"مسلم دي زاد"، "ناس الخير"، وغيرها المئات من المجموعات الشبابية التي ظهرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تتناقل إعلانات ودعوات لفعل الخير ومساعدة المحتاجين، جميعها تحظى بتفاعل كبير من شباب العالم الافتراضي الذين يهبون لمد يد العون وفقا لإمكانياتهم. كثيرة هي الطلبات المنتشرة على صفحات المجموعات الشبابية الساعية لفعل الخير، فقد أكدت لنا أغلبية المجموعات الخيرية التي اتصلنا بها أن الإعلانات المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" الخاصة بهم تكون أحيانا وفقا لبرنامج قد خططوا له مسبقا كجمع الملابس القديمة، البطانيات والأغطية والمال لتجهيز وجبات إفطار للمتشردين في شوارع العاصمة، وإعلانات أخرى كالبحث عن أنواع معينة من الأدوية أو عرض كميات متوافرة بكثرة عند أحد المحسنين لمن هو بحاجة إليها . ولا تقتصر الإعلانات على ذلك تشمل أيضا دعوات لجمع مبالغ مالية للخضوع إلى عمليات جراحية، كراسي متحركة ونداءات استغاثة يطلقها بعض المرضى ممن هم بحاجة للحصول على تبرع بالدم أو أجهزة فحوصات معينة ويرافق الإعلانات صورة للمريض ورقم هاتفه أو هاتف أوليائه حتى يسهل على فاعلي الخير الاتصال مباشرة بالمعني والتواصل معه ولا يتم نشرها إلا بعد التأكد من الوثائق الطبية التي يحوز عليها صاحبها على حد قول رؤساء المجموعات دوما، ولا يقتصر الأمر على المحتاجين فقط للمساعدات المادية بل هناك من المواطنين هم بأمس الحاجة للدعاء فقط وكلمة طيبة تخفف عنهم آلام المرض التي تنخر أجسادهم المنهكة والمتعبة جراء الرقود على أسرة المستشفيات لأيام أو سنوات عديدة. ولأن الرغبة في الاختلاف والتميز هما الهدف الذي تطمح إليه جل المجموعات الخيرية، فإن بعضها أصبح يفضل عقد ندوات علمية، اجتماعية، دينية واستضافة مختصين في شتى العلوم زيادة على التنمية البشرية حتى ينشطوها، وهي خطوة ساهمت في تطوير العمل الخيري بشكل كبير.
المجموعات الخيرية تعترف ل "الشروق": البيروقراطية والرشوة شجعانا على العمل الخيري من دون اعتماد تجابه المجموعات الخيرية التي تنشط عبر صفحات التواصل الاجتماعي عديد المشاكل خلال مساعيها لمدّ يد العون والمساعدة للمواطنين، فغياب الاعتماد، وعدم وجود مقر دائم وغيرهما من المشاكل التي تتخبط فيها، قد تعيق مجهوداتها وتحيل خرجاتها الإنسانية إلى مشاكل حقيقية. "الشروق" حاورتها ورصدت أهم المشاكل التي تعانيها. أجمع رؤساء المجموعات الخيرية الذين اتصلت بهم "الشروق"، أن سبيل النشاط الخيري صعب جدا وشاق تعترضهم فيه جملة من المشاكل والعراقيل من بينها، يقول ولد شفعاوي عمر مهدي عضو مؤسس في مجموعة القلوب الموحدة: أن مجموعتهم مختصة في العمل الخيري والإسعافات الأولية وتنشط منذ قرابة 8 أشهر، شارك في تأسيسها مجموعة من شباب القبة ويبلغ عدد الناشطين فيها أزيد من 17 شابا من طلبة جامعيين، وتلاميذ ثانويين. وعن المشاكل التي يجابهونها أوضح محدثنا أنهم يعانون من مشاكل مادية، فلكونهم لا يملكون اعتمادا، ليس بوسعهم جمع المال من المواطنين وأصحاب محلات الجملة، ورغم أنهم لجؤوا لوضع صناديق ادخار في المحلات التجارية إلا أنها تتطلب فترة زمنية طويلة زيادة على توقيفهم في كل مرة في الحواجز الأمنية في خرجاتهم خارج العاصمة لتفتيشهم ومطالبتهم بوثيقة الاعتماد للسماح لهم بنقل الملابس والطعام، وهي المشكلة التي يعانون منها في كل مرة. وعن أسباب عدم حيازتهم الاعتماد أكد ولد شفعاوي أن الأمر يتطلب مقرا دائما وعقد اجتماع في فندق بحضور محضر قضائي وهو ما يكلفهم مصاريف لا تتحملها خزينتهم في الفترة الراهنة، معلقا أن هناك جمعيات أقل منهم زمنا وعملا في المجال الخيري وتحوز على الاعتماد.
"مسلم دي زاد": المحسوبية والرشوة دفعانا للعمل بمفردنا اعترف أحمد ولد قاسم، مشرف عام لمجموعة "مسلم دي زاد" أن الحصول على الاعتماد يتطلب دفع رشوة والخوض في أمور تختلف مع مبادئ المجموعة المعروفة بنشاطها الخيري، وهو ما يجعلهم يرفضون ذلك، فمجموعتهم تنشط منذ 3 سنوات وتعمل بشكل أفضل من التي تملك الاعتماد منذ سنوات، وأضاف المتحدث أنهم لا يواجهون مشاكل خلال عملهم الخيري، فالطريق مفتوح أمامهم من قبل مصالح الأمن والدرك الوطني. وواصل ولد قاسم أنهم بمجرد نشر إعلان على صفحتهم الخاصة في "الفايسبوك" تتوالى عليهم الاتصالات من فاعلي الخير، وذكر المشرف العام للمجموعة أن العمل الخيري على مستوى مجموعتهم قد تطوّر بشكل كبير، فلم يعد مقتصرا على توزيع المساعدات والطعام والأغطية على الفقراء والمحتاجين، فهم يحرصون على تقديم محاضرات وأيام تحسيسية ينشطها خبراء ومختصون وقد حظيت بتفاعل كبير من المواطنين.
"ناس الخير": هناك تضييق على العمل الخيري صرح مولود عبد المالك، رئيس "جمعية ناس الخير" لولاية بسكرة والناطق الرسمي لها، بأن جمعيتهم من الجمعيات التي ترفض الحصول على إعانة الدولة وتعتمد على وسائلها الذاتية في نشاطها الخيري ولا تملك مقرات دائمة واستطرد الناطق الرسمي قائلا بأنهم عملوا في المجال الخيري كمجموعة لمدة 7 سنوات وقد تحصلوا على الاعتماد كجمعية منذ سنة ونصف سنة بعد معاناة كبيرة مع البيروقراطية الإدارية، مفيدا أنهم خلال عملهم كمجموعة اعترضت سبيلهم الكثير من المشاكل، فقد سبق للأمن وأن حقق معهم بعد أن ضبطوا بحوزتهم مجموعة من الثياب المستعملة واعتقدوا أنها موجهة للجماعات الإرهابية، كما لم يكن بوسعهم التنقل في مجموعات أو وضع إعلانات في المساجد والشوارع فقط "الفايسبوك" حتى المستشفيات لم يكن باستطاعتهم التردد عليها وبوسع أي واحد منهم تبليغ الجهات الأمنية عنهم.
رئيس شبكة "ندى" عرعار يصرح: العمل الافتراضي ليس حلا ولا توجد عراقيل للحصول على الاعتماد أوضح عبد الرحمان عرعار، رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى"، أن العمل الخيري من خلال العالم الافتراضي ليس حلا، فالعمل الخيري يجب أن يكون دائما ومستداما ويجب تطويره لأن الجمعيات أصبحت قوة للتغيير، وأضاف عرعار أن هناك عدة إجراءات للحصول على اعتماد الجمعيات ويختلف مابين الجمعيات البلدية والوطنية وموضوع الجمعية، فالإجراءات جميعها متشابهة وبخصوص الجمعيات المحلية أي البلدية فبإمكان رئيس البلدية اعتمادها. وواصل محدثنا أن الإجراءات لا تتطلب مقاييس لكنها لا تشكل عائقا كبيرا باستثناء جمعيات حقوق الإنسان أو الجمعيات التي تحتوي على شراكة مع مؤسسين أجانب أو جمعيات دولية، وهو ما يتطلب رخصة من وزارة الداخلية وهو ما يضيق الحصول عليه ويعرقله.
الأستاذ ابراهيم بهلولي: "لا يمكن التحكم في الجمعيات الافتراضية لأن الجزائر لا تملك حكومة الكترونية" صرح الأستاذ ابراهيم بهلولي أن نشاط الجمعيات خارج القانون، لأنها ليس لها صفة وكيان من الناحية القانونية في غياب اعتماد هذه الجمعيات من الولاية الخاضعة وصايتها لوزارة الداخلية، مشيرا إلى أنه رغم وجود قانون خاص بالجمعيات نجد العديد منها تنشط، لكن بغض النظر عن أهدافها الاجتماعية أو الثقافية أو الخيرية، الرياضية أو السياسية، ومهما كان النشاط نبيلا فالقاعدة العامة، كل نشاط يمارس خارج الأطر القانونية يعتبر غير مشروع ولا يخول لها التمثيل الرسمي، ومن جهة لا تستفيد الجمعيات من إعانات الدولة، كون هذه الأخيرة تخصص ميزانية لممثلي المجتمع المدني. وأرجع الأستاذ بهلولي رفض الجهات الوصية منح الاعتماد للجمعيات بسبب عدم التزامها بالشروط المدرجة في القانون عندما لا تبرز برنامج نشاطها السنوي أو مقرا اجتماعيا. وهناك جمعيات معتمدة قرر وزير الداخلية حرمانها من الاعتماد كنوع من العقاب بعد ثبوت عدم ممارستها أي نشاط من أجله يحسن ويعطي دفعا جديدا للمجتمع المدني، وذكر من جهة أخرى أن الجزائر تعد آخر دولة في العالم الثالث لا توجد بها حكومة الكترونية، موضحا أن تعاملنا مازال كلاسيكيا، هذا ما أدى لعدم قدرتها بالتحكم في الجمعيات التي تنشط عبر شبكات التواصل الاجتماعي "الفايسبوك والتويتر". أما عن الجمعيات المعتمدة التي تملك موقعا الكترونيا لا يحرمها القانون من النشاط من خلاله. ويرى المحامي أن نشاط الجمعيات غير المعترف بها تعود فائدته على أعضائها، لكنهم قد يتعرضون للمساءلة والعقاب القانوني، لأنهم لا يحوزون على الاعتماد الذي يمنحهم شرعية العمل.
جمعية مكافحة الفساد: "قانون الجمعيات الجديد رجعي ولا يعطي الحريات للمجتمع المدني" عبر الأمين العام للجمعية الوطنية لمكافحة الفساد حليم فدال عن استيائه من تجاهل وزارة الداخلية ملف طلب الاعتماد الذي أودعته الجمعية منذ أوت 2012، حيث في تلك الفترة تم منح 14 اعتمادا لأحزاب سياسية وهو ما طمأنهم واعتقدوا أنه سوف يمنح لهم الاعتماد، غير أن ذلك لم يحدث، لأنهم لم يستلموا الملف ولم يتلقوا تفسيرا لسبب معاملتهم التي وصفها المتحدث بالمجحفة في حقهم، مضيفا أن الدولة الجزائرية تعتمد الأحزاب والجمعيات الموالية لها، وأكد أن ملفهم تتوفر فيهم كل الشروط طبقا لقانون الجمعيات الجديد 06/12 إلى أن تم قبوله، لكنهم لم يمنحوهم وصل الاستلام طبقا للمادة 08. وعلق المتحدث أن الإدارة الجزائرية لا تطبق القوانين التي سنتها وتتعامل ببيروقراطية لتثبيط عزائم الجمعيات الهادفة، وأضاف أنه وصلهم رد من وزارة الداخلية بتاريخ 29 أكتوبر 2012 يعلمهم برفض طلب الاعتماد دون تقديم تبرير لقرارها، كما جاء الرد بعد المادة التي حددها القانون ب60 يوما، وهذا مخالف للمادتين 08 و10 من القانون، وهو ما جعل الجمعية تنتفض وتراسل كل من رئاسة الجمهورية والوزير الأول ووزير الداخلية، كما طعنت في القرار أمام المحكمة الإدارية طبقا للقانون، وفصل فيها بعد الاختصاص بحجة أن المادة 901 من قانون الإجراءات المدنية أن المشتكى منه عندما تكون وزارة يلجأ المشتكي إلى مجلس الدولة، وفعلا تم ذلك في 17 أوت 2014 . كما اتصلت إدارة الجمعية بجمعيات تابعة للأمم المتحدة شرحت لهم خروقات وزارة الداخلية المخالف للدستور والقوانين المعمول بها وكذا الاتفاقيات الدولية الموقعة من طرف الجزائر المتعلقة بالحريات وتشجيع المجتمع المدني.
جمعية أولاد الحومة الرياضية: الإدارة تمنح الاعتماد لكل الجمعيات التي تتوفر فيها الشروط صرح الحكم الدولي السابق عبد الرحمان برقي رئيس جمعية أولاد الحومة الرياضية المعتمدة منذ 1994 أن مئات الجمعيات الرياضية التي تودع ملفات طلب الاعتماد على مستوى الولاية يمنح لها الاعتماد مباشرة عندما تتوافر فيها كل الشروط التي وردت في قانون الجمعيات الجديد، حيث تعاني معظم الجمعيات الرياضية من مشكل الدعم الذي يرونه ضئيلا بالنظر إلى نشاطاتهم المكثفة ما يجعلهم يلجأون إلى السفارات بحثا عن التمويل لإنجاح برنامجهم السنوي وحتى لا يتم سحب الاعتماد منهم.
جمعية رسالة حجاج بمستغانم: أنجزنا فيلما عن انحراف الشباب فحرمنا من الاعتماد أفاد نائب رئيس جمعية رسالة حجاج بمستغانم السيد بريهمات عبد الحق أن جمعيته التي تنشط منذ 9 أشهر وهو تاريخ إيداع ملف الاعتماد، حيث رفض طلبها بعد بث فيلم قصير بعنوان "ميدان الشرف" الذي يحكي عن انحراف الشباب منطلقا من الأسرة على موقع التواصل الاجتماعي الشهير "يوتيوب"، حيث تم اتهامهم بتحريض الشعب وخلق المشاكل، موضحا أن الجمعية تضم مواهب صريحة هدفها إيصال رسالة اجتماعية هادفة بدقة عن طريق المسرح، الأناشيد، الهيب هوب، الأفلام القصيرة لتوعية الشباب وحماية بلادنا من الآفات الاجتماعية. ورغم العراقيل فقد عمدت الجمعية إلى إنتاج الجزء الثاني من الفيلم بمساعدة جمعية الإرشاد والإصلاح، حيث بعد تصوير 5 مشاهد، أوقف التصوير وطلبت الدولة والسلطات المحلية منهم توقيف نشاطهم لحين حصولهم على الاعتماد، وأكد بريهمات عدم استسلامهم ومواصلة عملهم في تحسيس الشباب حتى ولو لم يتحصلوا على الاعتماد.
جمعية إدماج المساجين: أبواب المسؤولين مغلقة أمامنا بسبب عدم الاعتماد كشف الأستاذ عمار حمديني رئيس المنظمة الوطنية لإدماج المساجين أن الجمعية بعد 10 سنوات من النشاط غير القانوني، لكنه مدعم من طرف السلطات المحلية والوزارة الوصية عن طريق التنسيق معها لتوعية الشباب والمسبوقين قضائيا بخطورة الانحراف والعودة إلى الإجرام، تحصلوا مؤخرا على الاعتماد، لكن الأمر الذي استغرب له محدثنا عدم استجابة الجهات المعنية لنوعية نشاطهم التوعوي والتحسيسي والاجتماعي والخيري بخصوص مساعدة المساجين والمسبوقين قضائيا وحتى عائلات المساجين من الأطفال والزوجات، لتنظيم وتدعيم نشاطاتهم معنويا.