انتقل أمس الرئيس الأسبق لحزب جبهة القوى الاشتراكية وأحد قادة الثورة التحريرية، حسين آيت أحمد إلى رحمة الله، بالمستشفى بلوزان بسويسرا عن عمر يناهز 89 سنة إثر مرض عضال، لتودع الجزائر بذلك آخر الرجال التسعة الذين فجروا الثورة التحريرية المجيدة، ويبدو أن الرجل سيدفن أين قضى حياته، فيما تضاربت معلومات حول وصية منه لمقربيه، بدفه في الجزائر، أو المغرب. وأكد نبأ وفاة "الدا الحسين" الذي اختار أن يعيش في سويسرا طيلة 40 سنة، النائب عن جبهة القوى الاشتراكية شافع بوعيش، الذي قال إن "القائد التاريخي لجبهة القوى الاشتراكية توفي أمس بسويسرا"، ويأتي إعلان وفاة المرحوم بعد أن كانت تشكيلته السياسية أعلنت منذ قرابة السنة نقلا عن عائلته أنه أصيب بجلطة دماغية أفقدته القدرة على الكلام، ومنذ 25 جانفي من السنة الحالية لم تصدر أي أنباء جديدة عن وضعه الصحي، عدا تصريح واحد للسكريتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية محمد نبو الذي قال منذ 11 شهر إن وضعه الصحي مستقرا، ويستبعد نهائيا أن يدفن الرجل بالجزائر، ويكون قد أوصى بدفنه في لوزان حيث عاش طيلة حياته، وسط تضارب في الأخبار عن مكان دفنه خاصة وأن ابني الفقيد يستقران بالمملكة المغربية . حسين آيت أحمد المجاهد الكبير والسياسي الفذ الذي قاد أكبر حزب سياسي معارض للنظام في الجزائر، بدأ نشاطه السياسي مبكرا بانضمامه إلى صفوف حزب الشعب الجزائري منذ أن كان طالبا في التعليم الثانوي، وبعد مجازر 8 ماي 1945، كان من المدافعين عن العمل المسلّح كخيار وحيد للحصول على الاستقلال، وفي المؤتمر السري لحزب الشعب الجزائري المنعقد في بلكور عام 1947، كان من الداعين إلى تكوين منظمة خاصة لتأطير وتكوين الكوادر العسكرية، أصبح عضوا للجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وعند إنشاء المنظمة الخاصة كان من أبرز عناصرها وكان ثاني رئيس لها بعد وفاة محمد بلوزداد . كتب التاريخ اسمه بأحرف من ذهب خلال فترة الثورة التحريرية، وبعد أن حمل ثلاثة حقائب وزارية ضمن الحكومة المؤقتة، لم يمنحه نظام الجزائر المستقلة ولا منصبا، فأختار النضال السياسي كمعارض، وبعد الاستقلال مباشرة، نظمت انتخابات المجلس التأسيسي في سبتمبر وكان حسين آيت أحمد من ضمن الفائزين مرشحا عن دائرة سطيف لكن ما لبث أن اصطدم مع ما كان يعتبره سياسة تسلطية للرئيس الراحل أحمد بن بلة، فاستقال من المجلس التأسيسي وأسس حزب جبهة القوى الاشتراكية في سبتمبر 1963. كان آيت أحمد قريبا وبعيدا في نفس الوقت عما يحدث في الجزائر، فكان أحد الموقعين على اتفاقية سانتجيديو، وطالب بلجنة تحقيق دولية في أحداث العشرية السوداء. كان قليلا ما يزور الجزائر وطيلة ال 15 سنة الأخيرة لم يزرها سوى ثلاثة مرات، سنة 2004 وبعدها سنة 2007 وأخرى قيل أنها كانت زيارة سرية سنة 2012 واختار أن يعيش في الغربة ويموت في الغربة.
وفاة "أقدم" معارض في تاريخ الجزائر المستقلة آيت أحمد أول جزائري حصل على البكالوريا وأول دكتور معارض هذه المرة، بإمكاننا أن نقول ولآخر مرة بأن الجزائر قد فقدت واحدا من الرجال القلائل النزهاء.. إنه السيد آيت أحمد الذي فارق الحياة وعمره قارب التسعين، في صمت كما عهده الجزائريون، منذ أن بدأ حياته السياسية مع حزب الشعب الجزائري، ومرورا على حركة انتصار الحريات الديمقراطية والمنظمة الخاصة، وصولا إلى الأفافاس (الجبهة المعارضة الوحيدة للسلطة منذ الاستقلال). فقد طالت التهم غالبية الرجال وتبادلوا وتنابزوا بالألقاب، ولكن اسم الرجل الذي رحل بعد أن تجاوز سنه التاسعة والثمانين بقي نظيفا، كما ولد نظيفا في عائلة متدينة أدخلته كتاتيب القرآن الكريم وعمره دون الرابعة من العمر، فتربى آيت أحمد على حبه للجزائر وللإسلام وللعربية أيضا التي كان يقول بأنها لغتنا التي يجب أن نطوّرها ولا نجعلها حبيسة الكتاتيب وقصائد الشعر. الفقيد عاش غريبا ومات في الغربة لم يكن آيت أحمد مجاهدا في المجال المسلح فقط، فقد شهد له رفاقه بأنه كان أول مشاهير الجزائر من الذين حصلوا على شهادة البكالوريا ضمن الطلبة الفرنسيين في العاصمة الجزائرية في عام 1946 وهي الشهادة التي لم ينعم بها أي من رجالات الثورة الجزائرية، وضحى بدراسته عندما باشر العمل السياسي وصار مطلوبا من الشرطة الفرنسية، وعندما اندلعت الثورة نسي عالم الدراسة نهائيا، وصار حمامة الثورة الذي يتنقل في كل مكان من نيويورك إلى بكين إلى القاهرة، حيث عاش في مصر قرابة الثلاث سنوات فكان صديقا حميميا للمجاهد محمد خيضر، وفي القاهرة تعرّف على جمال عبد الناصر، وحتى على رجالات الإخوان المسلمين، فكل الطرق بالنسبة لآيت أحمد كانت تؤدي إلى التعريف بالقضية الجزائرية وتصبو للاستقلال.
الحلم الذي لم يتحقق؟ تحقق حلم الاستقلال، فحاول آيت أحمد أن يكون له مكان تحت ظلال الجزائر، ولكن صديق العمر أحمد بن بلة انقلب عليه، أو ربما المرحوم آيت أحمد هو الذي انقلب على بن بلة، المهم أن آيت أحمد وجد نفسه غريبا في بلده، فحاول الاحتماء بمكان مولده، وعندما انقلب الراحل هواري بومدين على الراحل بن بلة عرف آيت أحمد الذي بلغ حينها قرابة الأربعين سنة بأن حلمه الكبير، قد تبخر، على الأقل مؤقتا، فتم الإبقاء عليه في السجن، الذي زجّ به فيه أحمد بن بله، على خلفية معركة وتشابك بالأيدي كان قد وقع بين بومدين وآيت أحمد في القاهرة في زمن الثورة، وكانت فرصته الوحيدة لأجل النجاة من مصير الآخرين هو الهروب فاختار أن يعيش في منفاه في سويسرا، حيث واصل دراسته وحصل على الدكتوراه من جامعة نانسي الفرنسية، إلى أن وافته المنية ولم ينعم الراحل أبدا ولو بشهر كامل بين أهله في الجزائر، إلى درجة أن لهجته القبائلية ولكنته العربية تغيرتا فصار يتكلم إما فرنسية على طريقة السويسريين، أو عربية لا تختلف عن عربية الأتراك. وحاول الراحل آيت أحمد مسايرة نسيم الديمقراطية التي هبت على الجزائر، فشارك من خلال الأفافاس بقوة في مختلف الاستحقاقات وحصل على الكثير من المقاعد البلدية والولائية والبرلمانية، ليس في منطقة القبائل كما كان الشأن بالنسبة للأرسيدي، وإنما في كل ولايات الجزائر، كما شارك في الانتخابات الرئاسية لعام 1999 قبل أن ينسحب مع المنسحبين الستة، وواجهته في تلك الحقبة خلال الحملة الانتخابية أزمة قلبية، كادت تودي بحياته، ولكنه كما تواجد في سانت إيجيديو وضمن المنسحبين قرّر دون بقية الرجال والنساء، أن يبقى معارضا حقيقيا، فاحترمته أغلبية الجزائريين وحتى النظام.
"الدا الحسين".. صندوق أسود آخر يرحل وُلد حسين آيت أحمد في 20 أوت 1926 بعين الحمام في منطقة القبائل، يعدّ أحد الذين صنعوا استقلال الجزائر، وأحد قادة الثورة. تم انتخاب "الدا الحسين" في أول مجلس تأسيسي بعد استقلال الجزائر في سبتمبر 1962، لكنه سرعان ما تحول إلى المعارضة المسلحة ضد الرئيس أحمد بن بلة وأسس جبهة القوى الاشتراكية في 1963، واعتقل في 1964 وحكم عليه بالإعدام، ثم تم العفو عنه، ففر من الجزائر في أفريل 1966 نحو لوزان بسويسرا. عاد آيت أحمد إلى الجزائر في 1989 بعد الاعتراف بالأفافاس وفقا للدستور الجديد الذي أقر التعددية الحزبية بعد 27 سنة من هيمنة حزب جبهة التحرير الوطني. وعاد آيت أحمد إلى منفاه الاختياري في 1992 بعد إلغاء الدور الأول من الانتخابات التشريعية التي فازت بها آنذاك الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة بالأغلبية، وحصل فيها حزبه على المركز الثالث بعد جبهة التحرير الوطني. عاد الدا الحسين إلى الظهور مجددا بمناسبة الانتخابات الرئاسية في 1999 للمشاركة فيها مرشحا باسم جبهة القوى الاشتراكية، لكنه انسحب منها رفقة خمسة مترشحين آخرين، عشية الاقتراع.
الأسرة الثورية والطبقة السياسية تشيد بخصال الزعيم الراحل "آيت أحمد كان يؤمن بأن حب الوطن ليس مرهونا بمناصب أو مواقف موسمية" أشادت أحزاب سياسية وشخصيات وطنية بخصال الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد، مؤسس جبهة القوى الاستراكية، التي وافته المنية أمس بسويرا، واعتبرت فقدانه خسارة للجزائر التي قضّى أغلب فترات حياته بعيدا عنها. حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يعتبر آيت أحمد من أبرز رجالاته التاريخيين، وبعد أن عزى عائلة الفقيد، قال إن الرجل "نذر حياته لخدمة وطنه وكان القدوة الذي يؤمن بأن حب الوطن ليس مرهونا بمناصب أو مسؤوليات أو مواقف موسمية أو ردات فعل". وأضاف الأفلان في التعزية أن الفقيد كان "رمزا للتسامح والمصالحة وثقافة السلم والتآخي ومدرسة للوطنية الخالصة"، وجاء في التعزية أن الراحل كان "واحدا من أبنائها البررة الذين صنعوا مجدها وكان قدوة وشهما وشجاعا ومضرب المثل في الديمقراطية". من جهته، أعلن حزب جبهة القوى الاشتراكية نبأ وفاة زعيمه ومؤسسه صبيحة أمس بمستشفى لوزان بسويسرا، أما القيادي بالولاية الرابعة التاريخية، لخضر بورقعة، الذي يعتبر من رفاق آيت أحمد في السلاح بعد الاستقلال، بدا جد متأثر بعد سماعه خبر الوفاة، وقال في تصريح مقتضب ل "الشروق" أمس: "حقدت على اليوم الذي عرفت فيه الرجل، وحقدت أكثر على ما فعله النظام الجزائري منذ نشأته في رموزه". ووصف حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في برقية تعزية، آيت أحمد بالمناضل من أجل الاستقلال والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وقال إنه يعتبر من بين الشخصيات التاريخية في الجزائر، التي دفعت ثمنا غاليا بسبب مواقفها بعد الاستقلال، وأكد بأن الرجل سيبقى معلما للكثير من الجزائريين. رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام السابق للأفلان، عبد العزيز بلخادم، لم يتخلف بدوره عن تسجيل موقف، وقال: "لقد فقدت الجزائر رجلا وطنيا كبيرا، خدم الجزائر والديمقراطية بتفان أثناء الاستعمار، وواصل النضال من أجل الديمقراطية بعد الاستقلال. بدوره رئيس الحكومة والأمين العام للأفلان الأسبق، علي بن فليس، انحنى أمام روح الفقيد، الذي وصفه بأنه "آخر العمالقة الذين ألهبوا ملحمة الثورة، مشيرا على التاريخ سيسجل الرجل كأحد الأبطال الذين فجروا ثورة الفاتح من نوفمبر 1954.
مسقط رأسه يلبس ألوان الحداد والحزن عين الحمام تحت وقع الصدمة بين مكذب للإشاعة ومصدق للخبر، انقسم سكان آيت يحيى بعين الحمام في تيزي وزو مسقط الزعيم "آيت أحمد"، فمن تخبره برحيله يرد عليك قائلا: "صحيح؟ مات آيت احمد؟ لا أصدق ذلك".. فرغم سنه المتقدم ومرضه الشديد، إلا أن تكذيب إشاعات وفاته في كل مرة، جعل الأمر في أن تكون كسابقاتها قائما وسط الكثير من محبي هذا الرجل الرمز. إلا أن الإعلان الرسمي لنبإ وفاته، وضع سكان المنطقة أمام حقيقة الأمر الواقع وهو رحيل الأسطورة التاريخية والسياسية، التي طالما أثارت الجدل، وحظيت باحترام وتقدير الجميع على مختلف المستويات والتوجهات السياسية، ورحيل آخر رمز من رموز الثورة الجزائرية في الأوضاع الراهنة، أمر أرق الكثير من المواطنين، فرغم مرضه والتزامه الصمت في الكثير من المواقف التي كان ينتظر فيها إظهار موقفه، إلا أن وجوده كان يبعث على الأمل في غد أفضل. "صبيحة اليوم فقط ودعت عين الحمام إحدى قامات الفن الجزائري، "طالب رابح" ومساء نتلقى نبا أحد الرموز التاريخية" يقول أحد المواطنين اتصلنا به "نحن تحت وقع الصدمة، رحيله أمر صعب علينا تصديقه، وهي خسارة كبيرة للمنطقة والوطن معا، لكنها سنة الحياة" يضيف محدثنا.. قرية آث أحمد كانت مسقط رأس هذا الزعيم التاريخي، تتحضر اليوم بالتنسيق مع محافظة الحزب بالولاية وكذا لجنة القرية وعائلة الراحل لاستقبال جثمان ابنها الذي وافته المنية مساء أمس بمنزله العائلي في سويسرا اثر ثلاث أزمات قلبية متتالية، كانت كفيلة بأن تطفئ نجم هذه القامة التاريخية والأسطورة السياسية التي احتفظت لنفسها بالكثير من الجدل والغموض. من جهتهم منتسبو حزب الأفافاس بولاية تيزي وزو، عبروا عن حزنهم وأسفهم الشديدين لرحيل الأب الروحي للحزب ورمز النضال السياسي، وفاته في هذه الأثناء خلطت الأوراق خصوصا وان الحزب أمام تحدي الوفاق الوطني الذي يراه فرصة لتغيير وضع ومستقبل البلاد، ووجود آيت احمد دعم وسند كبير للمبادرة.