الداعية يوسف البدري الشيخ يوسف البدري، مجرّد ذكر اسمه يثير زوبعة، بل عدة زوابع، في ساحة الفكر الديني وقضايا الاجتهاد. يلقب في مصر بالشيخ المثير للجدل، ورجل المعارك الساخنة، خصومه بالعشرات يقولون إنه شيخ متعصب وزعيم تيار تكفيري خطير، لكنه يرد عليهم بالقول أن أنصاره أكثر من خصومه بكثير، حتى أنه استشهد بمعاركه القضائية الناجحة للتدليل على قوة حجته مقابل ضعف حجج خصومه. * الشيخ والداعية المعروف يوسف البدري الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في سنتي 1993 و1994 حين رفع دعوى قضائية للتفريق بين الكاتب والفيلسوف نصر حامد أبوزيد وزوجته بسبب تكفير الأول، ثم لم يرتح كثيرا ليفجر بعدها قضية ختان البنات مطالبا وزير الصحة بإعادة هذه الطريقة مجددا، وقبل فترة قصيرة رفع دعوى قضائية ضد 8 كتّاب، بينهم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، جمال الغيطاني وجابر عصفور، ورفع أيضا دعوى ضد مفتية النساء الدكتورة سعاد الصالح؛ لأنها استهانت حسب وصفه بالنقاب، وأخيرا وليس آخرا، تصادف وجودنا في القاهرة، مع معركة جديدة للشيخ يوسف البدري، رفع خلالها دعوى قضائية ضد شيخ الأزهر ومعه وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية، والسبب اعتمادهم على منهج خاطئ لتدريس أسماء الله الحسنى!! * * زعماء الفيس دفعوا بالأبرياء للهلاك وبقوا في مناصبهم * غادرت الجزائر باكيا بعد أن اعتدى علي أحد طلبتي * الشروق اليومي التقت الشيخ البدري في منزله بحي المعادي، وكانت المفاجأة كبيرة؛ لأن من حاورناه التصقت بمخيلته الكثير من الذكريات في الجزائر، إلى درجة أنه كشف لنا أنه غادر الجزائر باكيا بعد وقوع حادثة مؤسفة له مع أحد الطلبة، يروي لنا تفاصيلها للمرة الأولى، مع مجموعة من آرائه ومواقفه حول الحركة الإسلامية في الجزائر، وتفسيره لمستوى العنف الذي انحدرت إليه بعض الجماعات. * * في الطريق إلى الشيخ يوسف البدري * ليس غريبا أن يسمّي أحد الكتاب الناقدين لضيفنا هذا الأخير بأنه زعيم ومؤسس الظاهرة "اليوسفية البدرية"، سألته عن عدد المرات التي وقف فيها أمام القضاء في مصر، فقال لي أنه "لا يذكرها على وجه الدقة والتحديد"، لكنها "كثيرة وما تزال مفتوحة".. قالها ضاحكا. عندما كلمنا الشيخ يوسف في هاتفه الخاص لتحديد موعد معه، استقبلنا بحفاوة شديدة لمجرد ذكر اسم الجزائر أمامه، فهو قد قضى فيها أجمل سنوات عمره حسبما وصفها وروى تفاصيلها بدقة، وكأنها كانت بالأمس فقط. حدّد لي الموعد بشقته الكائنة في حي المعادي الراقي جدا في القاهرة، وهو حيّ هادئ يسكن فيه معظم أثرياء مصر ونخبتها، فنانين ودعاة وسياسيين.. وصلت إلى شقته بعد صلاة العشاء متأخرا بعض الوقت، فأخبرني أنه "سيتسامح معي فقط لأنني جزائري، فلو كنت صحفيا مصريا لطردني اللحظة"!.. طلب مني نزع حذائي خارج الشقة؛ لأنه يعتبر هذه الأخيرة مسجدا خاصا به، لم أتفاجأ، فعلت ما أراده وجلست معه في مكتبته المليئة بالكتب فكان هذا الحوار.. * * بكيت لمغادرة الجزائر! * -الشروق: أبدأ من سؤالكم فضيلة الشيخ عن هذه العلاقة الحميمة التي تربطكم بالجزائر؟ كيف كانت البدايات وماسبب المغادرة الذي أخبرتني أنه ذكرى سيئة في حياتك؟ * - يوسف البدري: صحيح، لقد قضيت في الجزائر أسعد سنوات العمر، وذلك عندما اشتركت في حركة التعريب التي عرفتها البلاد بعد سنوات الاستقلال الأولى، وتحديدا فقد كنت عضوا في البعثة المصرية لنيابة التكوين في السنوات ما بين 1968 و1972... وأذكر أنني يوم مغادرة بلدكم، بكيت بشدة وبكى جميع من كان معي، كما أعطوني هدايا كثيرة، من بينها هدية مازلت أحتفظ بها إلى الآن، وهي صينية قهوة وإبريق مكسوين بالفضة داخل حقيبة، ومازلت هذه الهدية عندي أعتز بها، علما أنني كنت أحب التجوال في الجزائر، وكانت لي سيارة "فيات" اشتريتها بعدما حصلت على رخصة السياقة عندكم، وطفت بسيارتي معظم ولايات الشرق الجزائري، لكنني لم أزر من ولايات الغرب إلا وهران وتلمسان لأزور قبر الشيخ التلمساني هناك، وكان أعز أصدقائي في مدينة شرشال وهراني سجل لي القرآن الكريم مرتلا. وهنا أريد أن أروي لكم قصة طريفة وقعت لي، فعندما زرت بجاية اعتقدوا هناك أنني قبائلي من أبناء المنطقة، لأن عيناي زرقاوين وكان شعري أشقر، كما كنت نحيفا، فكان كل من ينظر إلي يظنني قبائليا، حتى كلموني بلهجة قبائلية، إن كنت من عزازڤة أو جرجرة أو تيزي وزو، أو إن كنت من القبائل الصغرى أو الكبرى، وأنا اضحك وأقول أنني مصري.. (يضحك) وقد تركت هناك عدة آثار علمية، حيث كنا في نيابة التكوين وأعددنا كتبا في التربية وتدريس اللغة العربية، وكنت أدرس الفلسفة أيضا، ومازال عندي كتاب أحتفظ به لأستاذ الفلسفة في أيامها، واسمه نصوص فلسفية. * * - الشروق: مع كل هذه الذكريات الجميلة التي قد تفاجأ بها العديد من القراء، ما قصة المغادرة وأسبابها؟ * - يوسف البدري: في الحقيقة لم أكن أريد ذكرها الآن، ولكنني ملزم بكشف الحقيقة، ففي الواقع أنني غادرت بعدما اعتدى عليّ أحد طلبتي بنيابة التكوين، حيث وبينما كنت أقدم درسا حول توأمة الجهاد بين مصر والجزائر، وأن كلا الشعبين قدما تضحيات كبيرة لتحقيق الاستقلال، نهض ذلك الطالب فظننته أنه سيسأل، لكنه روى أمام العلن نكتة سيئة تهين شرفاء لمصريات، فنهرته، وتصاعد الموقف إلى درجة أنه اعتدى علي ضربا وأوقعني في الأرض، ولم أنج منه إلاّ بعد تدخل الطلبة، وقد تركت هذه الحادثة في نفسي الكثير من الحزن والألم، لذا قررت بعدها أن أغادر الجزائر ولم أعد إليها، رغم اشتياقي لها في كل لحظة. * * علي بلحاج أخطأ في توقع نتائج أفعاله * - فضيلة الشيخ، نسألك كمتابع ومشارك في حركة التعريب وأيضا للحركة الإسلامية في الجزائر، ما رأيك فيما انتهت إليه هذه الأخيرة؟ وأين يمكنك تلمس انتصاراتها وخيباتها؟ * - في الواقع لقد سعدنا كثيرا عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالانتخابات البلدية، ولكننا لا ندري ماذا حصل فيما بعد، وما هي أسباب إبطال النتائج وإبعاد قادة الحركة الإسلامية، علما أن هذه الحركة الإسلامية تعرضت لكثير من المضايقات في فترة الرئيس الراحل هواري بومدين، وكنا نعتقد أن التغيير وقع بعد رحيله، لكن للأسف الشديد خابت توقعاتنا، ومع ذلك فأنا لا أبرّئ ساحة الحركة الإسلامية ولا قادتها من كل ما حدث منهم من قتل وتدمير وإبادة وتفجيرات.. كم من الضحايا الأبرياء، كم من الناس ماتوا ليبقوا هم في مناصبهم ويتكلمون باسم الإسلام؟!.. حتى أن أحد أعز أصدقائي، وهو السيد بويزري، تم قتله في تلك المحنة بعد خروجه من الجامعة، وهو من أعز أصدقائي (..) إن هؤلاء انحرفوا بالحركة الإسلامية ووضعوها في سياقات خطيرة، وأقصد هنا زعماء الفيس ومن كان في فلكهم. وإذا كان محفوظ نحناح حاول أن يلملم الموضوع وأن يرتب أمور الحركة بالانضمام للدولة، لكنه لم يمتلك الإمكانيات الضخمة التي كان يتوفر عليها قادة آخرون في الحركة الإسلامية، وبالتالي لم يستطع أن يوازن الأمور أو يقدم خدمة للشعب. * * - هل تريد القول أن الحركة الإسلامية كانت أكبر من قيادات الأحزاب، وخصوصا الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ * - ما أريد قوله، أنه إذا كان علي بلحاج وشريكه عباسي مدني لم يستطيعا وضع يديهما على الحركة حتى يرشِّدوها، فلاشك أن هذه مصيبة.. كان الوضع وكأنه قمقم انفتح على المارد وانطلق هذا المارد فعجز الناس عن استرجاعه، وأقول أن جميع محاولات لم الشمل والمصالحة لم تفلح حتى الآن. * * - (مقاطعا) إذن ما هو الحل برأيك؟ * - أنا أقول إن الجزائر تحتاج إلى مؤتمر شعبي يضم الجميع وتتم مصالحة وطنية بأبناء الجزائر دون تدخل أي أحد من الخارج. هذا اقتراحي، وطبعا كلامي ليس فيه النضج الكافي مثل كلام أبناء البلد الذين يعرفون ما فيها مما حدث من خراب ودمار وخفايا وخبايا، ولذلك مرة أخرى أنا أطالب الشعب الذي أحببته، وهو الشعب الجزائري، والذي استطاع أن يطول فرنسا ويتغلب عليها، وأن يجاهد ويكافح، أن يكف الدماء عن نفسه. وأنا في الواقع أتابع أخبار الجزائر بحزن وهمٍّ، وكنت أحب أن تكون الجزائر في طليعة الدول التي تبني مجد الأمة العربية، ومازلنا نذكر أشعار الشيخ عبد الحميد بن باديس .. (شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب.. من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب)، ولاشك أن هذا الكلام لابد أن يضعه الجزائريون أمام أعينهم، ويعودوا من جديد لمصالحة وطنية ويتحاوروا (...) أنا لا أقول أن دم الضحايا يذهب هباء، لكن ينبغي معاقبة المخطئ مهما كان منصبه، وأيّا كان صفته، وأن يلمّوا الشمل ويوقفوا الدماء النازفة، ويطيبوا الجروح عسى أن تندمل وترجع الجزائر مرة أخرى بلدا آمنا من جديد. * * في الجزء الثاني من حوار يوسف البدري * - أدعو علماء الجزائر لمساندتي في تصحيح أسماء الله الحسنى.. * - وقفت في وجه كل المسيئين للدين فوصفوني بالبعبع والمكفّر.. * - قضيتي القادمة ستكون من الجزائر وهذه تفاصيلها..! * * من هو الشيخ يوسف البدري؟ * الشيخ يوسف البدري، واسمه الحقيقي يوسف صديق محمد البدري زيد الحكيم، الهاشمي العباسي، 70 سنة، ومع ذلك ما يزال مثيرا للمعارك وكأنه في العشرين من العمر، قيل أنه زعيم تيار التكفير في مصر، فردّ قائلا أن مؤهلاته العلمية أكبر من خصومه، فهو حاصل على ليسانس دار العلوم التربوي بدرجة جيد من جامعة القاهرة في جوان 1959، ودراسات عليا في الفلسفة الإسلامية بدرجة جيد جدا في عام 1968، وماجستير للمرة الثانية في فكر المعتزلة، مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدى المعتزلة. * شغل البدري عدة مناصب، من مدرس لغة عربية إلى نائب في مجلس الشعب المصري، كما أنه من بين مؤسسي جامعة الدراسات العربية والإسلامية بباكستان عام 1988، وحاول في نفس السنة تأسيس حزب الصحوة الإسلامية، قبل أن يتم إلغاؤه بالمحكمة الإدارية العليا في يناير 1993. * طاف عدة بلدان، بما فيها الجزائر، بين سنتي 1968 و1972، كما شغل منصب مدير وإمام مجمع عمر بن الخطاب بالولايات المتحدةالأمريكية بين سنتي 92 و93، وشغل أيضا منصب الإفتاء والوعظ العام بإمارة الشارقة بدولة الإمارات. * للبدري 40 مؤلفا في الإسلام، وعشرات المقالات في الصحف، وهو إمام وخطيب جمعة، علما أنه ممنوع من ممارسة .هذه المهمة من طرف السلطات، لكنه استبدلها بالظهور تلفزيونيا في أكثر من برنامج، وعرف بالمناظرات الساخنة