الفنانة نادية بن يوسف عندما يقفون على المسارح ويواجهون جمهورهم تعتريهم سعادة المجد والنجومية المفترضة، وعندما تمتلئ جيوب بعضهم بدنانير "الرشقة" او بمقابل ما يؤدونه من أغان تتفتح شهيتهم على الكسب السريع. * لكنك عندما تجالس أحد الفنانين في خلوته يتكلم فيه ضميره الرافض للرزق "المشبوه"، وسرعان ما تكتشف وأنت تحدثه أنه يعيش تناقضا، ينتصر فيه صوت الجزائري المسلم الغيور على دينه، لكن خطوة "التوبة" لديهم تبقى صعبة نظرا لظروف ما تقف حائلا أمام قرار صارم باعتزال الغناء والاسترزاق من عمل الشريف. لقد شكلت التوبة النصوح مؤخرا لبعض الفنانين الجزائريين حديث العام الخاص، ما جعلنا نقترب من خبايا هذا الموضوع. * * أ. محمد الهادي الحسني * "نرحب بالأنشودة الدينية النظيفة ومن تغني بحجابها فالمطبخ أولى بها" * * قال الشيخ الهادي الحسني إن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عبده، مستدلا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه، كأنه قاعدٌ تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه. فقال بيده هكذا. ثم قال: للهُ أفرحُ بتوبة عبده، من رجلٍ نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلتهُ، عليها طعامه وشرابُه، فوضع رأسه، فنام نومة فاستيقظ، وقد ذهبت راحلتُه. حتى اشتد عليه الحرُّ والعطشُ أو ما شاءَ اللهُ. قال: أرجع إلى مكانى. فرجع. فنام نومة. ثم رفع رأسه. فإذا راحلته عنده". * فالتوبة يقول الشيخ تجب على كل من تلبّس بالذنب وشعر به، ليعود الى الله سبحانه وتعالى، وأضاف "إننا نسمي الفنانين الجزائريين ب "الفنانين" تجاوزا، لأننا لا نقدم فنا راقيا كالذي قدمته أم كلثوم في قصائدها التي تتغنى بالنبي صلى الله عليه وسلم، مستطردا بالقول انه لا يمانع أن يسلك مغني جزائري طريقا نظيفا في الفن، من خلال تأدية الأناشيد الدينية، أما عن رأي الشيخ في ظاهرة غناء بعض الفنانات بالحجاب فقال بصريح العبارة "على التي تسلك هذا المسلك أن تمكث في بيتها خيرا لها وأن تشتغل بأمور المطبخ على تدنيس حجابها.."، مضيفا "الدين الإسلامي ينهي المرأة على ان تخضع بالقول أو تنغم صوتها". * * الإمام نجيب النوي: "الأصل في الأنشودة الكلمة فإن كانت طيبة فهي مقبولة" * * يرى الشيخ الإمام نجيب النوي أن التوبة هي أوسع أفق فتحه الله لعباده، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى "قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا"، ويقول "إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات"، وعن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام"، أما عن توبة الفنانين فيرى الشيخ أنها أمر يثمن ويدعو إلى الرضا، فالله سبحانه وتعالى يحب التوابين ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.. والأنشودة التي أصبحت تتخذ اليوم كبديل عن الأغنية يرى الشيخ في شأنها أن الأصل فيها هو الكلمة، فإن كانت الكلمة طيبة في لحنها وفي دعوتها فهي مقبولة. * * الفنانة نادية بن يوسف: "الإيمان ما وقر في القلب، ولو بقيت في التعليم لأصبحت مديرة أو مفتشة" * * قالت الفنانة نادية بن يوسف ل "الشروق" إن التوبة هبة يمنحها الله لعباده، وأن الإيمان هو ما وقر في القلب، مشيرة إلى أنها اليوم لا تقوى على اعتزال الفن رغم ما يعتريها من تأنيب للضمير أحيانا، من منطلق أنه مصدر رزقها الذي تؤمن به احتياجات عائلتها، وقالت "أرغب في تغيير مهنتي لكن ماذا أفعل إن كان الله عز وجل قد كتب لي أن أستمر في الفن، وأن أقتات من هذه "الخبزة" التي منحي إياها.." معللّة كلامها بالقول "لا أملك مصدرا آخر للعيش عدا غنائي، وهو في مجمله هادف ونظيف ولا يتعدى الأطر الاجتماعية المتعارف عليها". وفي سياق حديثها، قالت الفنانة التي تغني اليوم بالحجاب في المناسبات العائلية "لو بقيت في سلك التعليم لكنت راضية عن نفسي أكثر، ولأصبحت اليوم مديرة مدرسة أو مفتشة في التعليم". * غير أن السيدة نادية بن يوسف عادت لتدافع عن مهنة الغناء بالقول إنها مهنة خاضعة للإخلاص التام، وأن اللون الغنائي الذي تؤديه لا يلهي الناس عن طاعاتهم أو يحرضهم على الفسق والانحراف، وعلى الفنان من وجهة نظرها أن يتحلى بقوة الشخصية، لأن الميدان الفني لا يرحم، قبل أن تذكر أنها تسلك اليوم ما أطلقت عليه "بيداغوجية في الفن" بمعنى أنها تدرس خطواتها واختياراتها التي تقول انها لا تضر بشخصها وبسمعتها. * وذكرت محدثتنا أن الوسط الغنائي الجزائري تغير كثيرا عن ذي قبل، بعد أن باتت الأغنية "الماجنة" تشهد تراجعا، "ليصبح الغناء الجزائري أكثر تأدبا" * * نبيل لوهيبي، الموزع السابق لأغاني الشاب خالد: * "أصلي وملتزم بديني منذ 06 سنوات وتوزيع السيديهات ليس حراما" * * قال نبيل لوهيبي صاحب شركة "لازار للتوزيع" الذي أشرف على توزيع أغاني الكينغ خالد لمدة 10 سنوات، ان الشركة تتخلى تدريجيا عن توزيع "سيديهات الراي" لأن المجال أصبح خصبا للقرصنة، كما ان منظر السيديهات وهي معروضة بالطرقات بات يبعث فيه الرغبة في تطليق المجال نهائيا، وقال ان الميدان تغير عن ما كان عنه في السابق، مشيرا إلى انه لا يعتقد ان مهنته تدخل في خانة "الحرام" لكنه تمنى ان يمن عليه الله بالتوبة، قبل ان يذكر انه اليوم ومنذ ست سنوات يصلي ويلتزم بالشعائر الدينية. * * الفنان التائب جلول: "صعب على الفنانين الجزائريين الاعتزال لأن أغلبهم لا يجيدون سوى الغناء" * * يرى الفنان التائب جلول، الذي تحول إلى غناء الأنشودة الدينية، أن "التوبة والاعتزال قرار صعب جدا على فنانينا الجزائريين، من منطلق أنهم يتخذون الغناء وسيلة لتأمين المال في ظل عدم عثورهم على مهن تؤمن احتياجاتهم، فالفنانون الشباب -يقول جلول- يرغبون في العيش في ظروف جيدة، ويحبون الربح السريع، وهو ما يؤمنه لهم الغناء، فهل يعقل أن يحصد الفنان الملايين في يوم واحد، فيما يتجرع عامل آخر في مجال مهني ما الغبن والمعاناة لتأمين مبلغ شهري زهيد، لكني أؤكد أنهم مقتنعون أنهم لو طلقوا الفن لماتوا جوعا..". وأضاف جلول أنه لا ينشد اليوم من أجل المال، لأنه لو رغب في "المادة" لما طلق حياة الغناء التي كانت تؤمن له الكثير، ولكنه يسعى اليوم إلى حث أقرانه من الفنانين على التحلي بالإيمان والتوكل على الله والتأكد بأن الله عز وجل هو الرزاق.." وأكد جلول أنه لا يتقاضى أي فلس نظير الإنشاد الديني، رغم أن منشدي اليوم يعتبرون الإنشاد مهنة مربحة. * وأثار جلول إشكالية عدم امتلاك معظم الفنانين الجزائريين لشهادات ولمستويات تعليمية، ما يقلص عندهم الرغبة في تطليق الفن "رغم أني أعلم أن صراعا يحتدم في نفوس أغلبهم حول مسألة الاعتزال والعودة إلى الله، فهم يعيشون تناقضا كبيرا، وأنا أعلم ذلك من منطلق الصداقة التي جمعتني بهم، إذ أنهم يغنون طول الليل ولكنهم لا يفوتون صلاة الفجر وباقي الصلوات." * المنشد جلول أبدى في سياق حديثه إعجابه الكبير بمبادرة الشاب أنور التي باح بها ل "الشروق" حول عزمه أداء الأناشيد الدينية بالدف والكورال دون إقحام أي موسيقى جانبية، وقال جلول إنه يتمنى أن يحذو الفنانون الجزائريون حذو "جوهرة تلمسان". * * الشابة يمينة: عازمة على الحج ولن أعود إلى الغناء بعدها حتى لو بعت "المعارك" * * ترى الشابة يمينة أن أغانيها لا تتضمن كلمات فاحشة تخدش حياء الأسرة الجزائرية، وبأن لباسها في المناسبات وظهورها التلفزيوني محترم، والتوبة من وجهة نظرها تجب على عينة أخرى من الفنانين الذين يترددون على الملاهي الليلية ويقتاتون من فتات "الرشقة" التي يحصلون عليها من زبائن تلك الأماكن "المشبوهة"، المليئة حسبها بجميع أجناس الرذيلة، متوقفة في هذا المقام عند "جلول" الذي اعتبرت أنه حين أقلع عن الغناء لم يتراجع عن قراره بالفعل، فقد كان يغني في أماكن "مشبوهة" وقد منّ الله عليه اليوم بصحوة في الضمير، ومع ذلك عادت صاحبة "عينيك يا عينيك" لتخبرنا أنها تشعر بوخز في الضمير؛ كونها تمتهن الغناء، ما جعلها تكشف لنا أنها عازمة على زيارة البقاع المقدسة، وهو ما سيجعلها تقلع نهائيا عن الغناء "لن أعود إلى الغناء إن لمست جدار الكعبة.." مضيفة "أتمنى التوبة نهائيا وأفضل بعد عودتي من الحج أن أبيع "المعارك" على أن أعود للغناء و"سعدك يا فاعل الخير"..". * وأبدت يمينة في معرض حديثها استياءها الكبير من الفنانات الجزائريات اللواتي استفدن من مكافأة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وزرن البقاع المقدسة ثم عدن مجددا إلى الغناء "لن أحذو حذو الفنانات اللواتي زرن قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدن بعد الحج إلى الغناء وكأنهن ذهبن في سياحة، متناسيات تماما بأن صوت المرأة عورة خاصة بعد تأدية فريضة الحج، فلماذا الغناء بعد الحج". * * الشاب أنور: "كل نفس ذائقة الموت، وأتمنى أن ألقى الله بقلب سليم" * * كان الشاب أنور في طريقه إلى العاصمة على متن سيارته عندما اتصلنا به، لكنه لم يبخل علينا بتقديم رأيه مجددا في ملف توبة الفنانين، بعد أن سبق له التصريح ل "الشروق" بأنه ينوي الإنشاد قريبا بالدف والكورال، لكن "جوهرة تلمسان" عاد هذه المرة ليؤكد أنه يتمنى التوبة وأن يلقى الله بقلب سليم، وكان كلامه يدور في فلك الخوف من لقاء الله "لا أدري وأنا على متن السيارة إن كنت سأصل إلى العاصمة أم لا، لأن الأعمار بيد الله، فكل نفس ذائقة الموت، وأتمنى من كل قلبي أن يمن الله علي بتوبة نصوح، وهو الأمر الذي فكرت فيه مليا.." وعاد الشاب أنور ليؤكد أنه لا يغني من أجل إذهاب عقول الشباب لأن نهجه الموسيقي نظيف ولا يسيء إلى الأسرة الجزائرية.