والباني عبد العزيز بين أشقائه في سكيكدة بعد عودته إلى الوطن/تصوير: مكتب سكيكدة الإسرائيليون خوفونا من الاعتقال في الجزائر و"الشروق" أنقذتنا من سجن الرملة "الصهاينة كانوا يخوفوننا بالمصير المجهول وأن السلطات الجزائرية لن تقبل عودتنا حتى يجبروننا على طلب اللجوء السياسي في إسرائيل".. "كانوا يخضعوننا للتحقيق يوميا لعشرة أيام كاملة قبل المحاكمة للتأكد من عدم رغبتنا في الجهاد في فلسطين".. * * * "الميزيرية هي ما دفعنا ل"الحرڤة" إلى اليونان ومن ثم الوصول إلى ايطاليا الحلم.. التقينا في "سوق الحرمية" بأثينا.. رأينا الموت عندما انقلب بنا "الزودياك" في عرض البحر.. وشعرنا بنهاية حياتنا عندما وجدنا أنفسنا في إسرائيل".. عبارات لخص بها الشباب الجزائريون الأربعة المعتقلون في إسرائيل ل"الشروق اليومي" معاناة التسعة أشهر بين تركيا، اليونان، مصر، قبرص وإسرائيل... * آلاف الجزائريين في "سوق الحرمية" ب"أثينا" يهددهم نفس المصير عبد العزيز والباني، عادل شريط، فؤاد بوفروك، محمد أربعة شباب جزائريين دفعتهم "الميزيرية" والبطالة و لفقر وحلم بحياة أحسن إلى الهروب من الجزائر إلى تركيا لتقذف بهم أمواج البحر إلى جزيرة "ساموس" اليونانية قبل أن يفرقهم تجار المخدرات وبارونات "سوق الحرمية" في أمونيا بأثينا ليجمعهم من جديد كابوس سجن "الرملة" الإسرائيلي.. بمجرد تخطيهم لعتبة البيت العائلي من جديد بقرية القلعة في سكيكدة وأعالي العاصمة فتح الشباب الأربعة قلوبهم ل"الشروق اليومي" ليقصوا تفاصيل رحلة المعاناة من الجزائر إلى اسطنبول إلى أثينا والعودة إلى تركيا، ثم إلى مصر فقبرص قبل أن يزج بهم في ظلمات سجن "الرملة" الإسرائيلي ووصولهم إلى الجزائر قبل سبعة أيام من تسليمهم لأهاليهم.. وبدموع الألم والأمل، وصفوا لنا حيثيات الأيام السوداء والليالي الجهنمية في سجون بني صهيون. * * عبد العزيز.. هربت من "سوق الحرمية" فوقعت في السجن الإسرائيلي * عبد العزيز ولباني ذو 24 سنة، أعاد البسمة لثغر أمه صبيحة أمس بعودته إلى البيت العائلي بإحدى أفقر القرى الجزائرية "القلعة" 22 كلم عن بلدية أم الطوب بولاية السكيكدة، حدثنا عبر الهاتف لأكثر من ساعة رغم التفاف العشرات من أقربائه وأصدقائه للظفر بفرحة عناقه بعد طول فراق.. عبد العزيز اختار أن يوقف الزمن وهو يقبل والدته ليعود بنا إلى 25 مارس الماضي حين قرر مغادرة الجزائر وانتهاج أسلوب آخر في "الحرقة" قائلا "المزرية، البطالة، الحقرة.. بحثت عن عمل في كل جهة.. و لو "زبالا" ولم أجد.. سافرت إلى العاصمة ولكن دون جدوى.. لم أتحمل ولم أطق أن اصبر حتى فصل الصيف "موسم الحرقة" من شواطئ سكيكدة واخترت طريقا آخر لبلوغ أوربا.. طلبت تأشيرة من سفارة تركيا بالجزائر وتحصلت عليها في ظرف أيام قصد الدخول من هناك إلى اليونان وليتني لم أرى أثينا ولا سوق الحرمية يوما في حياتي". * * مع "مهربي البشر" في مطار اسطنبول * "وبمجرد وصولي إلى مطار اسطنبول حتى تهافت علي "مهربو البشر" تماما كسائقي الطاكسي الذين يعرضون عليك خدماتهم لتوصيلك للفندق.. ومن حسن حظي أن رحلة إلى جزيرة "ساموس" اليونانية كانت مبرمجة ليلة وصولي إلى اسطنبول.. دفعت 1200 أورو لمهرب "كردي" قصد إركابي في "زودياك" كان فيه أكثر من 40 رجلا وامرأة من مختلف الجنسيات.. عندما سلمته المبلغ أكد لي أن الرحلة لا تستغرق إلا نصف ساعة، لكن في الحقيقة بقينا قرابة عشر ساعات في البحر قبل أن تقذفنا الأمواج إلى السواحل اليونانية لتتلقفنا أغلال الأمن اليوناني.. حققوا معنا وفحصونا قبل أن يسلموا لنا وثيقة للإقامة في الأراضي اليونانية لمدة شهر، وفي أثينا تعرفت على عادل ومحمد وفؤاد، في سوق الحرمية ب"آمونيا" هذه المدينة التي تجمع كل "دعاوي الشر" تجار مخدرات، سرقة ومزورون من جنسيات إفريقية وآسيوية يحترفون التجارة في كل الممنوعات.. * * فؤاد. ."رأيت الموت مرتين.. عندما انقلب القارب بنا وعندما اكتشفت أني في إسرائيل" * ليكمل فؤاد بوفروك ابن قريته الذي التقاه ب"سوق الحرمية" في أثينا بعد أن غادر سكيكدة في 4 مارس الماضي باتجاه تركيا ومن ثم إلى اليونان قائلا "غادرنا سكيكدةوالجزائر، كل على حده، ولكن القدر جمعنا من جديد بعد رحلة الموت من تركيا إلى اليونان في سوق الحرمية.. ملتقى كل الجزائريين الحراقة الذين يتجاوز عددهم الألف.. لكن رحلة الموت كانت أكثر خطورة، حيث انقلب بنا الزودياك في عرض البحر بعد أن كان المهرب التركي قد وعدني بأنها لن تتجاوز النصف ساعة وقد دفعت له 1500 أورو.. رأيت الموت مرتين، المرة الأولى عندما انقلب "الزودياك" وغمرتنا المياه ودفعتنا الأمواج إلى الأعماق وكان رفقتي 24 جزائريا وسيدة مغربية في الخمسينات من العمر.. لحسن الحظ تشبتنا بالزودياك والحقائب ونجا منا البعض ومات البعض الآخر، ولكن في تلك اللحظات لا تفكر إلا في نفسك.. أما المرة الثانية فعندما عرفت أننا في إسرائيل". * * ظنوا أنهم في إيطاليا فوجدوا أنفسهم في تركيا فإسرائيل.. * وأضاف فؤاد "الحياة في الجزائر رغم "الميزرية والحقرة" أفضل بمليون مرة عن الحياة في "أمونيا" اليونانية، ليقترح علينا عادل باعتباره الأقدم فينا باليونان والأكثر تجربة أن نغادر أثينا باتجاه ايطاليا عبر التسلل في باخرة تجارية تنقل السيارات من ميناء ترياس التجاري إلى ايطاليا، والإجراءات الرقابية أقل بكثير من ميناء الجزائر، حيث تسللنا بمنتهى السهولة إلى الداخل دون مساعدة أي أحد، وبعد 10 ساعات من الإبحار توقفت الباخرة وعند نزولنا تصادفنا بالأمن التركي يطوقنا.. نعم، نحن في تركيا وليس إيطاليا.. عدنا من حيث أتينا، عدنا إلى نقطة الصفر.. بعد تحقيقات دامت لساعات وبحضور قبطان السفينة الإيطالية الذي طلبت منه السلطات التركية إرجاعنا إلى أثينا، حيث لم نكن نحمل أي وثائق هوية سوى الوثيقة التي منحتنا إياها السلطات اليونانية للإقامة فوق أراضيها لمدة شهر.. وافق القبطان ولكن بشرط أن يكمل تفريغ حمولتها في باقي محطات رحلته البحرية، حيث أبحرنا رفقته في ظروف جيدة وفي غرف مزدوجة باتجاه الإسكندرية، ثم إلى قبرص وكانت المحطة الأخيرة قبل العودة إلى أثينا هي تفريغ آخر حمولة من السيارات في إسرائيل، إلا أن الجنود الإسرائيليين فتشوا الباخرة وحققوا مع طاقمه عندما اكتشفوا أننا لسنا إيطاليين.. قبطان السفينة الإيطالي أكد لهم أننا جزائريون وسبق أن حقق معنا الأمن التركي وله أمر من السلطات التركية بإعادتنا إلى "أثينا".. إلا أن الجنود الإسرائيليين أرغمونا على النزول والتحقيق معنا وأمروا الباخرة بالإبحار.. لحظتها كدنا أن نفقد فيها عقولنا.. كنا نتوقع كل شيء، إلا أن نسجن في إسرائيل.. إنهم اليهود.. إنهم اليهود". * * عادل.. "ضغطوا علينا لطلب اللجوء في إسرائيل و"الشروق" أنقذتنا" * عادل شريط ذو 26 سنة غادر الجزائر في شهر ديسمبر من السنة الماضية باتجاه تركيا ومن ثم إلى اليونان ولكن اخترق الحدود التركية اليونانية برا مقابل 500 أورو دفعها لمهرب سوري بالأراضي التركية والتقى بكل من عبد العزيز ومحمد وفؤاد في شهر مارس ب"سوق الحرمية"، ولأنهم من قرية واحدة سوى محمد، فهو من العاصمة قرر أن يضع تجربته في اليونان تحت تصرفهم وأن يساعدهم وفضل أن يحدثنا عن الأيام التي قضوها في سجن الرملة الإسرائيلي": اعتقلنا من قبل الجنود الإسرائيليين من فوق السفينة الإيطالية والقبطان الإيطالي حاول إنقاذنا ولكن دون جدوى.. كانت صدمة حقيقية بالنسبة لنا.. كنا نحلم بإيطاليا وأوربا فوجدنا أنفسنا في إسرائيل تحت رحمة اليهود.. اقتادونا لمركز الاعتقال "الرملة" الإسرائيلي ليحققوا معنا لمدة عشرة أيام متتالية بشكل يومي، حيث ظنوا في بادئ الأمر أننا فلسطينيون وتسللنا لإسرائيل لقتالهم، حيث لم نكن نملك أي وثائق سوى وثيقة الإقامة اليونانية الصالحة لمدة شهر إلا أنه وبمجرد أن اتصلنا بأهالينا في الجزائر وأرسلوا لنا وثائق الهوية كيفوا التهمة الموجهة لنا بالهجرة غير الشرعية وأحالونا على المحكمة في نهاية شهر مارس التي برأتنا وأمرت بترحيلنا إلى الجزائر، ولكن عدم وجود علاقات بين الجزائر وإسرائيل عقّد قضية ترحيلنا فاتصلنا بالصليب الأحمر الذي سعى لترحيلنا منذ شهر "مارس"، وفي الوقت ذاته كان المحققون الإسرائيليون يؤكدون لنا أن الجزائر سترفض استقبالنا ولن نجد خيارا إلا إسرائيل فاقترحوا علينا اللجوء السياسي في إسرائيل، لكن رفضنا ذلك.. فالسجن والموت في الجزائر على أرضنا أفضل من البقاء دقيقة في إسرائيل مع اليهود.. والحمد لله فبعد أن فجرت الشروق اليومي قضيتنا على صفحاتها أشرقت حياتنا من جديد وبزغ بصيص الأمل، حيث تحركت السلطات الجزائرية والسفير الجزائري في الأردن بالتنسيق مع الصليب الأحمر، حيث سلمنا للأردن ووصلنا إلى الجزائر فجر الثلاثاء الماضي، حيث استقبلنا الأمن الجزائري وحقق معنا في ظروف جيدة وأفرج عنا صبيحة أمس لنعود لأهالينا...