تمر هذا العام الذكرى الستون لإنشاء حلف شمال الأطلسي ''الناتو'' والذي أعتبر شاهدا على فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتوازناتها، وكان هو المقابل الغربي لحلف وارسو الذي ضم ما كان يسمى بدول الكتلة الشرقية. 60 عاماً على حلف الناتو.. التأسيس والتاريخ في عام 1949 تأسست منظمة حلف شمال الأطلسي من قبل الولايات المتحدة وكندا وعشر دول أوربية غربية لمواجهة التوسع السوفيتي في أوربا، ولا يزال المبدأ الأساسي للحلف هو الدفاع المشترك يعني الهجوم على أحد الأعضاء هجوم على الجميع. مر الناتو بعدة مراحل اهمها اندلاع الحرب الكورية في ,1950 التي أظهرت مدى التهديد الذي تمثله الدول الشيوعية، ودفع منظمة الناتو إلى التحول إلى حلف عسكري. وكان أول أمين عام للحلف هو لورد إسماي، الذي اشتهر بمقولته إن الهدف من حلف الناتو هو ''الإبقاء على الروس بعيدا، الأمريكان قريبا، والألمان بعيدا.'' في ,1955 انضمت ألمانيا الغربية للناتو، لتصبح عضواً حيوياً، بسبب موقعها الاستراتيجي، وقدراتها الصناعية. استدعى ذلك ردّ فعل فورياً، حيث تأسس حلف وارسو، ليكتمل مشهد الحرب الباردة على الجانبين. ضم الحلف الجديد كلاً من الاتحاد السوفيتي، ألبانيا، بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا، ألمانياالشرقية، هنغاريا، بولندا ورومانيا. في 1961 حدثت أزمة جدار برلين ، ووصلت الأزمة ذروتها بين موسكووواشنطن حول تحديد وضع ألمانيا، و قرر الرئيس السوفيتي خروشوف إغلاق المدخل الغربي لمدينة برلين، ورفع ميزانية الإنفاق العسكري بشكل كبير، في المقابل دعا الرئيس الأمريكي كيندي، لتوسيع قوات حلف الناتو. أدت الأزمة إلى هروب أعداد متزايدة من سكان ألمانياالشرقية إلى الغرب.،ولوقف هذا النزوح، قررت ألمانياالشرقية عزل القطاع الخاضع للاتحاد السوفيتي من المدينة، والبدء بتشييد جدار برلين. ظل الجدار قائماً حتى عام .1989 عام 1966 وقع حدث مفصلي في تاريخ الناتو ، وهو انسحاب فرنسا فقد قرر الرئيس الفرنسي شارل ديغول رفض إشراك القوات الفرنسية ضمن حلف الناتو، احتجاجاً على هيمنة القادة العسكريين الأمريكان. ، وطلب من قوات الحلف مغادرة الأراضي الفرنسية، في العام التالي نقلت منظمة الناتو مقرها من باريس إلى بروكسل، في عام 1989 دخل حلف الناتو مرحلة جديدة تماماً بعد سقوط الأنظمة الشيوعية، حيث وقعت دول الحلفين، الناتو ووارسو، معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوربا وأصدرت إعلان عدم الاعتداء عام ، و في العام التالي تم إلغاء حلف وارسو، بينما تمدد حلف الناتو في أوربا الشرقية من خلال تأسيس مجلس التعاون الشمال أطلسي، مع دول أوربا الشرقية وبعض الجمهوريات السوفيتية السابقة، في 1991 وقعت الحرب في يوغسلافيا ، وأول مهمة عسكرية في الفترة التي شهدت تفتت يوغسلافيا السابقة، وفيها أطلقت العملية التي حملت اسم ''عملية الحارس اليقظ'' و تم فيهاإسقاط أربع طائرات تابعة لصرب البوسنة. وبعد أربع سنوات ساهمت الغارات الجوية لقوات حلف الناتو في إنها ء الحرب في البوسنة، وانتهت تلك الحرب بالتوصل إلى اتفاق دايتون ومنذ ذلك الحين تم نشرت قوات ''ايفور'' لحفظ السلام ومراقبة وقف إطلاق النار في البوسنة. عام ,1999 أمر الأمين العام لحلف الناتو خافيير سولانا بغارات جوية مكثفة ضد يوغسلافيا بهدف وقف حملات الإبادة ضد المدنيين الألبان في إقليم كوسوفو. ونفذ الطيران الحربي والسفن التابعة للحلف غارات أدت إلى قتل وجرح الآلاف من الصربيين، وأدى ذلك إلى فرار نحو 300 ألف من الكوسوفيين الى ألبانيا ومقدونيا المجاورتين. وقبل الرئيس الزعيم اليوغسلافي ميلوسوفيتش قرار مجلس الأمن رقم 1244 القاضي بإنشاء قوة يقودها حلف الناتو (قوات كفور). وبعد تسع سنوات من ذلك أعلن سكان كوسوفو من الألبان استقلالهم بالرغم من اعتراض بلغراد على ذلك. وبقيت قوة من الحلف هناك قوامها 16 ألف جندي. وكانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر كافية ليلجأ الأمين العام للحلف آنذاك روبرتسن الى المادة السابعة من ميثاق الحلف والتي تقول إن الاعتداء على دولة عضو هو اعتداء على دول الحلف جميعاً، وبعدها بدأ الحلف بالقيام بعمليات مكافحة الإرهاب في البحر الأبيض المتوسط إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية فضلت عدم إشراكه في العمليات التي تقوم بها في أفغانستان. وفي هذا العام تمت دعوة كل من لتوانيا واستونيا ولاتيفيا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا للانضمام إلى حلف الناتو، ومنذ 2003 تولى الحلف قيادة قوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان (ايساف) وهي المرة الأولى التي يتولى فيها الحلف قيادة مهمة خارج أراضي الدول الأعضاء في الحلف. وبموجب ذلك تم نشر آلاف من القوات الإضافية في جنوب البلاد ، بشار الى ان العلاقات بين حلف الشمال الأطلسي وروسيا تعرضت إلى ضغوط شديدة بسبب الحرب على جورجيا في أوت 2008 وبعد اعتراف موسكو بالمناطق الانفصالية وهي ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية. دعم الحلف جورجيا كونها مرشحة للانضمام إليه لكنه في المقابل لم يتدخل عسكريا في الحرب لكنه جمد علاقاته الدبلوماسية و''التعاملات المعتادة'' مع الروس، وشهد عام 2009 قرار الرئيس الفرنسي ساركوزي العودة إلى حلف الناتو. مبادرات الحلف الاطلسي والدول الاعضاء فيه يتشكل حلف الناتو من 28 دولة بينها دول كانت مؤسسة للحلف، ودول انضمت إليه في ما بعد. وقد ضم في فترة تأسيسه عام 1949 الولايات المتحدة -التي تمتلك القوة العسكرية الأكبر داخل الحلف بالمقارنة مع باقي الدول الأخرى- وفرنسا وبلجيكا وكندا والدانمارك وآيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال وإنجلترا، وفي عام 1952 انضمت إليه تركيا واليونان التي انسحبت منه في الفترة ما بين عامي 1974 و.1980 ثم انضمت ألمانيا الغربية سابقا كذلك عام 1955 ومرة أخرى عام 1990 بعد اتحادها مع ألمانياالشرقية.، وعرف عام 1982 انضمام إسبانيا ثم سنة 1999 التشيك والمجر وبولندا. وفي عام 2004 انضمت بلغاريا وإستونيا ولاتفيا ولتوانيا ورومانيا ثم سلوفاكيا وسلوفينيا. وكانت تلك من أكبر عمليات الانضمام في تاريخ الحلف، وفي جانفي 2009 انضمت كل من كرواتيا وألبانيا إلى الحلف ليصبح عدد أعضائه 28 عضوا، وتستمر دول أخرى في مسار المفاوضات بشأن الانضمام إلى الحلف مثل مقدونيا وجورجيا وأوكرانيا، ودعا الحلف دولا أخرى مثل البوسنة والهرسك وصربيا والجبل الأسود في قمة لاتفيا عام 2006 أيضا إلى التعاون معه بشكل رسمي، وقد أعلن الحلف عن عدد من المبادرات، من أهمها مبادرة الشراكة من أجل السلام سنة 1994 تحت مسمى دعم العلاقة مع البلدان التي تقع على أطراف الحلف الأطلسي، مثل البوسنة وصربيا والجبل الأسود، والتعاون معها، وكذلك توقيع اتفاق تأسيسي لمجلس الناتو روسيا المشترك الدائم عام 1997 لمنح روسيا دورا استشاريا في مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك. ومع بداية الصراع في كوسوفو علقت روسيا كافة علاقاتها مع الناتو، ليتم تفعيل مجلس الناتو روسيا بشكل رسمي عام ,.2002 وأيضا مبادرة إسطنبول للتعاون -التي أعلنت عنها قمة الحلف عام 2004- الداعية إلى ما سمته التعاون مع دول الشرق الأوسط لتعزيز الاستقرار ودعم السلام في المنطقة. الحلف الأطلسي يقف على مفترق طرق أنتخب رئيس وزراء الدانمارك أمينا عاما للحلف الأطلسي وتوصل قادة الحلف إلى اتفاق بالإجماع على تعيين رئيس الوراء الدنمركي أندرس فوغ راسموسين أمينا عاما للحلف، خلفا ل ياب دي هوب شيفر، وذلك بعد أن تخلت تركيا عن معارضتها لتعيين راسموسين. وقال رئس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده أسقطت معارضتها بعد ''ضمانات'' من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن يكون أحد نواب راسموسين تركياً وأن القادة الأتراك سيكونون في قيادة الحلف. وسيتولى راسموسين المنصب حين يتنحى دي هوب شيفر من منصبه في نهاية جويلية المقبل. وتماما كما حدث في لندن عشية قمة العشرين في اثاني من أفريل الجاري ، لم يسلم حلف شمال الأطلسي ''الناتو'' الذي انعقد في ستراسبورغ هو الآخر من هجمات الآلاف من المناهضين لسياساته في وقت يستعد فيه للاحتفال بالذكرى الستين لتأسيسه، وفي الحقيقة فإن أصوات المحتجين في مدينتي ستراسبورغ الفرنسية وبادن بادن الألمانية ليست وحدها ما يعكر احتفالات الدول الأعضاء بتأسيس الحلف.فالناتو نفسه يعلم أن القمة لن تكون مناسبة لتبادل التهاني بقدر ما ستكون ضرورية للتطلع الى المرآة وتغيير ما يجب تغييره.فالحلف بحاجة الى التجديد، الى جانب المهمة الصعبة في أفغانستان والعلاقات مع روسيا وتنامي مشكلتي ارهاب الانترنت والأمن الطاقوي. في وصفه للوضع الحالي الذي يعيشه حلف الناتو يقول الأمين العام المنصرف للحلف ''إننا نقف عند مفترق طرق.لم يسبق أن واجه حلف الناتو كل هذا الحجم من المتطلبات.في الوقت نفسه نرى أننا أمام أكبر التحديات في تاريخنا.''، صحيح أن انعقاد قمة الناتو على نهر الراين يزخر بالكثير من الرمزية كونه يقع على حدود الخصمين اللذين تحولا الى حليفين وشركاء في قيادة التكتل الأوروبي، المانيا وفرنسا.وصحيح كذلك أن الناتو سيسجل حدثا مميزا في هذه المناسبة وهو عودة فرنسا الى المظلة الأطلسية بعد ان ذاب جليد الخلاف الفرنسي الأمريكي الذي استمر أكثر من أربع عقود منذ أيام الجنرال شارل دغول. كما سيشهد الحلف الذي يضم 26 دولة انضمام عضوين جديدين من شرق أوروبا هما البانيا وكرواتيا كدليل على اتساع هيمنته خلال سنوات الحرب الباردة، لكن على الرغم من كل تلك الاحتفالية فإن المشهد العام لا يمكن أن يخفي حقيقة أن الناتو يعيش في ''معمعة''. الحرب في أفغانستان .. تجربة مريرة يواجهها الناتو وملامح الفشل تلوح في الافق يخوض الناتو لحربا مريرة بعيدا عن أسوار أوروبا، وبالضبط في أفغانستان أين يوشك أن يخسرها ، فالعنف يسيطر على افغانستان لأكثر من سبع سنوات منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2001 للاطاحة بحكومة طالبان رغم وجود أكثر من 60 ألف جندي تحت قيادة الحلف الأطلسي بالاضافة الى آلاف آخيرين تحت قيادة الولايات المتحدة في عمليات ضد الارهاب. واكثر ما يحرص عليه الحلف اليوم هو ان لا يضطر الى أن ''يطأطئ رأسه'' ويذعن لطابان في افغانستان. وقد أكد مؤتمر دولي عقد في لاهاي الأسبوع الفارط على عزم المجتمع الدولي على عدم خسارة الحرب في أفغانستان واتفقت الدول حول استراتيجية أوباما الجديدة لتصعيد الحرب على المتشددين وتعزيز قوات الامن الافغانية، لكن محللين يحذرون من المغالاة في التفاؤل بخطة أوباما ويرون ان الزيادة المقررة في القوات الامريكية في أفغانستان لن تكون كافية وان شركاء واشنطن في حلف الاطلسي مازالوا يحجمون عن تقديم القوات والمعدات والأموال كما ان هناك حاجة لتنسيق الجهود. وأي تكن تلك الخطة المزمع اتباعها في أفغانستان فإن هناك اتفاق داخل اروقة الحلف الأطلسي على أن الوقت قد حان لصياغة استراتيجية جديدة. وفي هذا الملف الذي يمثل أحد أكبر رهانات الإدارة الأميركية الجديدة، صادق الجميع على الاستراتيجية الجديدة للرئيس اوباما: مزاوجة التعزيزات العسكرية بإعادة الإعمار ومكافحة الفساد. لكن الأوروبيين لن يكونوا قادرين على تلبية المطلب الأميركي الذي يسعى إلى مقاسمتهم التعزيزات العسكرية، وإرسالهم 17 ألف جندي، أي النصف الآخر من ال35 ألف جندي إضافي الذين تحتاجهم تقديرات قيادة الأطلسي لفرض تسوية سياسية مقبولة في أفغانستان، وتلافي هزيمة محتملة. وقال الرئيس نيكولا ساركوزي إن فرنسا قد أرسلت في الماضي التعزيزات المطلوبة، وستقدم ورقة أوروبية كاملة لإرسال درك يقومون بتدريب وتأهيل الشرطة الأفغانية. ومن المقرر ايضا ان ترسل بريطانيا مئات من العساكر الإضافيين، بحسب متحدث باسم رئيس الوزراء غوردون براون. ووعدت اسبانيا بإرسال 12 عسكريا أضافيا. العلاقات مع روسيا .. تحد آخر من داخل الحلف بقدر ما يحتاج الناتو الى خارطة طريق جديدة لسياساته فإنه يحتاج في المقام الأول الى التوافق في آراء الدول الأعضاء داخله حول العديد من الملفات، .والمثال الأقرب الى ذلك هو كيفية التعاطي مع روسيا.، فالتوسع الذي شهده حلف الناتو بانضمام عدد من دول الكتلة الشرقية السابقة، كبولندا، وكرواتيا، والبانيا أخيرا.وربما في المستقبل جورجيا وأوكرانيا، أدى إلى تزايد المخاوف الجدية لدى روسيا.وقد عبرت هذه المخاوف عن نفسها بطريقة مؤلمة، اثناء الحرب الروسية- الجورجية في صيف العام الماضي حول المقاطعتين الانفصاليتين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. يقول الأمين العام للحلف ياب دي هوب سيفر ''حول هذه النقطة سنظل مختلفين في الرأي مع روسيا.'' ويستدرك ''لكننا سنظل، مع ذلك، نواصل المحادثات مع موسكو.'' ونبرة التهدئة هذه لا علاقة لها بالواقع، و يعترف بذلك الناطق باسم حلف الناتو، أباتوراي. ويرى الأخير أن العلاقة مع روسيا تتسبب في انقسامات واسعة داخل الحلف ''إنه تحدٍ كبير، الحفاظ على التوافق في الرأي داخل أسرة الناتو، في ما يتعلق بالسياسة تجاه روسيا''.من المحتمل توفر الفرصة بشكل كبير لحدوث تقارب بين حلف الناتو وروسيا في المستقبل، وذلك في مجالات أخرى مثل السياسة المشتركة بخصوص تأمين مصادر الطاقة، أو التعاون في مجال مكافحة الإرهاب في العالم الافتراضي، وظاهرة الاحتباس الحراري.هذه هي الأخطار الجديدة التي ما فتئ الناتو يلح عليها بوتيرة متزايدة خلال سنوات ولايته الخمس، والتي جلبت عليه الكثير من الانتقادات الحادة.