، بعد ذلك قام عميروش بتصفية 350 جندي من أتباع هذا الأخير الذين كانوا في الجيش الفرنسي والتحقوا بالثورة. وفي هذا الصدد يقول عمي الطيب بأن البعض يعتبرهم اليوم شهداء. ويضيف أنه أثناء استنطاق الرائد عز الدين صرح أنه كان يتردد على قصر الإليزيه كل 6 أشهر، وله اتصالات بالجنرال ديغول، ورغم أن سي الحواس طلب منه العفو، إلا أنه رفض وتعنت وكان مصيره التصفية. ومباشرة بعد هذه الحادثة ”غيّرنا المكان لنصادف بنحو 130 طائرة من النوع نفسه تحط بالمنطقة التي كنا فيها، وعاينت الموقع ووجدت جثث الخونة الذين تم تصفيتهم”. الخيانة التي استشهد بسببها سي الحواس وعميروش يواصل المجاهد غقالي الطيب الحديث عن الظروف التي أحاطت باستشهاد سي الحواس وعميروش، ويؤكد أنه بعد تصفية الخونة بجبال جرجرة توجهت كتيبة الحواس رفقة عميروش واثنين من ملازميه نحو جبال محارقة بنواحي بوسعادة، وبعد الوصول عقد سي الحواس اجتماعا قال فيه إنه سيسافر، وعيّن العقيد شعباني خليفة له وتوجهوا نحو الزعفرانية، ”وكلفني بحمل بريد نحو جبل أحمر خدو والتوجه رفقة 5 جنود، بعد ذلك انتشر خبر استشهاد العقيدين في جبل ثامر، فطلب مني مسؤول المنطقة محمد بن بولعيد ضرورة العودة لمعرفة ظروف الواقعة”. وفي العودة يقول محدثنا ”وجدت أربعة جنود من الكتيبة نجوا من المعركة عندما كانوا يقتنون المياه، وأكدوا لي أن الأمر يتعلق بخيانة الملازم الثاني سبع محمد من ناحية طولڤة، وهو مسؤول الناحية الثانية ببوسعادة وعماري مزيان مسؤول قسمة في بوسعادة، وكلاهما من جنود سي الحواس تزوجا دون موافقته وخرقا النظام وقررا الانتقام منه بإفشاء مكان تواجده رفقة عميروش، ومعهم عمر إدريس والعربي بعرير ومحمد الشريف بن عكشة لقبطان وادي الشعير، وأعلماه بفرصة القضاء عليهما وخيطت الخيانة والتحق بهما الملازمين الاثنين اللذين كانا مع عميروش، وقبل المعركة كلف سي الحواس سبع محمد بالتأكد من وصول جيش حسوني رمضان إلى جبل ثامر، إلا أن هذا الأخير كذب عليه وأكد له أن حسوني رمضان ومعه نحو 400 جندي وصلوا وطمأنه بأن ينام مرتاحا وحدثت المعركة”. ل. ف