العديد من القرارات ضد مؤسسات الأممالمتحدة في الصحراء الغربية، وقعها نظام المخزن في ظرف قصير، واتضح من خلال تلك القرارات أنها لم تكن موجهة ضد شخص الأمين العام بان كي مون، كما حاول إعلام المخزن إيهام الرأي العام الدولي، وإنما كانت موجهة ضد الهيئة الأممية برمتها، بدليل طرد 84 موظفا يعملون في "بعثة المينورسو" وغلق مكتب الاتصال العسكري الأممي بالصحراء الغربية.. البعض يعتقد أن هذه القرارات لم تصدر إلا بعد أن اطمأنت المغرب لدعم الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا للخطوة، غير أن الطرح الآخر، وهو الأقرب إلى الواقعية، فيرى أن ما قام به المخزن، يكشف حالة التخبّط والإحباط، اللذان يعاني منهما، بعد أن اقتنع المسؤول الأول على الهيئة الأممية، بأن ما يقاسي منه الصحرايون هو "احتلال" يتعيّن تصفيته، وذلك عبر منح الصحراويين حقهم في تقرير مصيرهم، فهل ما قامت به المغرب دليل قوة أم دليل ضعف؟ وهل الدخول في خصومة مع هيئة محايدة يخدم الموقف المغربي الباحث عن داعمين في المجموعة الدولية؟ هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها "الملف السياسي" لهذا العدد. محاولات يائسة ومرتكبة في الوقت الضائع المغرب يناور لامتصاص صدمة بان كي مون تصعيد غير مسبوق في الصراع بين السلطات المغربية من جهة، وهيئة الأممالمتحدة ومن خلفها أمينها العام، بان كي مون، وجبهة البوليساريو من جهة أخرى، القرار تلو القرار والمصدر واحد هو المخزن، والعنوان هو التحدي، فكيف يمكن قراءة هذا التصعيد المفاجئ؟ كل شيء بدأ بالتصريح الذي أدلى به الأمين العام للأمم المتحدة، خلال الزيارة التي قادته للمنطقة المغاربية ومخيمات اللاجئين الصحراويين في الأراضي الصحراوية المحررة، والذي وصف فيه التواجد المغربي على الأراضي الصحراوية بأنه "احتلال"، كلمة كان وقعها بمثابة الزلزال على الرباط. وقبل هذه الحادثة كان كل شيء مهيأ للاشتعال.. ويبدو أن المخزن كان يتوقع تصعيدا من الهيئة الأممية ضد ممارساته في الصحراء الغربية، ولذلك فضل عرقلة زيارة بان كي مون، التي كان من المفترض أن تشمل المملكة المغربية، علاوة على كل من الجزائر وموريتانيا ومخيمات اللاجئين الصحراويين. زيارة الدبلوماسي الكوري للمغرب تأجلت منذ البداية إلى مطلع شهر جويلية المقبل، غير أن الصلف والتعنّت المغربي، قضى على الزيارة نهائيا، لأن الاتهامات التي كالها المغرب بدبلوماسيته و"مخزنيته" وواجهته الإعلامية، والحملة التي سلطت على شخص بان كي مون، وضعت الأخير أمام حتمية إلغاء تلك الزيارة، على الأقل حفاظا على كرامته. لكن ما الذي يستهدفه النظام المغربي من وراء حملته على المسؤول الأول في الهيئة الأممية وفي تقليص موظفي "بعثة المينورسو"، وكذا المطالبة بغلق مكتب الاتصال العسكري؟ سؤال بات طرحه أكثر من مشروع، في ظل استمرار الرباط في التصعيد.. لقد وضع بان كي مون، مملكة محمد السادس في الزاوية، بعد أن وصف تواجدها في الصحراء ب "الاحتلال"، ويعتبر هذا الوصف الجريء، مؤشرا على طبيعة التقرير الذي ستعرضه الأمانة العامة للأمم المتحدة على مجلس الأمن الدولي الشهر المقبل، ولذلك يحاول نظام المخزن استباق الضربة، من خلال رمي الهيئة الأممية بالانحياز لصالح جبهة البوليساريو، في محاولة استباقية لإفراغ التقرير الذي سبقت الإشارة إليه من مصداقيته. من بين القراءات التي أعطيت للتصعيد المغربي، هي محاولته الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وإن صحت هذه القراءة، فإن المخزن يكون قد توصّل إلى معلومات تفيد بأن موقفه بات على قدر كبير من الضعف أمام المجموعة الدولية، وأن مشروع الحكم الذاتي الذي يُروّج له، لم يعد يتماشى وطبيعة المرحلة وتطوراتها، ومن ثم فهو يحاول ترحيل التفاوض مع الهيئة الأممية، من مطلب حق تقرير مصير الشعب الصحراوي، إلى التفاوض حول إعادة موظفي "بعثة المينورسو" إلى الصحراء، وإلغاء غلق مكتب الاتصال العسكري، اللتان أخرجهما تصعيد المغرب الأخير. وإن أكدت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها تعتبر "مشروع الحكم الذاتي طرحا جديا" لحل الأزمة الصحراوية ومعها حليفة المغرب التقليدية فرنسا، إلا أن زيارة العاهل محمد السادس لروسيا التي جاءت في عز التصعيد المغربي الأممي، تخفي الكثير من نقاط الظل، وتعبّر عن مدى الرعب الذي يسكن المخزن قبل موقعة أفريل المقبل، فالصلف والتعنّت المغربيين سوف يحرج داعمي المخزن في مجلس الأمن الدولي، وقد يدفعهم إلى مراجعة مواقفهم من القضية الصحراوية، وهو أمر سيدفع المغرب نحو عزلة دولية أكبر. وبرأي متابعين فإن حيل المغرب ومناوراته سوف لن تخدع المجموعة الدولية، لأن القضية الصحراوية عمرها أكثر من أربعة عقود، وهي تعتبر أقدم استعمار في القارة السمراء.. ولم يعد إنهاء هذه القضية مطلبا للدول التي عانت من الاستعمار فحسب، أو ورقة لطالما رفعها الاتحاد الإفريقي فقط، وإنما قضية اجتاحت حجيتها وعدالتها كل الدول الديمقراطية تقريبا، وخاصة الدول الأوربية التي كانت إلى وقت قريب الداعم من دون شروط للمغرب في هذه القضية، باستثناء فرنسا.
كاتب الدولة للجالية سابقا، حليم بن عطاء الله: لا توجد وصفة سحرية للقضية الصحراوية غير الحوار يرى الدبلوماسي الجزائري، حليم بن عطاء الله، أنّ أعضاء مجلس الأمن الدائمين وراء حالة الجمود التي تعرفها القضية الصحراوية، معتبرا أن المغرب يفتعل السجالات مع الأممالمتحدة، في حين يقتضي الوضع في المنطقة فتح باب الحوار، والتخلّي عن منطق "خذْ أو اترك". كيف تقرأ تمسك الأمين العام بتوصيفه للمغرب بدولة محتلة لإقليم الصحراء الغربية..؟ بحسب المتحدث الرسمي باسمه، فإن الأمين العام للأمم المتحدة قد قدم توضيحات بشأن هذه المسألة على أساس الشرعية الدولية، وتقديره أن "الوضع في إقليم الصحراء الغربية يبقى معرّفًا على أنه إقليم مستقل"، شخصيا، أنا أعتقد أن هذه الواقعة هي ذريعة جديدة فقط للمجادلة مع الأممالمتحدة، وقد سبق للمغرب أن تشابك معها عام 2012 على تعيين المبعوث الشخصي للأمين العام، دينيس روس، مثلما أخّر تعيين الكندي كيم بولدوك على رأس بعثة المينورسو عام 2014، ويتخذ اليوم إجراءات انتقامية ضد البعثة، ويهدد بسحب القوات المنتشرة في بعثات حفظ السلام، قبل ذلك، كان قد علق جميع الاتصالات مع المؤسسات الأوروبية، لذا أعتقد أن هناك رياحا عاصفة قادمة من الرباط يقابلها ضبط النفس من الجزائر.
البعض يفسّر الردود الانفعالية للمملكة، بيقينها أنّ تصريح بان كي مون ليس "قولا معزولا"، هل تؤيد هذا التحليل؟ في الحقيقة أن قضية الصحراء الغربية هي في يد مجلس الأمن، والذي يبقي على الوضع الراهن، ولا يصرّ على المغرب لإجراء الاستفتاء على تقرير المصير، كما أنّ الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تدعم مشروع الحكم الذاتي، في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن في 17 مارس، والذي خصّص للنظر في النزاع بين الأمين العام والمغرب، هناك أعضاء غير دائمين انحازوا للمغرب، ذلك هو المأزق، إذ أنّ المغرب في نزاع مع الأممالمتحدة من خلال أمينها العام، في حين أن مجلس الأمن، من خلال تجميد القضية، يتيح له بشكل غير مباشر ترسيخ الأمر الواقع. من جانبها، الجزائر لديها الثقة الكاملة في الأمين العام ومبعوثه الخاص، ولكن لا تستطيع أن تفعل أي شيء في مجلس الأمن، أما جبهة البوليساريو فهي تسجل أهدافا بين المنظمات غير الحكومية الأوروبية، وفي مجال انتهاكات حقوق الإنسان، ولكنها لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك إلا حمل السلاح، وهو خيار ينطوي على مخاطرة كبيرة، لا سيما في الظرف الحالي الذي تعيشه المنطقة.
هل تعتقد أن زيارة الأمين العام وتصريحاته تنطوي على مقاربة جديدة لتسوية النزاع في المنطقة؟ علينا النظر في الحقائق التالية: التوتر الذي أحدثه المغرب في المنطقة، في محاولة لتسجيل نقاط في اتجاه استراتيجيته، ثمّ التوتر الشديد مع بان كي مون، وانعدام الحوار مع الهيئة، وخارجها مع الأطراف الأخرى، تعني عدم توفر ظروف مواتية للتسوية، في المغرب، هناك إرادة للتحدي الدائم للجزائر، كما هو حال كل الرسائل التي عنوانها "الحكم الذاتي أو لا شيء"، بمعنى قبول خطة الحكم الذاتي المغربية أو الحرب الباردة حتّى الموت، وخصوصا على الجبهات. كما نلاحظ لعبة حلفاء المغرب في أوروبا وبين بعض دول الخليج، الذين يدافعون عن أطروحته ودعمه، بدلا من الدعوة إلى ضبط النفس والحوار. إذا كانت "البوليساريو" ترفض الحكم الذاتي والمغرب لا يقبل بالاستقلال، ما الابتكارات الممكنة والمتوقعة أمام الهيئة الأممية؟ لا توجد وصفة معجزة غير الحوار وتخفيف التوتر، هذا ليس من السهل، على العكس من ذلك، ولكن انظروا إلى نتائجه بين الولاياتالمتحدة وكوبا، ولكن الأمر يتطلب من جميع الأطراف أن تكون على استعداد للحديث! من الجانب المغربي، ملفّ الصحراء الغربية هي قضية "مقدسة"، في حين أن الجزائر تعتبرها ملفا أمميّا، وبالتالي هي ضمن الأجندة الخاصّة للدبلوماسية، ولكن ليس على نفس المستوى من الأهمية لدى المغرب، إلا أنّ الأممالمتحدة غير قادرة على حلّها. بعد مرور اللحظات الانفعالية، يجب على المغرب أن يفتح الباب أمام الحوار، بدلا من تسويق "حوار دبلوماسي" على قاعدة "خذْ أو اترك"، وإلّا التوتر الدائم.
عبد العزيز جراد المستشار الدبلوماسي للرئيس زروال: المغرب يريد إقحام الجزائر خصما بديلا عن جبهة البوليساريو في هذا الحوار يعتقد المستشار الدبلوماسي السابق للرئيس اليامين زروال، أن الدعم الذي يلقاه المغرب من قبل بعض القوى، مثل فرنساوالولاياتالمتحدة ودول الخليج، من بين أكبر المشاكل التي عرقلت حل القضية الصحراوية. كيف تقرؤون التصعيد المغربي الأخير تجاه الأممالمتحدة إزاء القضية الصحراوية؟ الموقف المغربي منطلقه واضح وهو رفض كل حل يشتمل على مبدإ حق تقرير المصير، وكون الأممالمتحدة تعمل في صالح هذه المقاربة. فالمغرب بدأ في خلق المشاكل وإبداء التحفظات والقيام بحراك دبلوماسي. وهذا مرده إلى أن المغرب يقترح الحل السياسي الذي يراه هو فقط، وهو الحكم الذاتي، أي إدماج الصحراء الغربية في المملكة المغربية. وهذا في الحقيقة لا يعدو أن يكون مجرد رغبة من المغرب في استسلام جبهة البوليساريو دون مفاوضات، عكس منطلق الصحراء الغربية والمجموعة الدولية. ومرد التصعيد المغربي إلى أنه وجد المبرر في تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ولكن السبب الحقيقي غير ذلك، وهو التماطل في إيجاد حل نهائي لهذه القضية، لأن المغرب أيضا وجد دعما لأطروحاته من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا وبعض دول الخليج. وانطلاقا من دعم هذه الجهات الثلاث فهو يصر على موقفه ويرفض الحل الذي قدم في إطار الأممالمتحدة. وهل هذا التصعيد دليل قوة أم ضعف في رأيكم؟ هذا الرد منطلقه وسببه ضعف موقف المملكة المغربية في إطار المجموعة الدولية، لأنه دبلوماسيا يرفض ولا يريد الحل المقدم في إطار الأممالمتحدة. وأشير هنا إلى أن تدعيم موقف المغرب من طرف بعض الدول الكبرى ودول الخليج جعل من سلوك المغرب يشابه سلوك إسرائيل، أي لا ينتظر العقوبة من أي جهة كانت أو أي طرف كان. وصارت المملكة طفلا مدللا للولايات المتحدةوفرنسا وبعض دول الخليج، ولذلك سلوكه هو سلوك الطفل المدلل. هل تعتقدون أن طرد موظفي المينورسو من طرف المغرب خطوة مدروسة العواقب؟ هي خطوة زائدة من المغرب وتدخل في إطار الأخطاء الدبلوماسية المغربية، لأن رد فعل مثل هذا هم يبحثون به عن خصم غير حقيقي. فهم يتجاهلون خصمهم وعدوهم الحقيقي ويعتبرون الجزائر الخصم في هذه القضية. والحقيقة والمنطق يقولان إن خصمهم هو جبهة البوليساريو وعليهم أن يجدوا الحل مع البوليساريو فقط. وهناك أمر آخر تجب الإشارة إليه. وهو أن المغرب يتكلم فقط عن الأرض كنطاق جغرافي، ونسي أو تناسى أن هناك شعبا أعزل يطالب بحقوقه، وهو رافض للأمر الواقع الذي هو احتلال، لأنه لو كانت قضية أرض فقط لما دامت لأكثر من 40 سنة، وعلى حكام المغرب أن يتداركوا، لأن القضية قضية شعب يطالب بحقوقه وفق ميثاق وتوصيات الأممالمتحدة. هل ترون أن وقوف القوى العظمى مع الطرح المغربي له علاقة بالتعنت والمواقف الأخيرة؟ هذا أمر أكيد، فموقف فرنسا مثلا في مجلس الأمن الدولي كان سلبيا جدا وفرنسا اتخذت موقفا منحازا إلى المغرب. وهذا لا يتماشى مع دبلوماسية حكيمة بل هو مساس بأمن واستقرار المنطقة ومبدإ حق تقرير المصير. ولا شك أن مثل هذه المواقف على غرار الموقف الفرنسي، ساهمت في تأخير حل هذه القضية وجعلت من المغرب يتعنّت أكثر، وفي كل مرة خصوصا بدعم من فرنسا، من خلال خطابها ومواقفها وعملها الميداني الدبلوماسي والأمني. وهي مواقف تؤثر سلبا على مواقف المملكة المغربية.