إلى غاية اليوم، لم يقبل الوزير الأول الإسرائيلي الجديد بحل الدولتين، الذي يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش إلى جانب إسرائيل. لكن ماذا يريد نتنياهو؟ فانتفاء حل الدولتين يعني فرض "حل الدولة الواحدة"، التي هي ليست "إسراطين" معمر القذافي، بل هي مقاربة إسرائيلية تعتبر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي "إثنيا وليس حدوديا"، وتبنى على بسط النظام الإسرائيلي في كامل الأراضي المحتلة، على أن يسمح فقط للفلسطينيين بإدارة شؤونهم "كمحمية إسرائيلية". * آخر ما بدر عن بنيامين نتنياهو بخصوص الملف الفلسطيني كان الأسبوع الماضي عندما قام بزيارة خاطفة للأردن، حيث نقلت وسائل الإعلام عن مكتب الوزير الأول قوله للملك عبد الله الثاني: "إنني أعي الحاجة إلى وجوب دفع المفاوضات مع الفلسطينيين وأعتزم إجراء مفاوضات سياسية وأمنية واقتصادية (متوازية) وبحيث لا يكون أي منها على حساب الآخر"، لكن نتنياهو رفض خلال لقائه العاهل الأردني "الالتزام بحل الدولتين للشعبين". * ماهي الصيغة الجديدة التي يطرحها الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بقيادة اليميني نتنياهو للتعاطي مع الفلسطينيين والمجموعة الدولية؟ ماذا سيقدم للفلسطينيين كبديل عن الدولة؟ وكيف يعتزم تحقيق ذلك؟ * الشيء الظاهر الذي تطرحه الحكومة الإسرائيلية الجديدة هو "السلام الاقتصادي"، والذي سبق وأن لخصه نتنياهو قبل شهر برغبة حكومته في تقوية الاقتصاد الفلسطيني في الضفة، مما يعني تحسين معيشة الفلسطينيين ماديا ورفع الحواجز والتقليل من الضغط والمداهمات، دون الحديث عن الأرض. كما تحدث أيضا عن رغبته في استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين على ثلاث مسارات: "اقتصادي، أمني ودبلوماسي". * عدم الإشارة لحل الدولتين يعني فرض حل الدولة الواحدة. وهذا الخيار مطروح بقوة اليوم في الساحة الإسرائيلية، سيما مع عودة اليمين، ويهيمن على النقاش الداخلي في إسرائيل، لكن هناك عقبات كبيرة تعترضه، منها الخوف من عدم ديمومته ومن عودة الانشغالات الأمنية على الساحة، ووجود إدارة أوباما التي أظهرت التزامها بتحريك الآلة الدبلوماسية لأجل استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين. * ما يثار من نقاش داخلي في الساحة الإسرائيلية كان قد لخصه أستاذان إسرائيليان دعيا لنقاش بمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأمريكية في أفريل الماضي. وعندما نستمع لهذا النقاش، الذي سوف أكتفي بسرده، ستتشكل لدينا صورة عن مضمون حل الدولة الواحدة. فمن بين ما قاله الأستاذ مناحن كلين، وهو أستاذ الدراسات السياسية بجامعة بئر العين في إسرائيل، ومستشار سابق لمفاوضات أوسلو، ومن المتحمسين لمقاربة جديدة للصراع أو لحل الدولة الواحدة (the one state solution)، من بين ما قاله هو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني "تحول من صراع حدود إلى صراع إثني، فالمشكلة ليست حدودية بل هي إثنية". وتابع يقول بأن "أي تحسن يجري الحديث عنه ينبغي أن يكون داخل المنظومة الإسرائيلية التي تمثل السلطة الفعلية الوحيد، أي تحت السلطة أو القانون الإسرائيلي، بينما يشتغل محمود عباس والسلطة الفلسطينية ويدير شؤون الفلسطينيين كمحمية إسرائيلية"، مشيرا إلى أن مجال استعمال عباس لقوته يبقى محدودا. * ويضيف الأستاذ كلين أن المعطيات على الأرض تقول، حسبه، "إن الإسرائيليين مرتاحون لهذا الوضع، فالوضعية الأمنية تحسنت كثيرا في السنوات الأخيرة، في الضفة أساسا". وحسبه فإن النظام الإثني الإسرائيلي يختلف عن نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا، "ما نريده هو فقط مراقبة الفلسطينيين"، كما قال. * في ذات الوقت، يرى أنه من الضروري إبرام صفقة مع سوريا لإخراجها من معادلة الصراع مع حزب الله، لأن إيران تمد حزب الله بالسلاح والعدة عبر سوريا وهناك انشغال إسرائيلي من هذه الناحية. * وحسب ذات المتحدث، فإن إسرائيل أرغمت على التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية على الحدود بفعل الانتفاضة ودفعت إلى إيجاد سبيل لاحتوائها بطرق مختلفة.. وأضاف أن "ما نحتاجه اليوم هو تأمين دول إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، فالأمر يتعلق بنظام واحد.." لكنه أثار انشغال إسرائيلي وحيد إزاء هذا النظام يتعلق بالمسألة الديمغرافية، بحيث سيصير الإسرائيليون بعد عشر سنوات أقلية. أما بالنسبة لغزة، فحسبه، يمكن الإطاحة بحماس بمزيد من الضغط والحصار، كما يمكن أن نجعل منها "محمية جديدة" تحت إشراف قوة دولية مشكلة من فرنسيين أو أتراك وغيرهما.. المحاضر نقل عن إيهود باراك قوله لمقربيه أن "حل الدولتين انتهى". * لكن هذا التحليل المثير للجدل لم يسلم من نقد الحاضرين الذين طرحوا انشغالات بخصوص مدى واقعيته. من ذلك ما أثاره زميله: شاي فلدمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة براندريس في بوسطن، الذي تساءل هل هذا النظام مرشح للدوام؟ هل هناك فعلا ارتياح إسرائيلي لهذا "النظام"، سيما من الجانب الأمني؟ ثم أين هم الفلسطينيون في هذه المعادلة؟ بمعنى هل يتوقع أن يذعن الفلسطينيون لهذا النظام؟ وكيف ستكون الأوضاع لو حصل تصعيد أمني جديد أو بزغت انتفاضة جديدة؟ ثم كيف سيكون الحل مع غزة؟ فهناك قلق وتشاؤم شديدين لدى الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء حسب ذات المتحدث. * ما يلاحظ أيضا أن هذا الخيار، لا نجد فيه أية إشارة للمجموعة الدولية والالتزامات التي قطعتها إسرائيل مع الفلسطينيين ومع أطراف الرباعية. وهو ما يعني أن إدارة أوباما هي الآن في مواجهة "صامتة" مع الائتلاف الإسرائيلي الحاكم قصد دفعه، ولو للتلميح يموقف دبلوماسي تكتيكي للقبول بالتفاوض مع السلطة الفلسطينية على أساس حل الدولتين، لكن ستكون مفاوضات من أجل المفاوضات ليس إلا. * الوضع يبدو أكثر تعقيدا عندما ننظر إلى استمرار الانقسام الفلسطيني وتجدره، وتعقد أوضاع غزة، وانعدام الفعل العربي.