يعيش العالم بداية هذا الشهر انعقاد قمتين سيكون لهما الأثر الكبير على الاقتصاد العالمي وعلى العلاقات الدولية لمدة طويلة. وينعقد اللقاء الأول في لندن ابتداء من اليوم، ليجمع عشرين دولة لها وزنها في الاقتصاد العالمي، وتأتي بعده مباشرة قمة الحلف الأطلسي (الناطو) لتحدد الخريطة الجديدة للعالم حسب ما تريده أكبر منظمة عسكرية. ومن أبرز ما تتميز بهما هاتان القمتان، أنهما ستشكلان أول لقاء دولي بهذا الحجم يشارك فيهما الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما. * ومن المنتظر أن يكون للرئيس الأمريكي دور أساسي في القمتين، لأنه يرأس أول قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، ولأنه لم يكن في الحكم يوم ظهرت الأزمة، ولأنه يتميّز بشعبية كبيرة على المستوى الدولي، ولأنه أبدى توجهات سياسية يقال عنها إنها تختلف جذريا عن مواقف الرئيس السابق جورج بوش. وسيكون الرئيس أوباما من أصغر المشاركين، مما يعطيه ميزة خاصة، لأن نظرته للأزمة وللعالم تختلف عن نظرة أولئك القادة الذين قضوا ما يعادل سنّ أوباما في السياسة. * وفي قمة لندن، سيطرح أوباما طريقته للخروج من الأزمة، وهي نظرة مبنية على تغييرات كثيرة في الاقتصاد الأمريكي، منها العودة إلى مؤسسات المراقبة، وإدماج حد أدنى من الشفافية على شبكات الأموال، ودفع الاقتصاد الأمريكي إلى تكنولوجيات جديدة تحافظ على البيئة وتتخلى عن النفط، ولو جزئيا. وسيواجه الرئيس الأمريكي البلدان الأوربية واليابان، خاصة في بعض الميادين التي تختلف فيها وجهات النظر، لكن من المنتظر أن يفرض الرئيس الأمريكي نظرته لأن بلاده تبقى المحور الأساسي للاقتصاد العالمي، ولا يمكن الكلام عن العودة إلى النمو دون إعادة الموازين للاقتصاد الأمريكي. * أما في إطار منظمة الحلف الأطلسي، فإن الرئيس الأمريكي سيفرض موقف بلاده، خاصة بعد انضمام فرنسا إلى الخط الأمريكي، وعجز أوربا عن تحديد سياسة خارجية وعسكرية موحدة تسمح لها بالتخلي عن الغطاء الأمريكي. ولن تؤدي الإصلاحات المنتظرة في الحلف الأطلسي إلا لضمان الطلبات الأمريكية، في انتظار ما سيسفر عنه تطور العلاقات مع روسيا. * وبعد القمتين، سيتوجه الرئيس أوباما إلى تركيا، لزيارة بلد صديق، يوجد في الخط الأمامي للمنطقة التي تواجه فيها أمريكا تحديات كبيرة، منطقة تضم العراق وإيرانوأفغانستان وباكستان. ومن المحتمل أن يطرح الرئيس أوباما هناك نظرته في طريقة التعامل مع المنطقة العربية والإسلامية، وهي نظرة تتميز فعلا عن سياسة الرؤساء الذين سبقوه. ويمكن تلخيص سياسته في العبارة التالية: إذا فشلت في التغلب على أعدائك، فاجعل منهم أصدقاء يدافعون عن مصالحك. * وتأكدت هذه السياسة في بلدان كثيرة، مثل العراق وإيرانوأفغانستان. في العراق، قرر الرئيس أوباما الانسحاب التدريجي، مع توسيع صلاحيات حلفائه العراقيين في ميدان حفظ الأمن، ومساعدتهم إذا تطلبت الظروف ذلك. لكن الرئيس أوباما قرر كذلك أن يتعامل مع إيران، ويسمح لها بتكريس نفوذها في المنطقة، مقابل مشاركتها في حفظ الاستقرار والمحافظة على المصالح الأمريكية. وقد أدرك الرئيس أوباما أن طهران لا تريد بالضرورة فرض عدم الاستقرار وزرع الإرهاب، بل إن إيران، مثل الكثير من الدول، تطمح أن تلعب دورا جهويا، وتريد أن تعترف لها أمريكا بذلك. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكيةالجديدة قبلت ذلك، كما تؤكده مشاركة واشنطن إلى جانب إيران في ملتقى دولي حول أفغانستان، وهذا لم يحدث منذ مدة طويلة. * ودائما في أفغانستان، تتعامل الإدارة الأمريكية مع المعارضة المسلحة بنفس المنطق. وقد اعترف رسميون أمريكيون أنهم كانوا متجهين نحو خسارة الحرب، لأن أعداءهم كثيرون وحلفاءهم قليلون. وقررت الإدارة الأمريكية أن تحاول عزل من تسميهم »المتطرفين« من الطالبان، وتربح صداقة من أسمتهم »الطالبان المعتدلين«، وإبعادهم عن باقي التنظيمات المسلحة، في محاولة لضمهم إلى السلطة. * هذا جزء من التغييرات التي طرأت على السياسة الأمريكية منذ وصول السيد باراك أوباما إلى السلطة. إنها تغييرات سيكون لها الأثر الكثير على المنطقة، وعلى الجزائر بصفة خاصة، لأننا بلد يعيش من النفط، وسعر النفط مرهون بوضع الاقتصاد الأمريكي. * ولأن الجزائر موجودة على الواجهة الجنوبية للحلف الأطلسي، ولأننا ننتمي إلى عالم يعتبره أوباما مضطربا؛ كيف يجب التعامل مع السياسة الأمريكيةالجديدة؟ لا نعرف لحد الآن، لأن الجزائر تنتظر بدورها انتخاب الرئيس الجديد ليدرس الوضع ويتخذ القرارات الكبرى التي يتم تحضيرها من طرف السادة عبد العزيز بلخادم وجمال ولد عباس، بمشاركة بوقرة سلطاني.