تفاعل بقوة خبر وفاة طارق عزيز وزير الخارجية العراقي الأسبق في الشارع الأردني، ليبدو الرجل كمن ضخّ الدماء بذاكرة جيل من "الثوريين" في عمانوالمحافظات، بطريقة يمكن فهمها إن تحدثنا عن ثلاث محافظات "تتنافس" في استقبال جثمانه في ثراها. الأردنيون من اللحظة الأولى بدؤوا استذكار "محاسن" وزير الخارجية الذي عرف بغزو الشيب لرأسه منذ زمن، فنعاه كثر لم يكن آخرهم المعارض الشهير ليث شبيلات، والذي تحدث فيها عن عزيز باعتباره "الرجل العملاق الذي دوخ وزراء خارجية الدول العظمى برجولة دبلوماسيته"، ناعيا بشخص عزيز الرئيس العراقي السابق صدام حسين ونائبه طه ياسين رمضان. نعي شبيلات لم يكن وحيدا، فقد دأب الأردنيون على كتابة العبارات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي ناعين الرجل الذي توفي في سجنه من جهة، بينما بدأ شيوخ العشائر بالتواصل مع المقربين من أفراد عائلته والاستفسار عن "الترتيبات الخاصة بالجنازة" وفق مقربين أسرّوا وهو ما قد يظهر تقديره بكلمات نجل طارق عزيز. زياد عزيز، قال إن عمان قامت بتسهيل كل إجراءاتها وتذليل الصعوبات أمام كل الإجراءات التي طالب بها الجانب العراقي، وإن لم تعلن ذلك بصورة رسمية، معتبرا إن الإجراءات السريعة التي قُدّمت للأسرة عن طريق السلطات الأردنية، دعته للتعهد بعدم "الإساءة للحكومة العراقية" في جنازة والده، إكراما للجانب الأردني. الأردن الرسمي حتى اللحظة لم يقم بإعلان الخطوات والإجراءات التي قدّمها لأسرة عزيز، الأمر الذي تحدث في سياقه مصدر مغرق في الإطلاع عن كون السلطات لن "تعلن أو تنعى" خشية الحسابات السياسية للنظام العراقي وتضرر العلاقات به، إلا أن عمان أقرت للأسرة إحضار الجثمان ورحّبت بدفنه في الأراضي الأردنية، مشددة على كون ذلك "لأسباب إنسانية". نجل عزيز من جانبه، أكد أن الجثمان حتى اللحظة (الساعة 15:00 بتوقيت عمان) لم يحصل على التصريح العراقي للنقل، الأمر الذي يجعله غير قادر على التنبؤ عن يوم التأبين أو الدفن، مشددا على انه شخصيا يتعهد بعدم تحويل جنازة أو عزاء والده إلى “مكان لشتم النظام العراقي أو الإساءة إليه"، لاحترامه للبلد الذي يقيم فيه منذ 12 عاما (أي عمان). كلام زياد عزيز عن تعهده بضبط عزاء والده، وردّات الفعل فيه، تطابق تقريبا مع ما تحدث به أيضا السفير العراقي في عمان هادي جواد عباس، والذي أكّد أن أي شروط من الجانب العراقي "لم توضع" على أسرة عزيز، وأن الأسرة هي من تعهد بعدم الإساءة للنظام من تلقاء نفسها، مؤكدا أن حكومة بلاده لا تنوي أبدا "عرقلة" نقل الجثمان للأردن، وأن التأخير "روتيني". وكانت وسائل إعلام نقلت على لسان جواد عباس إن بلاده وضعت شرطين على السماح بنقل الجثمان، أولهما منع إقامة أي مظاهر جنائزية واسعة ودفن الجثمان حال وصوله الأراضي الأردنية، وثانيهما عدم تحويل الجنازة لمهرجان لحزب البعث العراقي، وهو ما نفاه جواد عباس. وبدأت المحافظاتالأردنية ترحب بدفن جثمان طارق عزيز فيها، إذ بدأتها الفحيص التي رحبّ محافظها بدفن عزيز فيها كون الراحل "مسيحي الديانة"، وأتمتّها الكرك التي طالبت بدفن عزيز في أراضيها تقديرا له، الأمر الذي قال في سياقه زياد عزيز إنه لم يحسم لصالح أي المكانين، خصوصا وأنه لا يريد أن يُحسب والده على جهة دون أخرى فيما يتعلق بالديانة، أو أن يكون في مكان بعيد على من أرادوا تشييع جثمانه، مستدركا "نبتّ في ذلك حين يصل جثمان والدي الأراضي الأردنية". وشدد نجل الوزير الراحل، والذي توفي صباح الجمعة في السجون العراقية عن عمر يناهز الثمانين عاما، على كون والده لم يحسب يوما إلا على كونه "قوميا عربيا"، مبينا أنه لن يسمح بحصر والده في أضيق من الإطار الذي ارتضاه طارق عزيز لنفسه.