الرئيس الموريتاني المخلوع محاورا مراسل الشروق في موريتانيا في الخامس والعشرين من مارس 2007 انتخب الشعب الموريتاني بأغلبية كبيرة رئيسا جديدا لموريتانيا بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية وسنتين من حكم الجيش إثر انقلاب عسكري قاده العقيد اعل ولد محمد فال. * * موقف بوتفليقة الرافض للانقلاب كان واضحا ومشرفا * * سأدرس كل الخيارات المطروحة لإعادة الشرعية للبلاد * * الانقلابيون منعوا عني القنوات الأجنبية وكنت أتابع الخطب المؤيدة لهم في القناة الرسمية * كانت كل المؤشرات في جولة الإعادة تشير إلى أن الاقتصادي العائد من منفاه الاختياري بالنيجر بعد رحلة عمل في دولة الكويت السيد: سيد محمد ولد الشيخ عبد الله سينال الأغلبية في الجولة الأخيرة من الانتخابات التي شهدت استقطابا قويا بين الفرقاء السياسيين وخصوصا بعد ما ضمن الرئيس ولاء مجموعات بارزة في مقدمتها كتلة المستقلين (الأغلبية في البرلمان) وكتلة (لحراطين) بقيادة رئيس البرلمان الحالي ورئيس حزب التحالف الشعبى التقدمي مسعود ولد بلخير وثقة بعض الضباط الممسكين فى البلاد فيما كان يعرف ساعتها بالمجلس العسكرى للعدالة والديمقراطية. * * في التاسع والعشرين من يوليو (جويلية) 2007م قدم ولد الشيخ عبد الله اعتذارا رسميا باسم الدولة الموريتانية لأول مرة في تاريخ البلاد للأفارقة الزنوج الذين رحلوا من ديارهم، وتعهد بإنصاف ضحايا السنوات السود التي راح ضحيتها الآلاف من الموريتانيين الزنوج ما بين قتيل ومشرد في دول الجوار وسجين ينتظر قرار جلاديه. * وفي ذات الوقت دفع بمشروع قانون يحارب كل مظاهر الاستعباد في موريتانيا وينصف الضحايا، نازعا ورقة "العبودية" التي طالما أشهرت في وجه الأنظمة السياسية فنال المشروع ثقة نواب البرلمان وبات القانون الجديد حديث الموريتانيين. * ورغم ذلك، واجه ولد الشيخ عبد الله العديد من الملفات الكبرى والتحديات الجسيمة، ومن أبرزها موضوع التنمية في موريتانيا؛ والقلاقل التى بدأ قادة المؤسسة العسكرية يضعونها فى طريقه من أجل إجباره على التراجع عن سلسلة من الخطوات التى لا يرضون عنها. * وبعد خمسة عشر شهرا من الحكم الفعلى للبلاد، قرر العسكريون المناوئون له وضع حد لسلطاته من خلال "ثورة برلمانية" نسقها الجنرال محمد ولد عبد العزيز، قائد الحرس الرئاسي ساعتها، لكن الرئيس ولد الشيخ عبد الله أستطاع نزع فتيل الأزمة من خلال إقالة الحكومة التى كان يرأسها الوزير الأول يحي ولد أحمد الواقف والاعتذار لحزبي "تواصل" (الإسلاميون) واتحاد قوى التقدم (اليسار الإسلامي) عن المشاركة فى الحكومة الأخرى، ثم أتبع الخطوة بقرار وصف بالجريء كان بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير. * ففي فجر السادس من أغشت (أوت) 2008 أقال ولد الشيخ عبد الله قادة الأركان الخمسة (قائد الحرس الرئاسي الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وقائد أركان الجيش الجنرال محمد ولد الغزواني، وقائد الحرس الوطني الجنرال فلكس نيكري، وقائد الدرك العقيد أحمد ولد بكرن، وقائد الأمن الوطني العقيد محمد ولد الهادى)، وبعدها بساعات كان ولد الشيخ عبد الله قد تم احتجازه في بيت صغير وسط قيادة أركان الحرس ليعلن الجنرال النافذ ولد عبد العزيز نفسه رئيسا لموريتانيا بمجلس عسكرى شكله من قادة الوحدات العسكرية الموالين له. * وبعد ثلاثة أشهر من الإنقلاب قرر أعضاء المجلس العسكري الحاكم بالقوة حاليا نقل الرئيس الموريتانى المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى قرية "لمدن" وسط البلاد (250 كلم شرق العاصمة نواكشوط) وسط اجراءات استثنائية عكرت صفو القرية الوادعة داخل الصحراء الموريتانية. * "الشروق" التقت الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في منزله المتواضع بين أفراد العائلة، وسط حضور مكثف للأقارب وتحت أعين رجال الأمن الذين أصر ثلاثة منهم على حضور المقابلة. * كان الشيخ الوادع فى نظر "الإنقلابيين"، الرئيس المنتخب فى نظر انصاره، واثقا من عودته إلى السلطة، وأن أيام العسكريين فيها محدودة، مستبعدا اللجوء إلى خيار القوة، واصفا ما يجرى حاليا بأنه "صراع الشرعية والقوة"، ومستبعدا أي تنازل عن حقه في الرئاسة التي أنتخب لها بأغلبية اصوات الموريتانيين ولخمس سنوات. * * *الشروق اليومي: كيف تلقيت نبأ "الإفراج" عنك من قبل المجلس العسكرى الحاكم؟ وكيف كانت المعاملة داخل سجنك القديم؟ * **سيدي ولد الشيخ عبد الله: هو ليس افراج، بل هو تبديل معتقل من "فيلا" بالعاصمة نواكشوط إلى منزل ب"لمدن"، لقد اتصل بي عضوان من مجلسهم الجديد يوم الأربعاء الماضي وأبلغناني أنهما يحملان رسالة من المجلس العسكري الذي شكلوه بعد الإنقلاب ومن رئيسه مفادها أنهم قرروا اطلاق سراحى على شرط أن أتوجه الى قرية "لمدن" بولاية لبراكنة، حيث مسقط رأسي، لكننى كنت صريحا معهم في الرد.. إذا كان الإفراج فعلا قد تقرر فمنزل العائلة فى نواكشوط لا يبعد أكثر من واحد كلمتر من مكان المعتقل السابق، أما اذا كانت لعبة مكشوفة مفادها اقناع الرأي العام الوطني والدولي بأن شيئا ما قد تغير فهو أمر مرفوض، واعتبر نفسي سجينا حتى ولو سمحوا لى بلقاء بعض الناس، فالسماح للأهل بزيارة السجين لا تعنى تحريره من المعتقل. * أما ظروف الإعتقال فقد كانت جيدة عموما باستثناء اليوم الأول، حيث كنت محتجزا فى غرفة ضيقة بثكنة تابعة للحرس الرئاسي قبل نقلي إلى "فيلا" بقصر المؤتمرات، كنت أجد فيها لذة النوم وأشاهد التلفزيون الرسمي الذي كان يبث الخطب الموالية للجيش وبعض المظاهرات الشعبية في الداخل، أما القنوات الخارجية فقد كانت ممنوعة داخل المعتقل، وكنت أستمع لبعض المحطات من خلال اذاعة اقتنيتها أثناء فترة السجن. * * *هل التقيت بقادة المجلس الجديد داخل المعتقل؟ وهل تعرضتم لضغوط داخلية من أجل اجباركم على الإستقالة؟ * **أبدا لم يكن هنالك اتصال بيني وبين قادة الإنقلاب منذ يوم السادس من أوت 2008 قبل يوم الأربعاء الماضي حينما أبلغني الضابطان بقرار نقلي من نواكشوط إلى "لمدن"، أما الحديث عن الإستقالة أو التنحي عن السلطة فغير وارد مادام الشعب الموريتاني وهو صاحب السلطة الأخيرة قد قرر انتخابي لخمس سنوات أمضيت منها خمسة عشر شهرا، وانا الآن أعتبر نفسي رئيسا لموريتانيا، ولم أفقد السلطة بشكل رسمي، وحينما استعيدها بشكل فعلي سأبذل الممكن من أجل خدمة الشعب الذي اختارني لهذه المهمة، أما ما نقله الحقوقيون الذين التقوني فهو مجرد كلام بعيد عن الحقيقة، فلم أتحدث معهم على الإطلاق في موضوع التنازل عن السلطة من غيره، ولا أعتقد أن حديثي الآخر معهم كان يوحي بذلك. * * *هل أنت نادم على قرار إقالة قادة الجيش؟ * **أبدا، لست نادما على قرار الإقالة، بل مارست صلاحياتي ضمن نطاق الدستور.. أما حديث رئيس الحرس الرئاسي عن كون القرار كاد يودي بالسلم الأهلى ويؤدي إلى سفك الدماء فهو تعبير صريح عن مواقفهم من القرار وأنهم كانوا مستعدين لاستخدام السلاح والزج بالبلاد في مواجهات مسلحة من أجل بقائهم في السلطة. * كيف يمكننا أن نفسر الأمر غير هذا التفسيير.. أنا من عينتهم في هذه المناصب خلفا لضباط آخرين من أبناء المؤسسة العسكرية وخدموا داخلها ومن هذا الشعب، ومع ذلك لم تحدث مشكلة، فكيف تحدث الآن، لأنهم هم أقيلوا من مناصبهم العسكرية وتم استبدالهم بضباط آخرين من نفس المؤسسة؟؟ ببساطة أخي الكريم ما حصل في موريتانيا هو صراع قديم متجدد بين منطق الشرعية والقوة. * * *ولد الشيخ عبد الله.. حرمكم متهمة بالفساد.. ومساندون لكم رهن الاعتقال بسبب الفضائح المالية.. كيف ترد؟ * **أنا أعلم أن البلاد شهدت موجة من الفساد خلال العقود الثلاثة الماضية حتى تحول اصحابه إلى رموز وبات ثقافة وحضارة لدى عدد من الناس، لكن قطعا تم تقليم أظافر المفسدين والضغط عليهم وتقليل حجمهم داخل البلاد.. وأنا أتحدث معكم الآن والموريتانيون يدركون ذلك.. لم اتصل بأي شركة مملوكة للدولة أو القطاع الخاص لأطلب منها توجيه استثمار أو توظيف شخص أو إقالة آخر، ولم أقبل طيلة الفترة الماضية من حكمي تعيين متهم بالفساد على ادارة معنية بالتسيير، كما لم تتلقى هية ختو بنت البخاري أي فلس واحد من المال العام طيلة الفترة الماضية ولن تتلقاه في الفترة القادمة. * إن ما يحدث - أخي الكريم - هو محاولة يائسة لوجود مبرر لانقلاب عسكري لامبرر له، والهدف من توجيه التهمة لحرم الرئيس هو ممارسة ضغوط اعلامية وسياسية علينا، ونحن ندرك ذلك، المهم عندهم هو تأزيم الأوضاع السياسية في البلاد وهذا ما يفعلونه الآن من خلال حملة اعتقالات طالت عددا من المناوئين للإنقلاب العسكري، أما المساندون لهم فلن تراهم ضمن المتهمين!! * * *الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقه رفض استقبال بعض أعضاء المجلس العسكري الذي قاد الإنقلاب.. كيف تابعت الموقف؟ * **لقد كان موقفا واضحا وشريفا معبرا عن مواقف الشعب الجزائري الشقيق، وهي فرصة استغلها من خلال صحيفتكم "الشروق اليومي" لأعبر له عن شكري وامتناني لموقفه الأصيل الذى ينسجم مع المواقف الدولية المتمسكة بالمسار الديمقراطى فى موريتانيا والمعنية به. * لقد شهدنا انقلابا عسكريا على ديمقراطية ناشئة دون أن يكون هنالك مسوغ لتحرك من هذا القبيل سوى رغبة بعض العسكريين في الوصول إلى السلطة، لقد كانت المواقف الدولية وفي مقدمتها الجزائر مواقف قوية ومساندة للشرعية السياسية في البلاد ودافعة باتجاه عودة الحياة الدستورية إلى طبيعتها الأصلية حتى ولو حاول البعض تشويه الفترة الماضية من خلال التقليل من الإنجازات التى تمت أو الإدعاء بوجود تجاوزات، وكانت كل تبريرات الإنقلابيين أو المساندين لهم من قادة أحزاب المعارضة تبريرات واهية وغير مؤسسة على أرقام، بل نلاحظ اليوم فى موريتانيا أن أقصى ما يطمح اليه العسكريون هو المحافظة على معدل النمو الذي وصلت اليه البلاد السنة الماضية وفق ما قالوه خلال اجتماع مجلس وزرائهم الأخير. * موقف الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقه كان واضحا ومسؤولا، لقد رفض انقلاب الجيش على المسار الديمقراطى في البلاد، وهو موقف شريف، ونحن نقدره له وللشعب الجزائري الذي عبر عنه. * * *كيف تنظر الى الساحة السياسية فى موريتانيا الآن، وهل من الخيارات المطروحة اعلان حكومة جديدة لإدارة الأزمة التي تعيشها البلاد؟ * **لقد اطلعت على الأوضاع السياسية في البلاد من خلال لقائي مع قادة الأحزاب المساندين للشرعية الدستورية ونحن الآن بصدد البحث في كل الخيارات التى تعيد الأمور إلى نصابها، ونحن معنيون باستقرار البلاد وأمنها. وحينما أسترجع المنصب بصورة فعالة رغم أنني لم أفقده بصفة شرعية سأبذل كل مجهود لوضع حل للأزمة السياسية القائمة في البلاد رغم أننى لست متسببا بها. * * *الملك المغربي ألغى زيارة كانت مقررة لموريتانيا يوم الثاني عشر من يونيو (جوان) 2008 بعد لقائه مع الجنرال محمد ولد عبد العزيز، والرباط ترحب فعليا بحكام نواكشوط الجدد.. هل كان موقف الجارة المغرب مفاجئا لك؟ * **هذا ليس تحليلي، بل سبق وأن تحدثت مع الملك المغربي محمد السادس قبل الإنقلاب، وقد أرسل إلي وزير خارجيته وعدد من المبعوثين الآخرين، وقد عبروا خلال وجودهم في نواكشوط عن وجود إرادة قوية لدى الرباط أن تكون العلاقات الموريتانية المغربية علاقة قوية ويطبعها الإحترام وهذا هو التصور الحاصل لدي. * * أصداء من قرية لمدن * - تحولت قرية "لمدن" الصغيرة الهادئة إلى مركز اعلامي وسياسي، حيث تواصل وفود السياسيين إلى القرية لتقديم الدعم للرئيس المطاح به من قبل الجيش، بينما يرابط عشرات الإعلاميين عند باب الرئيس لعلهم يحظون بمقابلته وسط انشغاله بترتيب أوضاعه بعد نقله إلى قرية لمدن. * فوجئ أغلب الحاضرين بأن منزل الرئيس سيدى ولد الشيخ عبد الله من أقدم المنازل في القرية وأكثرها تواضعا إلى درجة اضطر معها الى نقل اجتماعاته إلى منزل ابن عمه (المدير السابق للميناء) بسبب ضيق المنزل المكون من شقتين أرضيتين ومطبخ بدائي ومغطى ب"الزنك" بدلا من الإسمنت. * منذ انطلاقنا من نواكشوط إلى قرية "لمدن" يصر العاملون في نقاط التفتيش على الطريق على استجوابنا وتسجيل أسمائنا والمهمة التي نريدها من خلال زيارتنا لقرية "لمدن"، كما أصر ثلاثة من عناصر الأمن على حضور المقابلة التى أجريناها مع الرئيس ولد الشيخ عبد الله.