حينما تصرّح وزيرة العدل الفرنسية، كريستيان توبيرا، بأنه يمكن في فرنسا رسمُ كل شيء حتى الأنبياء! وأن للفرنسيين "الحقَّ" في السخرية من كل الأديان! فإن ذلك يُعدّ بمثابة ضوء أخضر تمنحه فرنسا رسمياً للصحيفة المارقة لتوجيه المزيد من الإهانات للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم. الوزيرة الفرنسية تريد أن تقول ضمنياً للمسلمين قاطبة: سنواصل رسم نبيّكم والإساءه إليه وسبّه، هذا "حق" للفرنسيين، ولن يتنازلوا عنه، ولن نكترث أبداً بردود أفعالكم. هذا التصريح ينسف كل الآمال في إمكانية أن تثوب فرنسا، وغيرها من الدول الغربية أيضاً، إلى رُشدها، وتسنّ قوانين تجرّم الإساءة إلى الأديان والتهكم على رموزها باسم "حرية التعبير" المزعومة، ليس خوفاً من تكرار هجمات 7 جانفي، ولكن حفاظاً على العلاقة بين الغرب و1.5 مليار مسلم، ينتشرون في مختلف دول العالم، وليس في 56 بلداً إسلامياً فحسب، ومنهم 10 ملايين مسلم في أرجاء أوروبا، نصفهم في فرنسا، لكن يبدو أن كل ما يهم فرنسا، هو إرضاء أقليتها اليهودية، التي لا يتجاوز عددها 500 ألف يهودي فرنسي، وليس مراعاة مشاعر 5 ملايين من مسلميها، أو الحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية بالدول الإسلامية، ما دام على رأسها أنظمة خانعة، تضمن لها ديمومة مصالحها، ويشارك بعضُها في مسيرة باريس، ولذلك سنّت قانوناً يمنع المساس ب"قدسية" المحرقة المزعومة، وقمعت صحفييها ومفكّريها من أجلها، وحرمتهم من "حقهم" في انتقادها والسخرية منها وإنكارها، ولكنها لن تفعل الأمر نفسه مع الإسلام؛ فهو مستباحُ الحِمى، وليس هناك أنظمة تضغط على فرنسا سياسياً واقتصادياً وبشتى السبل للدفاع عنه، لذا يمكن لصحفييها السخرية منه ومن نبيّه، وهو "حق" لهم، حسب وزيرة العدل الفرنسية. كنا ننتظر إثارة مسألة ضرورة وضع قوانين تجرّم الإساءة إلى الأديان، ولكن يبدو أن ما ستشهده فرنسا، هو المزيد من القوانين التي ستضيّق الخناق على مسلميها، وتحوّل حياتهم إلى جحيم، وتجعلهم مدانين بالتطرّف والإرهاب إلى أن تثبت براءتُهم، وقد بدأت بلجيكا منذ أيام تناقش مشروع قانون يعتبر مسلميها "خطراً محتملاً؟"، ويتعامل معهم على هذا الأساس، ما يسمح بإطلاق يد شرطتها لمطاردتهم واضطهادهم بدعوى "الاشتباه بهم؟"، وقد يُلهِم هذا المشروع القانوني فرنسا فتُصدر قانوناً مماثلاً للتضييق على جاليتها، باسم مكافحة التطرف والإرهاب، إرضاء ليهودها الذين بدأ بعضُهم يروّج لفكرة أن فرنسا هي الحلقة الأضعف في أوروبا، لأن قانونها الخاص بحماية الحريات الفردية يكبح الأمن الفرنسي عن مطاردة المتشددين، وأن هذا القانون يجب أن يسقط قريباً. تصريح الوزيرة الفرنسية يغذّي أكثر مشاعر الكراهية والبغضاء والعنصرية ضد الإسلام ومسلمي أوروبا كلها، بدليل استقواء حركة مناهضة الإسلام بألمانيا بأحداث 7 جانفي بباريس، وتوسّعها إلى عدة دول، لكن المُحزن أكثر، هو أن تقوم بعض أجهزة المخابرات العربية بالمساهمة في ذلك، عوض حماية الجاليات المسلمة، وتتعاون مع الموساد في فرنسا، تحت غطاء "مكافحة المتشددين الإسلاميين"، وكأن عارَ مسيرة باريس لم يكفِهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.