في وقت طغت فيه المادة على العلاقات الاجتماعية، هنالك شباب جزائريون يصنعون الحدث من خلال تحملهم مشقة التكفل بالفئات الهشة في صورة تؤكد أصالة المجتمع الجزائري، وتمسكه بتقاليد التضامن والتكافل بطريقة عصرية من خلال توظيف التكنولوجيات الحديثة التي بقدر ما يروج لسلبياتها وأخطارها إلا أن ما تقوم به الجمعيات الخيرية يجعلنا ننظر ببعض من الأمل في توظيف التكنولوجية للاهتمام بالإنسان . تتطرق «الشعب» إلى الوجه الإيجابي لفضاء التواصل الاجتماعي «فايسبوك» من خلال التركيز على العمل الخيري والتطوعي الذي دعت إليه الكثير من المجموعات التي ولدت على هذا الفضاء الافتراضي، وتمكنت من تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية على غرار القيام بحملات تضامنية مع الفقراء في شهر رمضان، وتنشيط حملات تطوعية لتنظيف البيئة والمحيط، وتهيئة الشواطئ ورد الاعتبار للمناطق الأثرية وزيارة المستشفيات، ونقل آهات بعض المرضى والمحتاجين لإيجاد حلول لوضعيتهم. وجلبت هذه الأعمال الإنسانية التي تراجعت ميدانيا في السنوات الأخيرة بفعل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها الجزائر، الكثير من المتعاطفين والناشطين ما جعلهم يصبحون بدائل للعديد من الجمعيات التي تلهث وراء المساعدات والأظرفة المالية التي باتت وجهتها تطرح الكثير من التساؤلات. مجموعة «أوكسيجون» «..بسمة يوم أمل للحياة « ظهرت مجموعة «أوكسيجون» التي تعني «جرعة أكسجين» في صيف 2011 من قبل مجموعة من الشباب الناشطين على الفضاء الافتراضي «فايسبوك» ويقول رشيد بوكي أحد الأعضاء المؤسسين لمجموعة «أوكسيجون» الخيرية «أن الفكرة ظهرت مع زميلين له كمال عريوات ومحمد فوزي بقاص كانوا يتناقشون عن مشروع خيري يمكن تجسيده لتفعيل توجيه العمل الافتراضي نحو الخير بعيدا عن أخبار الحروب والربيع العربي والسياسية التي جعلت مساحات النقاش مساحة للترويج للسلبية والتدمير». واهتدينا إلى توجيه دعوات لزملاء في المساحة الافتراضية وتفاهمنا على جلب هدايا للأطفال، وهدايا للكبار، ومواد غذائية أساسية وشرعنا في زيارة المستشفيات ودور العجزة ، ومختلف الفئات المحرومة والمقهورة في المجتمع. وقال نفس المصدر «لقد تفاجآنا في أول نشاط لقسم أمراض السرطان «بيار وماري كوري» بمستشفى مصطفى باشا» بحضور عدد معتبر من المشتركين في «فايسبوك»، وهو ما أدخل الفرحة في نفوس المرضى وذويهم خاصة الذين يقطنون بعيدا عن العاصمة» وقال عضو مجموعة «أوكسيجون» أن إدارة المستشفيات والهيئات الأخرى قد سهلت لنا المهمة وفوق ذلك شاركوا، وساهموا ماديا ومعنويا للتكفل مختلف الفئات الهشة ومشاركتهم فرحتهم، وبعد نشر صور الأعمال الخيرية وتأكد الكثيرون من جدية المبادرات التي ترتكز على تقديم المساعدات من يد الفاعلين لمحتاجيها مباشرة وهو ما جعل عدد المنخرطين يرتفع بشكل كبير، وتم فتح فروع في «الفايسبوك» في مختلف الولايات وظهرت «أوكسيجون وهران»و»أوكسيجونالبليدة» و»أوكسيجون سكيكدة» و»أوكسيجون عين الدفلة وبشار»، ووصل عدد المنخرطين حاليا إلى حوالي 5000 مثلما تشير إليه جريدة المجموعة على مساحة التواصل الاجتماعي «فايسبوك». وتسعى المجموعة بعد تجربة ثلاثة سنوات إلى ضبط نشاطها أكثر، وتوسيعه لتستفيد أكبر قدر ممكن من الفئات الهشة والمحرومة، وتكييف النشاطات مع الأيام العالمية التي تتطرق لمختلف الأمراض والآفات مع الأخذ بعين الاعتبار الأعياد الدينية وشهر رمضان لقيام بنشطات لصالح الفقراء والمحتاجين. «ناس الخير « علامة تكافل جزائرية تعتبر جمعية «ناس الخير « الناشطة عبر مساحة التواصل الاجتماعي فايسبوك من أهم وأقدم الجمعيات الخيرية في الجزائر حيث ظهرت في 2009 مثلما يرويه أمين قيدادة عضو مؤسس ل»ناس الخير» في حديث مع «الشعب» حيث كانت وضعية الحاجة رحمة بالأغواط سببا مباشرا في إطلاق فكرة تأسيس جمعية «ناس الخير «حيث انتقل رفقة زملائه ( زروقي وفيلالي، وعبد العزيز عثماني) إلى الأغواط في 2009 للتضامن مع المجاهدة الحاجة رحمة التي كانت تقطن كوخا قرب محطة لتوليد الكهرباء مع ولدها الذي كان يبلغ من العمر 45 سنة وفي وضعية اجتماعية صعبة . ويضيف لقد كان حينها رمضان وبعد تداول حالتها على مساحات التواصل «سكايب» و»كرامايل» قبل أن يأخذ «فايسبوك» مكانته قررنا تحسين وضعيتها قبل حلول عيد الفطر آنذاك، وقبل الشروع في عملية جمع المساعدات لحل مشاكل الحاجة رحمة قرر زملائي مقابلة والي الأغواط لعرض حالتها، وتسهيل منحها سكن لكن المبادرة فشلت فقررنا نشرها على «‘فايسبوك» بعد أن فتحنا لها حساب بريدي جاري لجمع التبرعات،وبدأت عملية التضامن حيث أرسل الكثير من المواطنين مساعدتهم المالية وكنا كل يوم ننشر حصيلة التبرعات وزادت الوتيرة الى أن تم جمع 120 مليون سنتيم، وبعد سماع الوالي بالقضية ووقوفه على جديتها منحها سكنا لتقوم هي بأخذ 50 مليون سنتيم من المبلغ الذي أنشأت به متجرا لإبنها وتبرعت بالمبلغ المتبقي للفقراء والمحتاجين. ومنذ ذلك الوقت تفرعت جمعية «ناس الخير» عبر 48 ولاية حيث تضم اليوم 5000 ناشط عبر مجالين واحد خاص بالبيئة والثاني خاص بالرحمة قدوة بالحاجة رحمة، ويعنى بالإنسان والمواطنين المحتاجين ويتضمن قفة رمضان والتبرع بالدم وزيارة المستشفيات وغيرها من المجالات. وكشف بالمقابل أن الجزائريين مولعين بفعل الخير، وأنه مع قليل من الإرادة تتحقق المعجزات ولن يكون هناك محتاجون. وذكر أمين أن نواة «ناس الخير» أسسها مغتربون وهو ما يؤكد دور التكنولوجيات الحديثة في تطوير العمل الخيري وتطوير التواصل الاجتماعي للتكفل بالفئات المحتاجة. وتعرف صفحات «فايسبوك» نشر نداءات طلب مساعدات للأطفال المرضى و الفقراء، والعديد من المجالات ويقوم الكثيرون بإعادة نشر النداءات حتى تلقى استجابة، حتى أن أحد المرضى مؤخرا تحصل على مبلغ مالي مكنه من الذهاب للأردن لإجراء عملية جراحية ولقيت المبادرة هبة كبيرة انضم إليها حتى أردنيون. الدين يشجع العمل الخيري أكد الإمام الأستاذ عبد الكريم ليشاني في تصريح ل»الشعب»، أن بروز العمل الخيري على مساحات التواصل الاجتماعي أمر إيجابي ويساعد على ترسيخ ثقافة الخير التي تبقى مطلوبة في إطار ترقية التكافل الاجتماعي. ودعا نفس المصدر إلى تأطير وتنظيم هذا العمل وترسيمه لحمايته من أية توجيهات غير لائقة، فالعمل وفقا لآليات قانونية وتنظيمية معروفة سيطور النشاط الخيري أكثر فأكثر ويعطيه دفعا إضافيا. واعتبر محدثنا هذه الأفعال نابعة من الدين وحتى الكثير من العلماء والعقلاء يدعون لتكثيف العمل الخيري عبر كل الطرق الشرعية المتاحة، خاصة وأن الفائدة ستعود على الطبقات المحتاجة، والطفولة المسعفة وغيرها من الفئات الهشة. الاتصال الإلكتروني طور العمل الخيري الافتراضي أشار الدكتور حسيني صفوان المتخصص في علوم الإعلام والاتصال، أن العمل الخيري على مساحة التواصل الاجتماعي فايسبوك نابع من العرف الديني موضحا بأن انتشار هذا السلوك الإيجابي بطريقة افتراضية يؤكد بأن الواقع يحمل بعض المشاكل في تجسيد العمل الخيري عن طريق الجمعيات التي قد تصطدم لتأسيسها بعدة عراقيل بيروقراطية، وبالتالي لا يمكن ممارسة ما يجول في خاطر الفرد من أفكار، وبالتالي وجدوا في «فايسبوك» أحسن بديل لخلق تفاعل افتراضي اجتماعي فعال . وحول صدى العمل الخيري على المساحات الافتراضية فقد أكد الدكتور صفوان ل «الشعب» أن الحديث عن التأثير يجب أن يستند على دراسات لسبر الآراء، كما أن غياب تأطير نوعي لهذه النشاطات يصعب من إطلاق حكم مطلق، وهذا الكلام لا يعني أن العمل الخيري سلبي بل هو أكثر من إيجابي طالما أنه يجسد أفكارا عرفية أصيلة في المجتمع ومستمدة من الدين فبالمختصر أقول بأنه سلوك إيجابي جدا نابع من الاتصال الالكتروني ويشعرنا على الأقل بمظهر إيجابي للتكنولوجيات الحديثة التي يروج فقط لسلبياتها ومخاطرها. «فايسبوك» أداة لتطوير الفعل الخيري اعتبر أستاذ علم الاجتماع توفيق قطوش من جامعة الجزائر، ال»فايسبوك» أداة لتطوير الفعل الخيري وعليه فالعمل الخيري موجود قبل ظهور مساحات التواصل الافتراضية وبالتالي لا يمكن أن نقارن بين عمل افتراضي وعمل ميداني كان ولا يزال وسيبقى مستمرا، وعليه اعتبر ال «فايسبوك» قيمة مضافة للفعل الخيري يضفي عليه أدوات عصرية بينما يبقى العمل الخيري قيمة اجتماعية متواجدة منذ زمان. وعليه يبقى العمل الخيري الذي ظهر على مساحات التواصل الاجتماعي قيمة مضافة للعمل التضامني وتعزيز التكفل بالفئات الهشة والمحرومة ومنه زرع ثقافة الشعور بالآخر، والتقليل من المعتقد السائد بأن الدولة أو السلطات هي التي يجب أن تقوم بكل شيء، كما أن انتشار استعمال التكنولوجيات الحديثة ليس عاملا لنشر الخوف بل تبقى أداة يمكن أن نحقق بها العديد من المشاريع التي ينتفع منها البشر.