الرئيس السوداني حسن البشير أكد وزير خارجية السودان دانق ألور في اتصال هاتفي مع الشروق أمس الاثنين أن الحكومة السودانية شكلت لجنة عليا للبحث في الأزمة التي يواجهها السودان على خلفية قرار المدعي العام للجنة الجنائية الدولية بالدعوة إلى توقيف الرئيس عمر حسن البشير بتهمة أنه الرأس المدبر لحملة إبادة في إقليم دارفور الواقع غرب السودان * * الناطق باسم الخارجية السودانية: نطالب الجزائر بالعمل معنا داخل مجلس الأمن.. ولا نعترف بمحكمة لاهاي وقراراتها * * وأكد الوزير السوداني أن اللجنة سوف تجتمع وتخرج بموقف موحد إزاء هذه التطورات وخاصة كيفية التحرك على المحكمة الجنائية الدولية.. وبدوره الناطق باسم وزارة الخارجية "علي الصادق" وفي اتصال هاتفي مع "الشروق اليومي" اعتبر قرار محكمة لاهاي بأنه يدخل ضمن سلسلة الخطوات العبثية للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.. * وأكد المسؤول السوداني على أن الاتهامات التي ساقها المدعي العام الأرجنتيني لويس مورنيز اوكامبو لا أساس لها من الصحة وقد اعتمد على حيثيات غير صحيحة ولا علاقة لها بالعدالة والقانون الدوليين. * وحول التحركات المحتملة للحكومة في ضوء التطورات الجديدة، أكد المسؤول السوداني في اتصاله معنا أن ذلك القرار لن يغير شيئا في موقف السودان والقاضي بعدم الاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية وبالقرارات التي تصدر عنها. وأوضح أن الحكومة السودانية ستمضي قدما في ترتيبات تحقيق السلام في إقليم دارفور، وذلك مع شركائها في الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة وستسعى لنشر القوات المختلطة في الإقليم ومن ثم التعاون مع المبعوث المشترك الجديد للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. * وبرأي السيد علي الصادق، ستشهد المرحلة القادمة معركة دبلوماسية شديدة داخل مجلس الأمن الدولي. وفي هذا الصدد ناشد المتحدث الجزائر بالوقوف إلى جانب شقيقه السودان والعمل معه داخل مجلس الأمن من أجل كسب أصوات الدول الغربية الصديقة، كما ناشد الشعب الجزائري إلى التضامن مع السودان في محنته هذه، معتبرا أن الجزائر دولة شقيقة للسودان ومعروف عنها حبها للعدالة والسلام الدوليين. * ومن جهة أخرى، وجه الناطق باسم الحكومة السودانية عبر "الشروق اليومي" نداء إلى الأممالمتحدة والبعثات الدبلوماسية الموجودة داخل السودان، بأن دولة السودان ملزمة بتوفير الأمن لهم كونهم ضيوفا عليها، وبالتالي لا داعي للقلق مثل ما يحاول الإعلام الغربي الترويج لذلك. * وفي سابقة خطيرة وفي خرق واضح للشرعية الدولية، دعا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية رسميا أمس الاثنين في لاهاي إلى توقيف الرئيس السوداني بتهمة أنه "الرأس المدبر لحملة إبادة" في إقليم دارفور الواقع غرب السودان.. وطالب المدعي لويس مورنيز اوكامبو من قضاة المحكمة إصدار إذن بملاحقة قضائية واعتقال بحق البشير الذي اتهمه ب"ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب" في دارفور. * وقال الإدعاء في مذكرته أن "قوات وعملاء تحت قيادة البشير قتلوا ما لا يقل عن 35 ألف مدني، كما تسببت في "موت بطيء" لما يتراوح بين 80 و265 ألف شردهم القتال".. وجاء في المذكرة "ارتكب البشير من خلال أشخاص آخرين إبادة جماعية ضد جماعات الفور ومساليت والزغاوة العرقية في دارفور من خلال استخدام جهاز الدولة والقوات المسلحة وميليشيا الجنجويد..". * ولا تشير مختلف التقارير الدولية حول دارفور إلى حدوث "جرائم حرب" وإنما تتحدث عن تجاوزات وانتهاكات ترتكب في الإقليم المضطرب منذ عام 2003.. وكان تحقيق أجرته الأممالمتحدة في جانفي 2005 قد استبعد أن يكون النظام السوداني قد "انتهج سياسة إبادة جماعية".. ويأتي قرار هذه المحكمة في الوقت الذي أبدت الحكومة السودانية استعدادها الكامل للتعاون مع المجتمع الدولي بخصوص حل مشكلة دارفور بطريقة سلمية، ولكنها لم تجد الدعم الدولي المطلوب وخاصة في الضغط على المليشيات المتمردة والرافضة للجلوس على طاولة الحوار.. * كما يأتي القرار في الوقت الذي تمت فيه الموافقة على تشكيل قوات مشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقى لمباشرة عملية حفظ السلام في ذلك الإقليم.. * ويذكر أن مدعي المحكمة الجنائية الدولية الأرجنتيني لويس مورينو اوكامبو بدأ التحقيق حول دارفور منذ عام 2005 بموجب قرار لمجلس الأمن الدولي، رغم أن السودان غير موقع على قانونها الأساسي.. ومنذ ذلك التاريخ وهذا المدعي يؤكد أنه سيقدم "أدلة على وقوع جرائم حرب" في دارفور كما زعم "أن جهاز الدولة كله في السودان ضالع في حملة منظمة لمهاجمة المدنيين في الإقليم". * وبالفعل فقد وجه اتهامات لمسؤولين سودانيين وأصدر مذكرات توقيف في ماي 2007 لكل من الوزير المنتدب للداخلية احمد هارون واحد قادة الجنجويد علي قشيب، وهي الاتهامات التي رفضها النظام السوداني بشدة، كما رفض تسليم المطلوبين إلى المحكمة الجنائية. * * تنديدات دولية.. واجتماع عاجل لوزراء الخارجية العرب * يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا عاجلا السبت المقبل في القاهرة لبحث "مستجدات العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والسودان" بعد أن طلب المدعي العام للمحكمة توقيف الرئيس عمر البشير لاتهامه ب"الإبادة الجماعية". وأعلن هشام يوسف، مدير مكتب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى للصحفيين انه "تم الاتفاق على عقد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بناء على طلب السودان وهو الطلب الذي أيدته عدة دول عربية هي سوريا ومصر والسعودية وليبيا وفلسطين". * وكانت الأمانة العامة للجامعة العربية دعت إلى اجتماع على مستوى المندوبين الأربعاء المقبل لبحث قضية السودان، ولكن تقرر إلغاؤه بعد الاتفاق على الاجتماع الوزاري.. ومن جهة أخرى، أعلن تجمع دول الساحل والصحراء في طرابلس عن رفضه "الترهيب الذي يتعرض له الرئيس السوداني". * وحذر التجمع الذي يتخذ من طرابلس مقرا في بيان له من "أن هذه التهديدات وتوجيه أي اتهام جنائي للسلطات العليا السودانية من شأنها زيادة تصلب المواقف وتقويض الجهود التي تبذلها الهيئات الإفريقية". ودعا التجمع الذي يضم 28 دولة عربية وافريقية إلى "إعادة النظر في عضويتها في هذه المحكمة وفي كافة الأجهزة المماثلة". * وقال البيان أن هذه المحكمة "تستخدم كوسائل للإخضاع والإذلال والتدخل في الشؤون الداخلية وكسلطة أخرى فوق الدول، هدفها إرهاب الدول الصغيرة". واعتبر تجمع دول الساحل والصحراء أن الخطوة التي أقدمت عليها المحكمة الجنائية الدولية "غير مقبولة باعتبارها متابعة سياسية وليست جنائية". * * عمر حسن البشير .. الرجل الذي أقسم بأنه لن يسلم أي سوداني لمحاكمة دولية * أصبح الرئيس السوداني عمر البشير أول رئيس دولة تلاحقه المحكمة الجنائية الدولية.. وشهد عهده المتواصل منذ 19 سنة على رأس أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة، حربا ثم سلاما مع الجنوب وعلاقات متوترة مع الدول الغربية ونزاعا دخل سنته الخامسة في إقليم دارفور.. * وقد رفض الفريق عمر البشير حتى الآن تسليم المحكمة الجنائية الدولية لعدد من المسؤولين المتهمين بالتورط في "جرائم حرب" في دارفور، وأقسم أمام قيادات حزبه المؤتمر الوطني بأنه لن يسمح أبدا بمحاكمة أي سوداني أمام محكمة أجنبية. وأطاح عمر حسن البشير في الثلاثين من جوان عام 1989 برئيس الحكومة الصادق المهدي في انقلاب عسكري حصل على دعم الجبهة الإسلامية الوطنية التي كان يتزعمها حليفه حسن الترابي الذي تحول لاحقا إلى عدو لدود.. * ولد عمر البشير عام 1944 في قرية حوش بانقا التي تبعد 150 كلم شمال الخرطوم، وتعلق منذ شبابه بالزي العسكري. وارتقى البشير بسرعة المراتب العسكرية وشارك إلى جانب الجيش المصري في الحرب الإسرائيلية العربية عام 1973. * وكان يقود اللواء الثامن في الجيش والمرابط في الجنوب في خضم الحرب الأهلية بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان عندما عرف بمهارة كيف يستفيد من استياء الضباط ليستولي على السلطة عام 1989. * وتسلم السلطة في البداية مع حسن الترابي من خلال مجلس قيادة الثورة وحكومة الخلاص الوطني المكونة من ضباط شبان بعد التخلص من كل المغضوب عليهم في الجيش. * وقرر البشير في 1993 حل مجلس قيادة الثورة ونصب نفسه رئيسا للجمهورية. وفي مارس 1996 تمت انتخابات. وانقلبت علاقاته مع حسن الترابي إلى عداوة عام 1999 وأدى الاختلاف إلى سجن الترابي من 2001 إلى 2003 بتهمة التواطؤ مع انقلابيين. وفي عام 2005 وقع البشير على اتفاق سلام شامل والتصالح مع متمردي الجنوب، لكن مع ذلك وقع تحت ضغط الغرب بسبب ملف دارفور. * * خبير: الهدف تذويب الهوية العربية والإسلامية للسودان * توقع خبير إستراتيجي سوداني أن يتكرر السيناريو الهادف للقضاء على هوية السودان العربية والإسلامية. وقال الدكتور حسن مكي في تصريح صحفي أنه في إطار ذات المساعي الرامية لتذويب هوية السودان، تم عقد اجتماع سري في أوغندا قبل يومين تحت لافتة "المهمشين في السودان" حضره مستشار الرئيس الإسرائيلي عاموس جلعاد، وبعض كيانات أقاليم السودان ذات الصبغة الإفريقية البحتة، ومن بينها الحركة الشعبية لجنوب السودان، إضافة إلى بعض حركات دارفور، وأخرى من شرق السودان. * والخطير في الأمر -بحسب مكي- أن الحضور "ناقش الأجندة القديمة المتجددة المتمثلة في أن السودان إفريقي ذو قومية زرقاء، وأن القائمين على أمره في أجهزة الدولة من عرب ومسلمين لا يمثلون شعب السودان وهويته الحقيقية، وفقا لرؤية المؤتمرين". * وفند الخبير في الشأن السوداني المزاعم التي تقول: إن "العرب والمسلمين لا يمثلون هوية السودان الشعبية" بقوله: "هذا ادعاء غير صحيح؛ فنسبة المسلمين في السودان لا تقل عن 58٪، والعرب هم أغلبية هذه الهوية الإسلامية". وأرجع الدكتور ترويج مثل هذه المزاعم حول السودان إلى أن "الغرب يختلق الذرائع دون أي اعتبار للحقائق في السودان.. الغرب لا يريد إلا تحقيق إستراتيجياته وأهدافه في المنطقة". * * الرؤساء الملاحقون أمام القضاء الدولي * الرئيس السوداني عمر البشير: الذي وجه إليه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الاثنين تهمة "ارتكاب إبادة وجرائم ضد الإنسانية" في دارفور، هو الرئيس الثالث الذي يلاحقه القضاء الدولي أثناء ممارسته مهامه. * تشارلز تايلور: وجهت المحكمة المختصة بسيراليون في ماي 2003 إلى الرئيس الليبيري تشارلز تايلور11 تهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فيما كان يتولى أنذاك الرئاسة في ليبيريا. وكان زعيم الحرب السابق وصل إلى سدة الرئاسة بعد انتخابه ديمقراطيا في 1997. وهو يحاكم حاليا أمام هذه المحكمة في لاهاي. * سلوبودان ميلوشيفتش: وجهت محكمة الجزاء الدولية المختصة بيوغوسلافيا السابقة في ماي 1999 إلى الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفتش الذي انتخب في 1997، تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها الجيش اليوغوسلافي بحق مدنيين في إقليم كوسوفو، لكن محاكمته التي وجهت إليه التهم في إطار النزاعات التي شهدتها يوغوسلافيا السابقة في التسعينات، توقفت فجأة اثر وفاة المتهم في زنزانته في مارس 2006.. * كلفت السنغال الاتحاد الإفريقي في جويلية 2006 باستضافة محاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري الذي تولى الحكم بين 1982 و1990 ولجأ إلى السنغال بعد الإطاحة به في ديسمبر 1990. ويلاحق بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".