لا يوجد بلد في العالم ظُلم مثل الجزائر، ولا يوجد بلد في العالم لا يتابع ولا يعاتب ظالميه مثل الجزائر.. لأجل ذلك ستبقى شهادة حامد الجبوري الوزير العراقي الأسبق الذي اعترف بأن عراق البعث وصدام حسين هي التي سممت بومدين. * وقتلت وزير خارجتينا محمد الصديق بن يحيى مجرد شهادة على العصر، فنحن لم نفتك لحد الآن اعتذارا عن مجازر أودت بحياة مليون ونصف مليون نسمة، ولن نفتك اعتذارا عن اغتيال طال بومدين الذي جمع صدام حسين بشاه إيران عام 1975 بالجزائر لأجل معاهدة صداقة بين العراق وإيران، واغتيال محمد الصديق بن يحيى الذي كان الرجل الوحيد في العالم الذي يطير في أجواء اشتعلت بها حرب الخليج الأولى بحثا عن سلام لم يتحقق.. * وبدون الخوض في دقة شهادة جاءت متأخرة بثلاثين سنة، فإن أضعف الإيمان في مثل هذه المواقف هو تقديم الحقيقة للشعب الجزائري الذي لا يعلم إن كان رئيسه الراحل هواري بومدين مات قضاء وقدرا بعد مرض عضال كما كان يقال له، أم بفعل فاعل، ولا يعلم جنسية رامي الصاروخ الذي حطم طائرة وزير خارجية الشاذلي بن جديد، فكيف له أن يصدق بعد هذا أي حكاية تصله عن الأزمات التي مرت بها الجزائر في تاريخها المعاصر؟! وكيف له أن يأمل في أن يسقط القناع عن الغموض الذي يلف الكثير من ألغازنا التاريخية والسياسية والاقتصادية؟! عشنا ثلث قرن من التقتيل انهتهت بثورة دفعت فيها الجزائر مليون ونصف مليون شهيد لم تشفع لها في الحصول على اعتذار، زمن قراءته أو كتابته لا يزيد عن بضعة أعشار من الثانية، وعشنا ما بعد الاستقلال أزمة أمنية لا أحد حاول إخماد لهيبها وأبقوها شرارة تسخن بها الصحف والفضائيات والمواقع العالمية صفحاتها.. * * حتى رحالاتنا في الماضي والحاضر قتلوهم باللامبالاة وبعدم الاعتراف، وربما بالسم، ومع ذلك قد يأتي علينا حين من الدهر نتلقى فيه اعتذار فرنسيا علنيا واعتذارا من بقايا حزب البعث العراقي ومن دول العالم التي (تمتعت) بأزمتنا الأمنية، لكن الذي يجب أن نهرول نحوه هو الاعتذار لأنفسنا من الظلم الذي ألحقناه بذاتنا، إلى درجة أن حامد الجبوري يقول لنا "نحن الذين قتلناكم" ولا نحرك ساكنا.. لماذا بعد هذا نعيب زماننا والناس والعيب فينا حتى لم يبق لزماننا عيب سوانا؟!