حين قرأت حلقات الزميل خالد عمر بن ڤڤة الموسومة ب(القصة الكاملة للغز وفاة الرئيس بومدين)، تذكرت تحقيقا ميدانيا قام به طاقم مجلة (عالم السياسة) التي كان يصدرها الزميل على سراوي ويرأس تحريرها الزميل الصادق بخوش، وتمت مصادرتها في العدد الرابع. والتحقيق نشر في العدد الأول والثاني بعنوان (الرواية الكمالة لاغتيال بومدين)، وما قام به خالد هو استكمال لهذا التحقيق. ولعل هذا ما يدفعني إلى بعض التوضيحات باعتباري كنت ممن حققوا مع المرحوم قاصدي مرباح وأنيسة والتقوا المناضل المغربي محمد البصري، وتعرفوا "الصافي السعيد" وآخرين ممن سرّبوا معلومات حول قصة "الاغتيال"! لماذا "الاغتيال" وليس الموت؟ التحقيق هو النوع الصحفي الوحيد الذي يفترض وجود جهة ما تخفي حقيقة أو معلومة، فمن هي الجهة التي تقف وراء "موت" أو "اغتيال" الرئيس هواري بومدين، وإذا كان الموت طبيعيا فلا أعتقد أن ذلك يثير تساؤلات. ولكن إذا كان الموت غير طبيعي فإن السؤال: هل هو جريمة أو اغتيال؟ والاغتيال يحمل معنيين: معنى مادي ومعنى معنوي. وإذا كنا نقصد "القتل" فإن من يقف وراء ذلك هو المستفيد من رحيل الرئيس، أما إذا كنا نقصد مشروع المجتمع لبومدين فإن الجهة المتبناه ل"المشروع البديل" هي التي تقف وراء الاغتيال المعنوي.كان المرحوم قاصدي مرباح من المقربين إلى الرئيس هواري بومدين بحيث كلفه بإجراء تحقيق حول السيدة أنيسة قبل زواجه منها، والتقرير يشار إلى أمها السويسرية وأنها مطلقة، والتحقت بالرئاسة عبر "أعضاء من مجلس الثورة".وبقي قاصدي مقربا من الرئيس لغاية وفاته، وهناك من يتهم قاصدي بأنه استولى على "دفاتر الرئيس هواري بومدين"، ولكن حين نشر الزميل الصافي السعيد في »كل العرب« معلومات منسوبة إلى ما يسمى بمذكرات بومدين، أثارت "بلبلة" لدى الأجهزة وحققت في ذلك مع كل من يعرف الصافي، بمن فيهم أنا، وذلك في عهد مرباح. وهذا يعني أن الشك كان يدور حول الدكتور محي الدين عميمور باعتباره كان مقرّبا من الرئيس بومدين والشاذلي، إلى جانب أنيسة بومدين.ولا أستبعد أن يكون بومدين قد أسرّ إلى قاصدي مرباح بتعيين الشاذلي بن جديد خلفية له، لأن قاصدي مرباح هو الذي جاء بالشاذلي بن جديد إلى المرادية.ويبقى اغتيال قاصدي مرباح هو الآخر لغزا، لأنه جاء بعد عودته مباشرة من "جولة" إلى بعض دول الجوار إلى جانب تنقله إلى سويسرا.وأول من حمل شعار القتل هو الجماهير التي كانت في ساحة الشهداء بعد مرور موكب الجنازة حيث سمعت شعارات تردد: "قتلتموه اتركونا ندفنوه"، وكنت في المكان نفسه. الموساد والمغرب واغتيال وديع حداد؟ احتضنت الجزائرفلسطين بمنطق "ظالمة أو مظلومة«، وهو شعار بومدين، واستطاعت أن تنتزع الاعتراف العربي بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي "الممثل الشرعي والوحيد" وأدخلت ياسر عرفات إلى أروقة الأممالمتحدة لينقل القضية إلى المنظمات الدولية، وأقنعت الجزائر دول إفريقيا بمقاطعة شاملة لإسرائيل، وكانت الجزائر تمثل محور الاهتمام العربي والدولي، ولا أحد ينكر "الشاك المفتوح" لصالح القضية العربية الذي سلّمه بومدين إلى "الكرملين".وكانت إسرائيل بأجهزة "الموساد" ترصد تحركات الجزائر، خاصة بعد اختفاء "غواصة إسرائيلية" في السواحل الجزائرية، ووجود "كارلوس" في فندق "ألبير الأول"، وما حققته الجزائر في الاتفاق بين العراق وإيران، وكذلك في إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين فيما بعد. كان محمد بودة إلى جانب كارلوس ووديع حداد من الأسماء الأولى في قائمة المطلوب اغتيالهم لدى "الموساد"، يكفي أن اليد الصهيونية اغتالت محمد بودة في فرنسا عبر سيارة مفخخة. من منّا لا يتذكر كيف اختطفت إسرائيل عام 1970 طائرة بريطانية وأنزلت منها الأمين العام الأسبق لرئاسة الجمهورية الجزائرية، واستنطقته، مما جعل بومدين يعيّن خلفا له، وهو لدى إسرائيل، المرحوم محمد أمير. وحدثني المرحوم أمير حول "تغيير شفرة الرئاسة" بمجرد اختطاف الأمين العام للرئاسة، وهو المطلب الأول للرئيس بومدين. كان وديع حداد من الأسماء "المطلوبة دوليا"، لأنه العقل المدبر لكل العمليات ضد إسرائيل، وقد وضعته الرئيس بومدين تحت حماية قاصدي مرباح، وكان له رقم هاتف أحمر (ثلاثي الترقيم) ومع ذلك استطاعت المخابرات المغربية الحصول عليه. وكان المناضل المغربي المعارض محمد البصري يعيش في "فيلا" بالقرب من المرادية، والتقيت به مرتين؛ إحداهما في عشاء بفرنسا، والثاني في غداء أقامه على شرف وفد الجزائر المشارك في الفضاء المغاربي بالرباط وأكد لي الرواية. وكان صديقا حميميا للمناضل وديع حداد وذات يوم أبلغه حسب رواية للبصري أن هاتفه موجود لدى المخابرات المغربية، وأنه يتخوف من اغتياله من قبل الموساد. والمفارقة أنه مات في ظروف غامضة وب"المرض نفسه" الذي أصاب الرئيس بومدين. المرحوم البصري وجد نفسه، في عهد المرحوم بوضياف، مطرودا من فيلته، وهو الأمر نفسه بالنسبة لبطل العبور المصري، سعد الدين الشاذلي الذي كان يقيم في "فيلا رئاسية" مقابل السفارة الأمريكية.ولعل أحد الأسباب التي جعلت "فريق بومدين يرفض وفدا مغربيا كان يفترض أن يشارك في جنازة المرحوم هواري بومدين في رسالة حملت مضمون »غير مرغوب في الحضور«". وإذا كان البعض ما يزال يتمسك بمقولة موفد الملك إلى المرحوم بومدين وهي "إذا لم نلتق في مطلع العام القادم فإننا لن نلتقي أبدا"، كإشارة لوجود "معلومات حول اغتيال محتمل للرئيس بومدين"، فإن الكثير من الآراء التي تم جمعها، والمعلومات المتوفرة، لا تستبعد أن تكون العملية وقعت في "دمشق". ويبدو لي أن تصريحات "العماد طلاس" التي يتهم فيها صدام حسين هي مجرد "ذر الرماد في العيون"، فالحرب بين البعث السوري والعراقي كانت قائمة والكل يريد تشويه الآخر. لكن ما رواه طلاس فيما يتعلق ب»السم« هو ما رواه محمد البصري بالنسبة لما حدث لوديع حداد. مما يجعل الافتراض أن الموساد اخترقت "الوفد المغربي" الذي زار دمشق، وأن الموساد استطاعت الوصول إلى الرئيس هواري بومدين. لكن السؤال: كيف حدث ذلك؟الإجابة ربما تكون عند بعض أعضاء الوفد الذي رافق الرئيس هواري بومدين إلى مؤتمر "الصمود والتحدي" بدمشق. من وراء اغتيال "عنتر" كلب بومدين "المدلل"؟كان للرئيس هواري بومدين كلب مدلل اسمه عنتر، كان يشرف على "العناية به"، وقبيل مرض الرئيس "أصيب الكلب" بالمرض نفسه، فتم دفنه، لكن أثناء مرض الرئيس بدأ "الطاقم الأمني" و"زوجة بومدين" كل يفكر بطريقته في تشريح "الجثة"، واختلفت الروايتان، فعقيلة الرئيس تزعم أن قاصدي مرباح منعها من تشريح "جثة الكلب عنتر"، بينما رواية أخرى تفيد أنه تم تشريح جثته وعرف المرض، وهو المرض نفسه الذي أصاب بومدين.ويبدو لي أن "لغز اغتيال" وديع حداد و"الكلب عنتر" والرئيس بومدين يكمن في المرض الذي يقال إنه أصاب كذلك الرئيس الفرنسي بومبيدو. وإذا كان قد عرف المرض وهو "والدنستروم" وهو يحمل اسم الطبيب السويدي، فلماذا لم يلجأ الأطباء إلى هذا الطبيب إلا في آخر "نَفَس" للرئيس بومدين، بالرغم من أن بعض أعضاء مجلس الثورة أكدوا لي أن أنيسة بومدين كانت في "حالة طلاق" لكن وجودها إلى جانب بومدين أثار انتباهي، بالرغم من تأكيدها بأن ذلك "مجرد إشاعة" فهي لا تعترف بأنها مطلقة. قصص خرافية تُروى حول ما يسمى ب"قرية بومدين" التي كان "رشيد كازا" يشرف عليها، والنهاية التي حولت هذا "الرجل المقرب" من بومدين إلى مجرد "عميل" في إحدى المحاكم الجزائرية. ولولا شهادة الدكتور عميمور وآخرين لفائدته لمات بالسجن بعد أن بقي اغتيال بومدين لغزا.لقد فضلت الإدلاء بهذه الآراء للزميل خالد عمر بن ڤڤة لينطلق منها في حلقاته القادمة حول صورة بومدين في الصحافة الدولية.